العدد : ١٦٨٠٧ - الجمعة ٢٩ مارس ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ رمضان ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٠٧ - الجمعة ٢٩ مارس ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ رمضان ١٤٤٥هـ

خاطرة

عبدالرحمن فلاح

المعالم.. العدل!

الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬عندما‭ ‬وضع‭ ‬الموازين،‭ ‬وضعها‭ ‬بالقسط‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬وجعلها‭ ‬هي‭ ‬الحَكَمَ‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬تعاملاتهم،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: ( ‬والسماء‭ ‬رفعها‭ ‬ووضع‭ ‬الميزان‭ (‬7‭) ‬ألا‭ ‬تطغوا‭ ‬في‭ ‬الميزان‭(‬8‭) ‬وأقيموا‭ ‬الوزن‭ ‬بالقسط‭ ‬ولا‭ ‬تخسروا‭ ‬الميزان‭(‬9‭)) ‬سورة‭ ‬الرحمن‭.‬

إذًا،‭ ‬فالحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬تكفل‭ ‬بحفظ‭ ‬السموات‭ ‬والأرض،‭ ‬وحضَّ‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يعدلوا‭ ‬فيما‭ ‬بينهم،‭ ‬في‭ ‬أخذهم‭ ‬وعطائهم،‭ ‬وألا‭ ‬يكونوا‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬المخلوقات‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬ارتضت‭ ‬الموازين‭ ‬بالقسط‭ ‬لتحكم‭ ‬حركتها،‭ ‬وتسدد‭ ‬سعيها،‭ ‬فلا‭ ‬يعتدي‭ ‬هذا‭ ‬على‭ ‬ذاك،‭ ‬ولا‭ ‬يجور‭ ‬ذاك‭ ‬على‭ ‬هذا،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬والشمس‭ ‬تجري‭ ‬لمستقر‭ ‬لها‭ ‬ذلك‭ ‬تقدير‭ ‬العزيز‭ ‬العليم‭(‬38‭) ‬والقمر‭ ‬قدرناه‭ ‬منازل‭ ‬حتى‭ ‬عاد‭ ‬كالعرجون‭ ‬القديم‭(‬39‭) ‬لا‭ ‬الشمس‭ ‬ينبغي‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تدرك‭ ‬القمر‭ ‬ولا‭ ‬الليل‭ ‬سابق‭ ‬النهار‭ ‬وكل‭ ‬في‭ ‬فلك‭ ‬يسبحون‭(‬40‭)) ‬سورة‭ ‬يس‭.‬

هذا‭ ‬التوازن‭ ‬المحكم،‭ ‬وهذه‭ ‬الحركة‭ ‬المحسوبة‭ ‬بدقة‭ ‬متناهية‭ ‬تنبئ‭ ‬عن‭ ‬كون‭ ‬منظم‭ ‬غاية‭ ‬التنظيم،‭ ‬ووجود‭ ‬متعانق‭ ‬متعاون،‭ ‬وصدق‭ ‬الله‭ ‬العظيم‭ ‬حين‭ ‬قال‭: (‬ترى‭ ‬الجبال‭ ‬تحسبها‭ ‬جامدة‭ ‬وهي‭ ‬تمر‭ ‬مر‭ ‬السحاب‭ ‬صنع‭ ‬الله‭ ‬الذي‭ ‬أتقن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬إنه‭ ‬خبير‭ ‬بما‭ ‬تفعلون‭) ‬النمل‭ / ‬88‭.‬

إذ‭ ‬ا،‭ ‬فهذا‭ ‬الإتقان،‭ ‬وهذا‭ ‬الإحكام‭ ‬يقتضي‭ ‬أن‭ ‬يتأسى‭ ‬به‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬حركاته،‭ ‬وفِي‭ ‬سكناته،‭ ‬وفيما‭ ‬يأخذ‭ ‬أو‭ ‬يدع‭ ‬من‭ ‬شؤون‭ ‬حياته،‭ ‬وألا‭ ‬تسبقه‭ ‬المخلوقات‭ ‬غير‭ ‬العاقلة‭ ‬إلى‭ ‬الطاعة،‭ ‬والامتثال‭ ‬لأمر‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬قال‭ ‬سبحانه‭: (‬ثم‭ ‬استوى‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭ ‬وهي‭ ‬دخان‭ ‬فقال‭ ‬لها‭ ‬وللأرض‭ ‬ائتيا‭ ‬طوعًا‭ ‬أو‭ ‬كرهًا‭ ‬قالتا‭ ‬أتينا‭ ‬طائعين‭) ‬فصلت‭ / ‬11‭.‬

وعلمت‭ ‬هذه‭ ‬المخلوقات‭ ‬غير‭ ‬العاقلة‭ ‬بفطرتها‭ ‬السليمة‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا‭ ‬زائلة‭ ‬لا‭ ‬دوام‭ ‬فيها،‭ ‬وأن‭ ‬الدوام‭ ‬والخلود‭ ‬للدار‭ ‬الآخرة‭ ‬التي‭ ‬وعد‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عباده‭ ‬فيها‭ ‬بالثواب‭ ‬الجزيل‭ ‬الطائعين‭ ‬له،‭ ‬المسبحين‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الليل‭ ‬والنهار،‭ ‬كما‭ ‬توعد‭ ‬الخاطئين‭ ‬بالعذاب‭ ‬الأليم،‭ ‬وهو‭ ‬سبحانه‭ ‬لا‭ ‬يحاسب‭ ‬ولا‭ ‬يعذب‭ ‬حتى‭ ‬يقيم‭ ‬الحجة‭ ‬على‭ ‬الناس،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬من‭ ‬اهتدى‭ ‬فإنما‭ ‬يهتدي‭ ‬لنفسه‭ ‬ومن‭ ‬ضلَّ‭ ‬فإنما‭ ‬يضل‭ ‬عليها‭ ‬ولا‭ ‬تزر‭ ‬وازرة‭ ‬وزر‭ ‬أخرى‭ ‬وما‭ ‬كنا‭ ‬معذبين‭ ‬حتى‭ ‬نبعث‭ ‬رسولا‭) ‬الإسراء‭ / ‬15،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬سبحانه‭ ‬قد‭ ‬حرم‭ ‬الظلم‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬وجعله‭ ‬محرمًا‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬القدسي‭ ‬الذي‭ ‬رواه‭ ‬الإمام‭ ‬مسلم‭: -‬يا‭ ‬عبادي‭ ‬إني‭ ‬حرمت‭ ‬الظلم‭ ‬على‭ ‬نفسي‭ ‬وجعلته‭ ‬بينكم‭ ‬محرمًا‭ ‬فلا‭ ‬تظالموا‮…‬‭- ‬ورُوِي‭ ‬عن‭ ‬الإمام‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬حنبل،‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬قوله‭: ‬ليس‭ ‬لأهل‭ ‬الشام‭ ‬حديث‭ ‬أشرف‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭.‬

إذًا،‭ ‬فالعدل‭ ‬من‭ ‬المعالم‭ ‬البارزة‭ ‬التي‭ ‬تهدي‭ ‬السالكين‭ ‬والباحثين‭ ‬عن‭ ‬الصراط‭ ‬المستقيم،‭ ‬فمن‭ ‬أدركه‭ ‬وسار‭ ‬على‭ ‬هديه‭ ‬نجا‭ ‬هو‭ ‬ومن‭ ‬اتبعه،‭ ‬ومن‭ ‬تاه‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬ولَم‭ ‬يلوح‭ ‬له‭ ‬العدل،‭ ‬فقد‭ ‬ضل‭ ‬وأضل،‭ ‬وكما‭ ‬يكون‭ ‬العدل‭ ‬في‭ ‬الأفعال‭ ‬مطلوبًا،‭ ‬فهو‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬الأقوال‭ ‬مطلوب‭ ‬أيضًا،‭ ‬ويكون‭ ‬نبراسًا‭ ‬مضيئًا‭ ‬يسير‭ ‬على‭ ‬هديه‭ ‬السالكون،‭ ‬الباحثون‭ ‬عن‭ ‬الحق،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬وإذا‭ ‬قلتم‭ ‬فاعدلوا‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬ذا‭ ‬قربى‭ ‬وبعهد‭ ‬الله‭ ‬أوفوا‭ ‬ذلكم‭ ‬وصاكم‭ ‬به‭ ‬لعلكم‭ ‬تذكرون‭) ‬الأنعام‭ / ‬152‭.‬

إقرأ أيضا لـ"عبدالرحمن فلاح"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا