العدد : ١٦٨٢٨ - الجمعة ١٩ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٠ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٢٨ - الجمعة ١٩ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٠ شوّال ١٤٤٥هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

زمن «التيك أوي»!

{‭ ‬يبدو‭ ‬ومثلما‭ ‬إيقاع‭ ‬الحياة‭ ‬يتسارع‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ويبلغ‭ ‬‮«‬المتغيرّ‭ ‬الزمني‮»‬‭ ‬أوجَه،‭ ‬وهو‭ ‬يختصر‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭ ‬من‭ ‬التحولات‭ ‬والتطورات،‭ ‬ليسكبها‭ ‬في‭ ‬بضعة‭ ‬عقود‭ ‬توالت‭ ‬منذ‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬لتختزل‭ ‬سبعة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬تلاحق‭ ‬الثورة‭ ‬التكنولوجية،‭ ‬ما‭ ‬اعتاده‭ ‬البشر‭ ‬من‭ ‬بطء‭ ‬التحولات‭ ‬خلال‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭! ‬لنصل‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬واقع‭ ‬في‭ ‬عشق‭ (‬الاختزال‭) ‬أو‭ (‬سرعة‭ ‬الإعداد‭) ‬أو‭ ‬هو‭ (‬زمن‭ ‬التيك‭ ‬أوي‭) ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يغيِّر‭ ‬فقط‭ ‬نكهة‭ ‬الوجبات‭ ‬لتنتقل‭ ‬من‭ ‬الطهي‭ ‬المنزلي‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬مطاعم‭ ‬الوجبات‭ ‬السريعة‮»‬‭ ‬مثل‭ ‬الكنتاكي‭ ‬والماكدونالد‭ ‬والبرجر‭ ‬والبروستد‭ ‬وغيرها‭! ‬وإنما‭ ‬أصبح‭ ‬الحوار‭ ‬القائم‭ ‬بين‭ ‬البشر،‭ ‬والأنشطة‭ ‬والفعاليات‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ (‬العوالم‭ ‬الافتراضية‭)‬،‭ ‬بدورها‭ ‬مصابة‭ ‬بأزمة‭ ‬الوقت،‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬اختزال‭ ‬التبادل‭ ‬المعلوماتي‭ ‬فيها‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان،‭ ‬حتى‭ ‬باتت‭ ‬تلك‭ ‬الأنشطة‭ ‬عبر‭ ‬الزووم‭ ‬والفيس‭ ‬بوك‭ ‬وغيرها‭ ‬سمة‭ ‬العصر‭ ‬في‭ ‬التلاقي‭ ‬الثقافي‭ ‬والمعرفي،‭ ‬وتسهيل‭ ‬إقامة‭ ‬الأنشطة‭ ‬والمشاركة‭ ‬الافتراضية‭ ‬بديلاً‭ ‬للأنشطة‭ ‬التقليدية،‭ ‬التي‭ ‬تستهلك‭ ‬وقتًا‭ ‬أكثر‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬المكان‭ (‬حضورًا‭) ‬في‭ ‬زحمة‭ ‬المرور‭ ‬والشوارع‭! ‬إنها‭ ‬السهولة‭ ‬والسرعة‭ ‬يا‭ ‬صديق‭!‬

{ حتى‭ ‬البيوت‭ ‬اختزلت‭ ‬علاقاتها‭ ‬لتصاب‭ ‬بنكهة‭ ‬الزمن‭ ‬المختزل‭ ‬في‭ (‬التفاعل‭ ‬الأسري‭) ‬الذي‭ ‬انعكس‭ ‬على‭ ‬أفراد‭ ‬الأسرة،‭ ‬وكل‭ ‬منهم‭ ‬يحمل‭ ‬هاتفه‭ ‬الذكي‭ ‬في‭ ‬يده،‭ ‬ويتواصل‭ ‬مع‭ ‬القروبات‭ ‬والواتساب‭ ‬والفيس‭ ‬بوك‭ ‬والانستجرام‭ ‬والتيك‭ ‬توك،‭ ‬في‭ ‬زحمة‭ ‬من‭ (‬التواصل‭ ‬الافتراضي‭) ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬بما‭ ‬يشغله‭ ‬عن‭ ‬أقرب‭ ‬أفراد‭ ‬أسرته‭ ‬أو‭ ‬عائلته،‭ ‬فيما‭ ‬هو‭ ‬يستقبل‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الغثّ‭ ‬من‭ ‬‮«‬الملهيات‮»‬‭ ‬وصُنَّاع‭ ‬المحتوى‭! ‬ليزدحم‭ ‬الوقت‭ ‬بكل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬انشغال‭ ‬واشتغال‭ ‬بكثرة‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬نقله‭ ‬من‭ ‬الأخبار‭ ‬والمعلومات‭ ‬وحكايات‭ ‬مختزلة‭ ‬في‭ ‬لقطات‭ ‬مصورة‭ ‬عبر‭ ‬العالم‭! ‬فلا‭ ‬يعود‭ ‬الإنسان‭ ‬بعدها‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬أبدًا‭! ‬ولكثرة‭ ‬الانشغال‭ ‬بالمحتويات‭ ‬المختلفة،‭ ‬يتراجع‭ ‬دور‭ ‬الكتاب‭ ‬ودور‭ ‬اللقاءات‭ ‬البشرية‭ ‬ودور‭ ‬الاحتكاك‭ ‬بالناس‭ ‬وجهًا‭ ‬لوجه،‭ ‬ودور‭ ‬الأنشطة‭ ‬والفعاليات‭ ‬بالحضور‭ ‬المباشر،‭ ‬وتتحوّل‭ ‬حتى‭ ‬التعليقات‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الافتراضي‭ ‬إلى‭ ‬رموز‭ (‬الإيموجي‭) ‬تعبيرًا‭ ‬عن‭ ‬الرضا‭ ‬أو‭ ‬السخط‭ ‬أو‭ ‬الضحك‭ ‬أو‭ ‬الغضب،‭ ‬فرمز‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬تلك‭ (‬الإيموجيات‭) ‬تختزل‭ ‬بدورها‭ ‬الكلام‭ ‬والحاجة‭ ‬إلى‭ ‬التعبير‭!‬،‭ ‬ليصبح‭ ‬التواصل‭ ‬الافتراضي‭ ‬بدوره‭ (‬تواصل‭ ‬تيك‭ ‬أوي‭) ‬أو‭ ‬التواصل‭ ‬السريع‭!‬

{‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬الانبهار‭ ‬بالتطورات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬والهواتف‭ ‬الذكية،‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬جرّ‭ ‬البشر‭ ‬إلى‭ ‬أنفاقها‭ ‬المتعددّة،‭ ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬مجرد‭ ‬بداية‭ ‬لانبهار‭ ‬قادم‭ ‬سيصيب‭ ‬البشر‭ ‬مع‭ ‬‮«‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‮»‬،‭ ‬وما‭ ‬سينتجه‭ ‬ذلك‭ ‬الذكاء‭ ‬من‭ ‬تحولات‭ ‬ومجالات‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬أشكال‭ ‬التواصل،‭ ‬وفي‭ ‬العلاقات‭ ‬وفي‭ ‬تقنية‭ ‬الوظائف‭ ‬والمهن،‭ ‬وفي‭ ‬التعليم‭ ‬بل‭ ‬وفي‭ ‬داخل‭ ‬الأسرة‭ ‬حين‭ ‬يتحوّل‭ ‬البيت‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬لدى‭ ‬الغالبية‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬القادمة‭ ‬إلى‭ (‬البيت‭ ‬الذكي‭)‬،‭ ‬بما‭ ‬يحمله‭ ‬من‭ ‬منتجات‭ ‬ومصنوعات‭ ‬وروبوتات‭ ‬ذكية‭!‬

{‭ ‬الإنسان‭ ‬وحده‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬الطبيعي‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬الافتراضي،‭ ‬ومع‭ ‬وفرة‭ ‬المعلومات‭ ‬المبرمجة،‭ ‬وتراجع‭ ‬‮«‬العقل‭ ‬المعرفي‮»‬‭ ‬في‭ ‬اشتباكاته‭ ‬الطبيعية‭ ‬مع‭ ‬العلاقات‭ ‬الإنسانية‭ ‬الأسرية‭ ‬والمجتمعية،‭ ‬ومع‭ ‬نسج‭ ‬مفاهيمه‭ ‬من‭ ‬الالتصاق‭ ‬بالطبيعة‭ ‬ومخلوقاتها‭ ‬المتنوعة،‭ ‬وحده‭ ‬سيكون‭ (‬الأكثر‭ ‬غربة‭) ‬فيما‭ ‬يحدث‭ ‬حوله،‭ ‬رغم‭ ‬الازدحام‭ ‬الكبير‭ ‬للعوالم‭ ‬الافتراضية‭ ‬حوله‭! ‬ورغم‭ ‬الكمّ‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬في‭ ‬التواصل‭ ‬الافتراضي‭!‬

{‭ ‬لكل‭ ‬شيء‭ ‬بالطبع‭ ‬وجهان‭: ‬الوجه‭ ‬الجيد‭ ‬حين‭ ‬يعرف‭ ‬الإنسان‭ ‬كيف‭ ‬يوجّه‭ ‬نفسه‭ ‬والأدوات‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬وماهية‭ ‬الأغراض‭ ‬والأهداف‭ ‬التي‭ ‬يتعّلق‭ ‬بها‭ ‬تسهيل‭ ‬مهامه‭! ‬والوجه‭ ‬السلبي‭ ‬أو‭ ‬السيء،‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يغرق‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬التحولات‭ ‬والتطورات،‭ ‬لتعبث‭ ‬به‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مجرد‭ ‬أداة‭ ‬في‭ ‬يده،‭ ‬لا‭ ‬تطغى‭ ‬على‭ ‬تطورّه‭ ‬الفكري‭ ‬والروحي،‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬علاقاته‭ ‬الطبيعية‭ ‬في‭ ‬الأسرة‭ ‬والمجتمع،‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬إدراكه‭ ‬لنفسه‭ ‬ولماهية‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭!‬

هو‭ ‬زمن‭ ‬‮«‬التيك‭ ‬أوي‮»‬‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وقليلون‭ ‬من‭ ‬يملكون‭ ‬جرأة‭ ‬التباطؤ‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬السريع،‭ ‬خوفًا‭ ‬من‭ ‬التخلف‭ ‬عن‭ ‬ركب‭ ‬وطوابير‭ ‬الركض‭ ‬البشري،‭ ‬خلف‭ ‬آخر‭ ‬التطورات‭ ‬وأنماط‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭! ‬ولكأن‭ ‬سمة‭ ‬السرعة‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬داخلها‭ (‬جبرية‭ ‬اللهاث‭) ‬خلفها‭ ‬ولا‭ ‬يهمّ‭ ‬بعدها‭ ‬التأثيرات‭ ‬أو‭ ‬الانعكاسات‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يتمّ‭ ‬هدمه‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬ويُداس‭ ‬عليه،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬يُداس‭ ‬عليه‭ ‬هو‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا