العدد : ١٦٨٢٩ - السبت ٢٠ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٢٩ - السبت ٢٠ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ شوّال ١٤٤٥هـ

الاسلامي

يا آدم أنبئهم

الجمعة ٠٩ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬عاطف‭ ‬الصبيحي

الحرية‭ ‬فطرة‭ ‬منذ‭ ‬نفخ‭ ‬الروح،‭ ‬بالنفخ‭ ‬الروحي‭ ‬الإلهي‭ ‬تأنس‭ ‬البشر،‭ ‬وبالنفخ‭ ‬تأهل‭ ‬الإنسان‭ ‬للخلافة،‭ ‬بعدما‭ ‬كان‭ ‬كومة‭ ‬بيولوجية‭ ‬تتحرك‭ ‬بلا‭ ‬هدى،‭ ‬لا‭ ‬يضبطها‭ ‬ضابط‭ ‬من‭ ‬خُلق‭ ‬أو‭ ‬هدى‭ ‬من‭ ‬علم،‭ ‬فأراد‭ ‬الله‭ ‬بتكريم‭ ‬البشر‭ ‬بنفخة‭ ‬الروح‭ ‬ليكون‭ ‬أهلا‭ ‬لحمل‭ ‬الخلافة‭ ‬وعمارة‭ ‬الكون،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬وخط‭ ‬التاريخ‭ ‬شاهد‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فالحرية‭ ‬بهذا‭ ‬هي‭ ‬صنو‭ ‬الإنسان،‭ ‬أي‭ ‬يفقد‭ ‬الإنسان‭ ‬إنسانيته‭ ‬بغياب‭ ‬حريته‭ ‬طوعاً‭ ‬أو‭ ‬كرهاً‭.‬

الحرية‭ ‬ثقافة،‭ ‬ولا‭ ‬يحمل‭ ‬الثقافة‭ ‬إلا‭ ‬الإنسان،‭ ‬ثقافته‭ ‬هي‭ ‬نتيجة‭ ‬للهبة‭ ‬الربانية‭ ‬المتمثلة‭ ‬بالسمع‭ ‬والبصر‭ ‬والفؤاد‭ ‬وقبلها‭ ‬الروح‭ ‬كبُعد‭ ‬رابع‭ ‬للإنسان‭ ‬كما‭ ‬يحلو‭ ‬للمفكر‭ ‬الحاج‭ ‬حمد‭ ‬أن‭ ‬يصفها،‭ ‬والحاج‭ ‬حمد‭ ‬هذا‭ ‬المفكر‭ ‬استخلص‭ ‬لنفسه‭ ‬منهجية‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬مسألة‭ ‬الحرية‭ ‬ذات‭ ‬الحساسية‭ ‬البالغة‭ ‬والأكثر‭ ‬إغراءً‭ ‬للبحث،‭ ‬فهو‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬القراءتين‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬العاني‭ ‬في‭ ‬تقديمه‭ ‬لكتاب‭ ‬الحاج‭ ‬حمد‭: ‬قراءة‭ ‬بالقلم‭ ‬وهي‭ ‬قراءة‭ ‬الواقع‭ ‬الموضوعي‭ ‬وما‭ ‬يتعلق‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬إشكالات،‭ ‬وقراءة‭ ‬باسم‭ ‬الله‭ ‬ينطلق‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬بصفته‭ ‬كتاب‭ ‬مهمين‭ ‬وحاكم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المتون‭ ‬المنبثقة‭ ‬عنه،‭ ‬ولا‭ ‬يغيب‭ ‬عن‭ ‬بال‭ ‬المفكر‭ ‬تكوين‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه،‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭ ‬آنفاً‭ ‬بأن‭ ‬الحرية‭ ‬صنو‭ ‬الإنسان‭ ‬لما‭ ‬تقدم‭ ‬من‭ ‬أسباب‭.‬

البُعد‭ ‬الروحي‭ ‬وليس‭ ‬أبعاد‭ ‬الجسد‭ ‬الحسية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬حرية‭ ‬الإنسان،‭ ‬والعلم‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬نفخة‭ ‬الروح‭ ‬هو‭ ‬شرط‭ ‬الحرية‭ ‬الأول،‭ ‬وعليه‭ ‬كان‭ ‬الاستخلاف،‭ ‬وليس‭ ‬التنزيه‭ ‬والعبودية،‭ ‬حيث‭ ‬العبودية‭ ‬خطوة‭ ‬تالية‭ ‬على‭ ‬العلم،‭ ‬والنص‭ ‬القرآني‭ ‬يشير‭ ‬بوضوح‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الاستخلاف‭ ‬خطوة‭ ‬تالية‭ ‬للعلم‭ ‬أو‭ ‬استحقاق‭ ‬له،‭ ‬والآيتين‭ ‬31،30‭ ‬من‭ ‬البقرة‭ ‬تشيران‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الخاصية‭: (‬وإذ‭ ‬قال‭ ‬ربك‭ ‬للملائكة‭ ‬إني‭ ‬جاعل‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬خليفة‭ ‬قالوا‭ ‬أتجعل‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬يفسد‭ ‬فيها‭ ‬ويسفك‭ ‬الدماء‭ ‬ونحن‭ ‬نسبح‭ ‬بحمدك‭ ‬ونقدس‭ ‬لك‭ ‬قال‭ ‬إني‭ ‬أعلم‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تعلمون‭) ‬فالملائكة‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬المسبحين‭ ‬بلا‭ ‬انقطاع،‭ ‬العابدين‭ ‬بلا‭ ‬فتور،‭ ‬الطائعين‭ ‬طاعة‭ ‬مطلقة،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬الاستخلاف‭ ‬من‭ ‬نصيبهم،‭ ‬ويقول‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬الآية‭ ‬التالية‭: (‬وعلّم‭ ‬آدم‭ ‬الأسماء‭ ‬كلها‭ ‬ثم‭ ‬عرضهم‭ ‬على‭ ‬الملائكة‭ ‬فقال‭ ‬أنبئوني‭ ‬بأسماء‭ ‬هؤلاء‭ ‬إن‭ ‬كنتم‭ ‬صادقين‭) ‬سؤال‭ ‬في‭ ‬جوفه‭ ‬الإجابة‭ ‬بالعجز‭ ‬ويستطرد‭ ‬القرآن‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭: (‬قالوا‭ ‬سبحانك‭ ‬لا‭ ‬علم‭ ‬لنا‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬علمتنا‭ ‬إنك‭ ‬أنت‭ ‬العليم‭ ‬الحكيم‭) ‬إقرار‭ ‬بالعجز‭ ‬ويتلو‭ ‬ذلك‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬قال‭ ‬يا‭ ‬آدم‭ ‬أنبئهم‭ ‬بأسمائهم‭ ‬فلما‭ ‬أنبأهم‭ ‬بأسمائهم‭ ‬قال‭ ‬ألم‭ ‬أقل‭ ‬لكم‭ ‬إني‭ ‬أعلم‭ ‬غيب‭ ‬السموات‭ ‬والأرض‭ ‬وأعلم‭ ‬ما‭ ‬تبدون‭ ‬وما‭ ‬كنتم‭ ‬تكتمون‭) ‬فجلي‭ ‬أن‭ ‬معيار‭ ‬الاستخلاف‭ ‬كامن‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬وعلّم‭ ‬آدم‭ ‬الأسماء‭ ‬كلها‭).‬

فالربط‭ ‬بين‭ ‬نفخة‭ ‬الروح‭ ‬والحرية‭ ‬يفرضه‭ ‬المنطق،‭ ‬ومن‭ ‬خلاله‭ ‬ينطلق‭ ‬الوعي‭ ‬الإنساني‭ ‬بالكون‭ ‬كله،‭ ‬وعليه‭ ‬فالحرية‭ ‬غير‭ ‬مقيدة‭ ‬لأي‭ ‬ضوابط‭ ‬تعيق‭ ‬الإنسان‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬مقومات‭ ‬الوعي،‭ ‬وإنما‭ ‬قيد‭ ‬الحرية‭ ‬هو‭ ‬قيد‭ ‬أخلاقي،‭ ‬وهذا‭ ‬القيد‭ ‬هو‭ ‬المشترك‭ ‬الإنساني‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬الأديان‭ ‬والمذاهب‭ ‬والفلسفات‭. ‬

ترتكز‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬المنظور‭ ‬الغربي‭ ‬على‭ ‬تكوين‭ ‬الإنسان‭ ‬المادي،‭ ‬وفي‭ ‬الإسلام‭ ‬فإنها‭ ‬مرتكزة‭ ‬على‭ ‬بُعدين‭ ‬البُعد‭ ‬الكوني‭ ‬وامتداد‭ ‬الإنسان‭ ‬الغيبي،‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬عنصرا‭ ‬أساسيا‭ ‬في‭ ‬التكوين‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬وللحرية‭ ‬ضوابط‭ ‬اجتماعية‭ ‬وإكراهات‭ ‬ثقافية‭ ‬واجتماعية‭ ‬تعمل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الشعور‭ ‬الجمعي‭ ‬والتي‭ ‬تأتي‭ ‬نتيجة‭ ‬التنشئة‭ ‬والأعراف‭ ‬والتقاليد،‭ ‬فمن‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ‭ ‬الحرية‭ ‬هي‭ ‬مفهوم‭ ‬فطري،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬يكتسب‭ ‬بفعل‭ ‬التنشئة‭ ‬والثقافة‭ ‬والعلاقات‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬الإنسان‭ ‬بالآخرين‭ ‬محددات‭ ‬موضوعية‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تقنين‭ ‬وتقييد‭ ‬حريته‭ ‬وحركته،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬الاجتماع‭ ‬الإنساني،‭ ‬لكن‭ ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عليه‭ ‬حدود‭ ‬تلك‭ ‬الضوابط،‭ ‬وما‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تتجاوزه‭.‬

من‭ ‬الصعب‭ ‬بمكان‭ ‬حصر‭ ‬مفهوم‭ ‬كمفهوم‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬واحد،‭ ‬لذا‭ ‬سيكون‭ ‬الموضوع‭ ‬اللاحق‭ ‬مكملا‭ ‬لهذا‭ ‬المقال‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬بمثابة‭ ‬مقدمة‭ ‬أو‭ ‬عتبة‭ ‬أساسية‭ ‬وضرورية‭ ‬لما‭ ‬بعده‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا