العدد : ١٦٨٢٨ - الجمعة ١٩ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٠ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٢٨ - الجمعة ١٩ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٠ شوّال ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

القمة العربية وقضايا الأمن والتنمية

بقلم: فاروق يوسف {

الخميس ٢٥ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

مر‭ ‬الزمن‭ ‬بطيئا‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭. ‬زمن‭ ‬عزيز‭ ‬تم‭ ‬هدره‭ ‬وسط‭ ‬نزاعات‭ ‬وخصومات‭ ‬لم‭ ‬ينتج‭ ‬عنها‭ ‬إلا‭ ‬الدمار‭. ‬ذاكرة‭ ‬الأجيال‭ ‬مليئة‭ ‬بالثقوب‭ ‬مثل‭ ‬جدار‭ ‬الإعدام‭. ‬أجيال‭ ‬ضحينا‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬لا‭ ‬شيء‭. ‬لا‭ ‬تعليم‭ ‬ولا‭ ‬صحة‭ ‬ولا‭ ‬رقي‭ ‬ولا‭ ‬ثقافة‭ ‬ولا‭ ‬تصنيع‭ ‬بعدما‭ ‬غادرنا‭ ‬الزمن‭ ‬الزراعي‭ ‬وصارت‭ ‬شحة‭ ‬المياه‭ ‬عنوانا‭ ‬لمرحلة‭ ‬غابت‭ ‬فيها‭ ‬السيادة‭ ‬ما‭ ‬سمح‭ ‬للآخرين‭ ‬باستضعافنا‭ ‬وحرماننا‭ ‬من‭ ‬حقوقنا‭. ‬وإلا‭ ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬أن‭ ‬تتصدر‭ ‬إسرائيل‭ ‬وإيران‭ ‬وتركيا‭ ‬قائمة‭ ‬الدولة‭ ‬القوية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬ويتم‭ ‬إبعاد‭ ‬دول‭ ‬عربية،‭ ‬لديها‭ ‬كل‭ ‬مؤهلات‭ ‬القوة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬القائمة؟

حروب‭ ‬وصراعات‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭. ‬دول‭ ‬تخلصت‭ ‬من‭ ‬طغاتها‭ ‬فغاصت‭ ‬في‭ ‬وحل‭ ‬طائفيتها‭ ‬وجهاتها‭ ‬الإقليمية‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬العمى‭ ‬أصابها‭ ‬وصارت‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬العصر‭ ‬باعتباره‭ ‬عدوّا‭. ‬خائفة‭ ‬ومنهارة‭ ‬الأعصاب‭ ‬ومبتذلة‭ ‬في‭ ‬تعبيرها‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬ولا‭ ‬تملك‭ ‬أيّ‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬اللياقة‭ ‬في‭ ‬تقبل‭ ‬الآخرين‭.‬

دول‭ ‬تثير‭ ‬الشفقة‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تُحاصر‭ ‬بالحرمان‭ ‬والقسوة‭ ‬والإهمال‭. ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬تعيش‭ ‬وضعا‭ ‬يُرثى‭ ‬له‭ ‬لا‭ ‬يستحقه‭ ‬شعبها‭. ‬فلا‭ ‬فالليبيون‭ ‬والسوريون‭ ‬واليمنيون‭ ‬والعراقيون‭ ‬لا‭ ‬يستحقون‭ ‬ما‭ ‬انتهوا‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يرتكبوا‭ ‬ذنبا‭. ‬ذنبهم‭ ‬أنهم‭ ‬صبروا‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يتحمل‭ ‬الصبر‭. ‬وذنبهم‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يثقوا‭ ‬بإرادتهم‭ ‬لصنع‭ ‬مصيرهم‭.‬

في‭ ‬الماضي‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬يبتعد‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬خطط‭ ‬للتنمية‭ ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬أمن‭ ‬تحميه‭ ‬دول‭ ‬قوية‭. ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نفهم‭ ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬خطة‭ ‬التنمية‭ ‬الخمسية،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬المصانع‭ ‬كانت‭ ‬تستوعب‭ ‬أعدادا‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬العاطلين‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬الأمن‭ ‬مشكلة‭. ‬فالبلاد‭ ‬تحرسها‭ ‬جيوش‭ ‬قوية‭ ‬والمواطن‭ ‬ينسى‭ ‬باب‭ ‬بيته‭ ‬مفتوحا‭. ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يحمل‭ ‬السلاح‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬مشهد‭ ‬القتل‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الدرس‭ ‬اليومي‭. ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬حكم‭ ‬غير‭ ‬ديمقراطي‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬المواطنون‭ ‬سعداء‭ ‬بذلك‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الوطن‭ ‬كان‭ ‬آمنا‭ ‬وكانت‭ ‬الدولة‭ ‬تعمل‭ ‬بإخلاص‭ ‬وحرص‭ ‬وأمانة‭. ‬كان‭ ‬المواطنون‭ ‬وطنيين‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يفكروا‭ ‬في‭ ‬وطنيتهم‭. ‬كانوا‭ ‬حراسا‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يكلفهم‭ ‬أحد‭ ‬بالحراسة‭.‬

ليذهب‭ ‬المستبدون‭ ‬إلى‭ ‬الجحيم‭. ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬ذهب‭ ‬معهم‭. ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬الكارثة‭. ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬أولئك‭ ‬الحكام‭ ‬يبتسمون‭ ‬لما‭ ‬انتهت‭ ‬إليه‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬بلدانهم‭.. ‬الحوثي‭ ‬يعبث‭ ‬باليمن‭. ‬لن‭ ‬يسر‭ ‬ذلك‭ ‬علي‭ ‬عبدالله‭ ‬صالح‭. ‬الفساد‭ ‬يمرح‭ ‬في‭ ‬العراق‭. ‬لن‭ ‬يسعد‭ ‬ذلك‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭. ‬أما‭ ‬القذافي‭ ‬فإنه‭ ‬يتأمل‭ ‬بأسى‭ ‬ما‭ ‬انتهت‭ ‬إليه‭ ‬بلاده،‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬اختصر‭ ‬دولتها‭ ‬بشخصه‭. ‬سيقول‭ ‬‮«‬إنني‭ ‬أعرفهم‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬خطأ‭. ‬الصحيح‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يتعرفوا‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭. ‬

ربع‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬مر‭ ‬وشعوبنا‭ ‬العربية‭ ‬تقف‭ ‬خارج‭ ‬التاريخ‭. ‬حتى‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬حضر‭ ‬كئيبا‭. ‬كذبوا‭ ‬علينا‭ ‬حين‭ ‬سمّوه‭ ‬ربيعا‭. ‬كانت‭ ‬قوى‭ ‬وتيارات‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬الإسلام‭ ‬السياسي‮»‬‭ ‬في‭ ‬انتظارنا‭ ‬لتقفل‭ ‬الأبواب‭ ‬علينا‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وتونس‭ ‬والعراق‭ ‬وسوريا‭ ‬واليمن‭ ‬ولبنان‭. ‬فصارت‭ ‬مشكلاتنا‭ ‬تلتف‭ ‬كالأفعى‭ ‬حولنا‭ ‬وما‭ ‬من‭ ‬أمل‭ ‬للخروج‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬وتنفس‭ ‬هوائه‭.‬

لسنا‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬الميلادي‭. ‬لم‭ ‬نعد‭ ‬نملك‭ ‬دولا‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تنمية‭ ‬شعوبها‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬أمنها‭. ‬إنها‭ ‬دول‭ ‬مخترقة‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭. ‬وصرنا‭ ‬فرجة‭ ‬لمَن‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬استهلاك‭ ‬أعصابنا‭ ‬وسرقة‭ ‬ثرواتنا‭. ‬فلإيران‭ ‬كلمة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬واليمن‭ ‬ولبنان‭ ‬ولتركيا‭ ‬كلمة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا‭.‬

‮«‬الأمن‭ ‬والتنمية‮»‬‭ ‬هو‭ ‬شعار‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬عُقدت‭ ‬في‭ ‬جدة‭ ‬وحضرها‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬الرئيس‭ ‬السوري‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬بعد‭ ‬قطيعة‭ ‬دامت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭. ‬ذلك‭ ‬الشعار‭ ‬هو‭ ‬حاجة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استعادة‭ ‬وضع‭ ‬سويّ‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تعيشه‭ ‬الدول‭.‬

فالمنطقة‭ ‬عاشت‭ ‬عبر‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬حياة‭ ‬لا‭ ‬تمتّ‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬الحقيقية‭ ‬بصلة‭. ‬لقد‭ ‬استهلكت‭ ‬الحروب‭ ‬العبثية‭ ‬والمجانية‭ ‬كل‭ ‬طاقاتها‭. ‬وما‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬حقيقي‭ ‬بين‭ ‬المتخاصمين‭ ‬للنهوض‭ ‬بأحوالها‭. ‬وليس‭ ‬أدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬خصمي‭ ‬السودان‭ ‬اللذين‭ ‬يقتتلان‭ ‬على‭ ‬سلطة‭ ‬يعرفان‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬تحكمها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬سلة‭ ‬غذاء‭ ‬للعالم‭ ‬العربي‭. ‬هكذا‭ ‬يعبثان‭ ‬بسلسلة‭ ‬من‭ ‬ذهب‭.‬

القمة‭ ‬العربية‭ ‬بشعارها‭ ‬هي‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬العقل‭. ‬ألا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يولد‭ ‬العربي‭ ‬العاقل‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة؟‭ ‬ليس‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬صالحنا‭ ‬بالتأكيد‭. ‬وليس‭ ‬العالم‭ ‬معنا‭ ‬بالتأكيد‭. ‬علينا‭ ‬تقع‭ ‬مسؤولية‭ ‬حماية‭ ‬أمننا‭ ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬سبل‭ ‬تنميتنا‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا