العدد : ١٦٨٤٨ - الخميس ٠٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٨ - الخميس ٠٩ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٠١ ذو القعدة ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

كيف واجه الاقتصاد الروسي العقوبات الغربية؟

بقلم: د. نبيل العسومي

السبت ٢٤ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

في‭ ‬كلمته‭ ‬أمام‭ ‬المنتدى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الدولي‭ ‬الدوري‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬سانت‭ ‬بطرسبورج‭ ‬الروسية‭ ‬حاول‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬تقديم‭ ‬جرد‭ ‬مفصل‭ ‬للنتائج‭ ‬التي‭ ‬تحققت‭ ‬خلال‭ ‬السنة‭ ‬الأخيرة‭ ‬وسط‭ ‬حضور‭ ‬بارز‭ ‬ومميز‭ ‬للمشاركين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المنتدى‭ ‬العالمي‭ ‬الذي‭ ‬يقام‭ ‬سنويا‭ ‬بمدينة‭ ‬سانت‭ ‬بطرسبورج‭ ‬والذين‭ ‬تجاوز‭ ‬عددهم‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬12‭ ‬ألف‭ ‬مشارك‭ ‬قدموا‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬وبالحضور‭ ‬البارز‭ ‬لمعرض‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬الشقيقة‭ ‬الذي‭ ‬افتتحه‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬زايد‭ ‬آل‭ ‬نهيان‭ ‬رئيس‭ ‬دولة‭ ‬الامارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬والرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬معا‭ ‬بمشاركة‭ ‬الرئيس‭ ‬الجزائري‭ ‬عبدالمجيد‭ ‬تبون‭ ‬وعدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬والوزراء‭ ‬الجزائريين‭ ‬الذين‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المنتدى‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام،‭ ‬حيث‭ ‬وضع‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬النقاط‭ ‬على‭ ‬الحروف،‭ ‬وقدم‭ ‬صورة‭ ‬دقيقة‭ ‬عن‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬تحديدا‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭. ‬ويمكننا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬التوقف‭ ‬عند‭ ‬أهم‭ ‬النقاط‭ ‬التي‭ ‬أعلنها‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬بدقة‭ ‬متناهية‭:‬

في‭ ‬البداية‭ ‬وقبل‭ ‬استعراض‭ ‬هذه‭ ‬النقاط‭ ‬وجب‭ ‬أن‭ ‬نوضح‭ ‬أن‭ ‬ادعاءات‭ ‬عزل‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬التي‭ ‬تشدقت‭ ‬بها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ودول‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬عامة‭ ‬قد‭ ‬سقطت‭ ‬في‭ ‬الماء،‭ ‬وأثبتت‭ ‬هذه‭ ‬المشاركة‭ ‬الواسعة‭ ‬في‭ ‬منتدى‭ ‬سانت‭ ‬بطرسبورج‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬ليست‭ ‬معزولة‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الحدث‭ ‬وإن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المهمة‭ ‬والفاعلة‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وسياسيا‭ ‬وعسكريا‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الحضور‭ ‬اللافت‭ ‬للنظر‭.‬

اولا‭: ‬أكد‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬أن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الروسي‭ ‬استطاع‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬الصدمة‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬تجاوز‭ ‬تأثير‭ ‬العقوبات‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬تجاوزت‭ ‬7‭ ‬آلاف‭ ‬عقوبة‭ ‬استهدفت‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وتدميره،‭ ‬ونجحت‭ ‬روسيا‭ ‬نجاحا‭ ‬باهرا‭ ‬في‭ ‬تجاوز‭ ‬مخاطر‭ ‬هذه‭ ‬العقوبات،‭ ‬والدليل‭ ‬أن‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الروسي‭ ‬قد‭ ‬زاد‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬بنسبة‭ ‬3‭.‬3%،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬مؤشرات‭ ‬الصناعة‭ ‬زادت‭ ‬بنسبة‭ ‬2‭.‬9%‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تعرض‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬للحصار‭ ‬والمقاطعة‭.‬

ثانيا‭: ‬نجاح‭ ‬روسيا‭ ‬خلال‭ ‬السنة‭ ‬والنصف‭ ‬الماضية‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬العمل‭ ‬الحكومي‭ ‬والشراكة‭ ‬مع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬الروسي‭ ‬لإنقاذ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وتعزيز‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الحصار،‭ ‬ومن‭ ‬نتائج‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬تشهد‭ ‬أقل‭ ‬نسبة‭ ‬تضخم‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬2‭.‬2%،‭ ‬وهذا‭ ‬لوحده‭ ‬مؤشر‭ ‬يؤكد‭ ‬قدرة‭ ‬الدولة‭ ‬الروسية‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وتنويعه‭ ‬وإنقاذه‭ ‬من‭ ‬ضربات‭ ‬الحصار‭ ‬الذي‭ ‬فرض‭ ‬على‭ ‬روسيا،‭ ‬حيث‭ ‬استطاع‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬الروسي‭ ‬أن‭ ‬يشغل‭ ‬الفراغ‭ ‬الذي‭ ‬تركته‭ ‬الشركات‭ ‬الغربية‭ ‬المنسحبة‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬تنفيذا‭ ‬لسلسلة‭ ‬العقوبات‭ ‬المفروضة‭ ‬عليها،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬لم‭ ‬تطرد‭ ‬أي‭ ‬شركات‭ ‬من‭ ‬السوق‭ ‬الروسي‭ ‬كردّ‭ ‬فعل‭ ‬على‭ ‬العقوبات‭ ‬وتركت‭ ‬الفرصة‭ ‬متاحة‭ ‬لديها‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬الروسي،‭ ‬ولكن‭ ‬جميع‭ ‬الشركات‭ ‬انسحبت‭ ‬بضغط‭ ‬من‭ ‬دولها‭ ‬وخوفا‭ ‬من‭ ‬معاقبتها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬الروسي‭ ‬استطاع‭ ‬تشغيلها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬90‭ ‬ألف‭ ‬مبادرة‭ ‬جديدة‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬علامات‭ ‬تجارية‭ ‬روسية‭ ‬بديلا‭ ‬عن‭ ‬العلامات‭ ‬التجارية‭ ‬الأجنبية‭ ‬التي‭ ‬اضطرت‭ ‬إلى‭ ‬الانسحاب‭ ‬بسبب‭ ‬الضغوط‭ ‬الغربية‭.‬

ثالثا‭: ‬نجاح‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬فتح‭ ‬أسواق‭ ‬جديدة‭ ‬للسلع‭ ‬الروسية‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬والأسمدة‭ ‬والحبوب‭ ‬التي‭ ‬توجهت‭ ‬بوتيرة‭ ‬سريعة‭ ‬وغير‭ ‬مسبوقة‭ ‬نحو‭ ‬دول‭ ‬آسيا‭ ‬وتعزيز‭ ‬الشراكة‭ ‬مع‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشركاء‭ ‬الجدد،‭ ‬ولم‭ ‬تخسر‭ ‬روسيا‭ ‬شيئا‭ ‬بل‭ ‬استفادت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬قبل‭.‬

رابعا‭: ‬بدء‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬استراتيجي‭ ‬لبناء‭ ‬2600‭ ‬سفينة‭ ‬ضخمة‭ ‬وبناء‭ ‬سفن‭ ‬الاسطول‭ ‬البحري‭ ‬الشمالي‭ ‬وزيادة‭ ‬طاقة‭ ‬النقل‭ ‬بـ34‭ ‬مليون‭ ‬طن‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العام‭.‬

خامسا‭: ‬تمكن‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬تطوير‭ ‬شبكة‭ ‬المواصلات‭ ‬والاتصال‭ ‬والتوسع‭ ‬في‭ ‬توصيل‭ ‬الانترنت‭ ‬إلى‭ ‬ملايين‭ ‬الروس‭.‬

سادسا‭: ‬تطوير‭ ‬السياحة‭ ‬الداخلية‭ ‬الروسية‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬حيث‭ ‬قام‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬ملايين‭ ‬روسي‭ ‬برحلات‭ ‬داخلية‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬السياحية‭ ‬وبالتالي‭ ‬توفير‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الخدمات‭ ‬السياحية‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬إنفاق‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬في‭ ‬السياحة‭ ‬الخارجية‭.‬

سابعا‭: ‬توسع‭ ‬التجارة‭ ‬البينية‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬الدولية‭ ‬باستخدام‭ ‬العملات‭ ‬الوطنية‭ ‬مثل‭ ‬الروبل‭ ‬والروبية‭ ‬الهندية‭ ‬واليوان‭ ‬الصيني‭ ‬والدرهم‭ ‬الإماراتي‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬العملات‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬هيمنة‭ ‬الدولار‭ ‬واليورو‭.‬

هذه‭ ‬أهم‭ ‬النقاط‭ ‬التي‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ ‬بوتين‭ ‬والتي‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬واضح‭ ‬على‭ ‬تطور‭ ‬روسيا‭ ‬وتشكل‭ ‬عالم‭ ‬جديد‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الهيمنة‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬إلى‭ ‬أخذ‭ ‬حجمها‭ ‬الطبيعي‭ ‬في‭ ‬عالما‭ ‬جديدا‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬ممكنا‭ ‬فيه‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭.. ‬فروسيا‭ ‬قطب‭ ‬دولي‭ ‬فاعل‭ ‬وقوي،‭ ‬والصين‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬أقطاب‭ ‬دولية‭ ‬قوية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬قوى‭ ‬صاعدة‭ ‬مثل‭ ‬الهند‭ ‬وجنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬والبرازيل‭ ‬والمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬ودولة‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬والجزائر‭. ‬إنه‭ ‬إذن‭ ‬عالم‭ ‬جديد‭ ‬سيظهر‭ ‬للوجود‭ ‬بفضل‭ ‬الجرأة‭ ‬الروسية‭ ‬التي‭ ‬تمردت‭ ‬على‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والغربية‭ ‬التي‭ ‬استمرت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا