العدد : ١٦٨٣٥ - الجمعة ٢٦ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٧ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٣٥ - الجمعة ٢٦ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٧ شوّال ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

نظرية الأخلاق عند الفيلسوف الأمريكي جون ديوي (١-٢)

بقلم: د. سامية الديك {

الخميس ٠٨ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

تُعد‭ ‬الأخلاق‭ ‬عماد‭ ‬المجتمع‭ ‬وأساسا‭ ‬لاستقامته‭ ‬وركنا‭ ‬أساسيا‭ ‬من‭ ‬أركان‭ ‬الوجود‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ونسقا‭ ‬حيويا‭ ‬في‭ ‬نسيج‭ ‬الحياة‭ ‬الإنسانية‭ ‬فهي‭ ‬نظام‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬يوجه‭ ‬حياة‭ ‬الفرد‭ ‬وينهض‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬أرقى‭ ‬مستوياتها‭ ‬الإنسانية،‭ ‬فتجسيد‭ ‬القيم‭ ‬والفضائل‭ ‬جوهر‭ ‬الحياة‭ ‬الأخلاقية‭ ‬وغايتها،‭ ‬وعليه‭ ‬تولي‭ ‬المجتمعات‭ ‬أهمية‭ ‬بالغة‭ ‬للأخلاق‭ ‬لأن‭ ‬غيابها‭ ‬أو‭ ‬تدهورها‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تصدع‭ ‬المجتمع‭ ‬وانهياره‭ ‬فتغيب‭ ‬عنه‭ ‬مظاهر‭ ‬الانسجام‭ ‬والوحدة‭ ‬والتماسك‭ ‬والقوة‭ ‬ويعم‭ ‬به‭ ‬الفساد‭ ‬وينزلق‭ ‬في‭ ‬وحل‭ ‬التخلف‭ ‬الثقافي‭ ‬والحضاري‭ ‬مفتقرا‭ ‬إلى‭ ‬صمام‭ ‬الأمن‭ ‬والأمان‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬العولمة‭ ‬والانفتاح‭ ‬على‭ ‬الثقافات‭ ‬وغياب‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وانتشار‭ ‬أعراف‭ ‬وعادات‭ ‬غير‭ ‬سوية‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬والمجتمع،‭ ‬بات‭ ‬تعزيز‭ ‬منظومة‭ ‬الأخلاق‭ ‬عند‭ ‬النشء‭ ‬ضرورة‭ ‬ملحة‭ ‬في‭ ‬الأسرة‭ ‬وفي‭ ‬المدرسة‭ ‬لدورها‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬القيم‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬نمو‭ ‬متعلميها‭ ‬نفسيا‭ ‬واجتماعيا‭ ‬وفكريا‭ ‬وأخلاقيا‭.‬

فالنمو‭ ‬المستمر‭ ‬غاية‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم،‭ ‬وبناء‭ ‬الطبع‭ ‬أو‭ ‬الخلق‭ ‬هدف‭ ‬شامل‭ ‬من‭ ‬أهداف‭ ‬التعليم‭ ‬والانضباط‭ ‬المدرسي‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬دعا‭ ‬إليه‭ ‬جون‭ ‬ديوي‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬الفلاسفة‭ ‬ومؤسسي‭ ‬الفكر‭ ‬البراجماتي‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬نادى‭ ‬بضرورة‭ ‬تخفيف‭ ‬حدة‭ ‬التوتر‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬السائدة‭ ‬بجعل‭ ‬البيئة‭ ‬مصدرا‭ ‬أداتيا‭ ‬لغرس‭ ‬المعايير‭ ‬الأخلاقية‭ ‬في‭ ‬النفوس‭ ‬البشرية‭. ‬وهدفه‭ ‬تغيير‭ ‬القيم‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإنسانية‭ ‬باتخاذ‭ ‬الفكر‭ ‬أداة‭ ‬للعمل‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يحقق‭ ‬للإنسان‭ ‬ما‭ ‬يبتغيه‭. ‬

فقد‭ ‬كان‭ ‬ديوي‭ ‬يؤمن‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭ ‬قابل‭ ‬للتغيير‭ ‬إن‭ ‬دعت‭ ‬الضرورة‭ ‬إلى‭ ‬تغييره‭ ‬ولا‭ ‬يجوز‭ ‬أن‭ ‬يقف‭ ‬شيء‭ ‬حائلا‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الإصلاح‭. ‬واعتبر‭ ‬التربية‭ ‬موروثا‭ ‬ثقافيا‭ ‬وعملية‭ ‬تجدد‭ ‬وحياة‭ ‬واهتمام‭ ‬بحاضر‭ ‬المتعلم‭ ‬ومستقبله‭ ‬أو‭ ‬إنها‭ ‬‮«‬النمو‮»‬‭ ‬أو‭ ‬إنها‭ ‬التوجيه‭ ‬الاجتماعي‭. ‬ويرى‭ ‬أن‭ ‬أهم‭ ‬مشكلة‭ ‬للتربية‭ ‬الخلقية‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬تتصل‭ ‬بالعلاقة‭ ‬بين‭ ‬المعرفة‭ ‬والسلوك‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬التعلم‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المقرر‭ ‬الدراسي‭ ‬المنتظم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مؤثرا‭ ‬في‭ ‬الطبع‭ ‬فلا‭ ‬جدوى‭ ‬من‭ ‬تصور‭ ‬الغاية‭ ‬الخلقية‭ ‬كغاية‭ ‬توحد‭ ‬التربية‭. ‬وهنا‭ ‬يكمن‭ ‬السؤال‭ ‬كيف‭ ‬كان‭ ‬‮«‬جون‭ ‬ديوي‮»‬‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الأخلاق؟

اعتمد‭ ‬في‭ ‬شرحه‭ ‬لنظريته‭ ‬الأخلاقية‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬مقاصد‭: ‬أولها‭ ‬إن‭ ‬الأخلاق‭ ‬إنسانية‭ ‬وثانيهما‭ ‬إن‭ ‬الأخلاق‭ ‬ظاهرة‭ ‬اجتماعية‭ ‬وإن‭ ‬المنفعة‭ ‬العملية‭ ‬هي‭ ‬مقياس‭ ‬الحق‭ ‬من‭ ‬الباطل‭ ‬بما‭ ‬يترتب‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬في‭ ‬السلوك‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬المشاكل‭ ‬القائمة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬النمو،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬معيار‭ ‬الحقائق‭ ‬ومقياس‭ ‬القيم‭ ‬جميعا‭. ‬ويعد‭ ‬الاتصال‭ ‬والتغيير‭ ‬المستمر‭ ‬الناشئ‭ ‬عن‭ ‬الخبرة‭ ‬مقياس‭ ‬الخير‭ ‬ومعاييره‭. ‬وأن‭ ‬التجربة‭ ‬أو‭ ‬الخبرة‭ ‬الواعية‭ ‬للإنسان‭ ‬هي‭ ‬المقياس‭ ‬الوحيد‭ ‬للوجود‭ ‬المادي‭ ‬أو‭ ‬‮«‬التقويم‮»‬‭ ‬ويرى‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬موازين‭ ‬الأخلاق‭ ‬منحطة‭ ‬فذلك‭ ‬ناشئ‭ ‬من‭ ‬نقص‭ ‬التربية‭ ‬التي‭ ‬يتلقاها‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬تفاعله‭ ‬مع‭ ‬بيئته‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬فالأخلاق‭ ‬ليست‭ ‬اجتماعية‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬نظره‭ ‬بل‭ ‬تمثل‭ ‬عنده‭ ‬مسؤولية‭ ‬وإنجازا‭ ‬فرديا‮»‬‭.‬

‭ ‬وهنا‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الإنسان‭ ‬يتأثر‭ ‬بأخلاق‭ ‬مجتمعه‭ ‬لكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬نجد‭ ‬أنه‭ ‬يشق‭ ‬طريقا‭ ‬خاصا‭ ‬به‭ ‬ويصبح‭ ‬سيد‭ ‬أخلاقه‭. ‬فالعقل‭ ‬أداة‭ ‬لترقية‭ ‬الحياة‭ ‬وليس‭ ‬وسيلة‭ ‬للمعرفة،‭ ‬وجوهر‭ ‬العمل‭ ‬قائم‭ ‬بحرية‭ ‬الأفراد‭ ‬وتحملهم‭ ‬المسؤولية‭ ‬الأخلاقية‭. ‬وأن‭ ‬التفكير‭ ‬أداة‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬البيئة،‭ ‬وهذه‭ ‬السيطرة‭ ‬تتم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬أفعال،‭ ‬فالتربية‭ ‬ليست‭ ‬إلا‭ ‬استجابة‭ ‬لما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬فكيف‭ ‬يمكن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬أبعادا‭ ‬اجتماعية؟

لتحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬المدرسة‭ ‬وجعل‭ ‬بيئتها‭ ‬تتسم‭ ‬بالحيوية‭ ‬والواقعية‭ ‬تتيح‭ ‬التفاعل‭ ‬للفرد‭ ‬وبيئته‭ ‬لاكتساب‭ ‬خبرة‭ ‬التعلم،‭ ‬والاهتمام‭ ‬بالصفات‭ ‬التي‭ ‬تنمي‭ ‬المتعلم‭ ‬كصفات‭ ‬الخلق،‭ ‬وتوجيه‭ ‬ميول‭ ‬النشىء،‭ ‬وتعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬والتواصل،‭ ‬وجعل‭ ‬التعلم‭ ‬فيها‭ ‬متصلا‭ ‬ومطردا‭ ‬مع‭ ‬التعلم‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬لأن‭ ‬انعزالها‭ ‬يجعل‭ ‬المعرفة‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للتطبيق‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬وعقيمة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تكوين‭ ‬الطبع‭ ‬أو‭ ‬الخلق‭ ‬فالانضباط‭ ‬والثقافة‭ ‬والفاعلية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬سمات‭ ‬خلقية‭ ‬وعلامات‭ ‬أن‭ ‬الفرد‭ ‬عضو‭ ‬قيم‭ ‬في‭ ‬مجتمعه‭ ‬وشأن‭ ‬التربية‭ ‬أن‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬تقدمه‭.‬

ويرى‭ ‬أن‭ ‬موضوع‭ ‬الأخلاق‭ ‬هو‭ ‬سلوك‭ ‬الناس‭ ‬‮«‬اإذ‭ ‬يقوم‭ ‬بتحليل‭ ‬الطبيعة‭ ‬البشرية‭ ‬وفق‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسس‭ ‬وهي‭ ‬الدافع‭ ‬والعادة‭ ‬والذكاء‭ ‬وثالثا‭ ‬يعتبر‭ ‬الأخلاق‭ ‬بأنها‭ ‬يمكن‭ ‬بحثها‭ ‬علميا‭ ‬وضبطها‭ ‬وتوجيهها‭ ‬كما‭ ‬تبحث‭ ‬سائر‭ ‬العلوم‭ ‬الطبيعية،‭ ‬وأن‭ ‬البحث‭ ‬ذا‭ ‬الطابع‭ ‬الأخلاقي،‭ ‬أساس‭ ‬لكل‭ ‬تقدم‭ ‬إنساني‭ ‬ومصدر‭ ‬خصب‭ ‬للنمو‭ ‬البشري،‭ ‬ولتجدد‭ ‬المستمر‭ ‬للقيم‭. ‬

{‭ ‬دكتوراه‭ ‬في‭ ‬القيادة‭ ‬والإدارة‭ ‬

التربوية‭ ‬–‭ ‬جامعة‭ ‬القدس

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا