العدد : ١٦٨٤٧ - الأربعاء ٠٨ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٩ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٤٧ - الأربعاء ٠٨ مايو ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٩ شوّال ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

القرآن.. منهاج الإسلام

بقلم: عبدالرحمن علي البفلاح

الأحد ٢١ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

اختلف‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬الكتب‭ ‬السماوية‭ ‬بأنه‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬المعجزة‭ ‬والمنهاج،‭ ‬أما‭ ‬الكتب‭ ‬السماوية‭ ‬الأخرى‭ ‬والتي‭ ‬نزلت‭ ‬قبل‭ ‬القران‭ ‬كانت‭ ‬تحمل‭ ‬المنهاج‭ ‬أما‭ ‬المعجزة،‭ ‬فهي‭ ‬ما‭ ‬أجراه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬أنبيائه،‭ ‬فمعجزة‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬موسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬كانت‭ ‬العصا‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬حية،‭ ‬وشق‭ ‬بها‭ ‬البحر‭ ‬فكان‭ ‬طريقًا‭ ‬يبسا،‭ ‬لكن‭ ‬كتابه‭ ‬الذي‭ ‬تضمن‭ ‬منهاجه،‭ ‬هو‭ ‬التوراة،‭ ‬ومعجزة،‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬عيسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬إبراء‭ ‬الأكمه،‭ ‬والأبرص،‭ ‬والأعمى،‭ ‬وإحياء‭ ‬الموتى‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬أما‭ ‬كتابه،‭ ‬فهو‭ ‬الإنجيل،‭ ‬ولأن‭ ‬الرسالة‭ ‬اليهودية‭ ‬والرسالة‭ ‬النصرانية‭ ‬إنما‭ ‬جاءتا‭ ‬لزمن‭ ‬معين‭ ‬ولقوم‭ ‬معينين،‭ ‬فلم‭ ‬يتكفل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بحفظ‭ ‬كتبهم،‭ ‬ولكن‭ ‬أوكل‭ ‬حفظهما‭ ‬إلى‭ ‬قوم‭ ‬كل‭ ‬نبي،‭ ‬فدسوا‭ ‬فيهما‭ ‬ما‭ ‬شاءوا‭ ‬من‭ ‬تحريف‭ ‬وأساطير،‭ ‬وقالوا‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬الله،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬فويل‭ ‬للذين‭ ‬يكتبون‭ ‬الكتاب‭ ‬بأيديهم‭ ‬ثم‭ ‬يقولون‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬ليشتروا‭ ‬به‭ ‬ثمنًا‭ ‬قليلا‭ ‬فويل‭ ‬لهم‭ ‬مما‭ ‬كتبت‭ ‬أيديهم‭ ‬وويل‭ ‬لهم‭ ‬مما‭ ‬يكسبون‭) ‬البقرة‭/ ‬79‭.‬

إن‭ ‬أهل‭ ‬مكة‭ ‬الذي‭ ‬نزل‭ ‬فيهم‭ ‬القرآن،‭ ‬وكان‭ ‬بين‭ ‬أظهرهم،‭ ‬ولمسوه‭ ‬بأيديهم،‭ ‬وعاينوه‭ ‬بأعينهم،‭ ‬ورأوا‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬معجزاته،‭ ‬وكيف‭ ‬تحداهم‭ ‬بأن‭ ‬يأتوا‭ ‬بمثله‭ ‬أو‭ ‬بعشر‭ ‬سور‭ ‬وكانوا‭ ‬يزعمون‭ ‬أنها‭ ‬مفتراه،‭ ‬ثم‭ ‬تحداهم‭ ‬بأن‭ ‬يأتوا‭ ‬ولو‭ ‬بسورة‭ ‬واحدة،‭ ‬فعجزوا‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬كله،‭ ‬وهم‭ ‬أرباب‭ ‬البلاغة‭ ‬والبيان،‭ ‬وأصحاب‭ ‬المعلقات‭ ‬السبع‭ ‬أو‭ ‬العشر،‭ ‬فثبت‭ ‬عجزهم‭ ‬المطلق،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬قل‭ ‬لئن‭ ‬اجتمعت‭ ‬الإنس‭ ‬والجن‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يأتوا‭ ‬بمثل‭ ‬هذا‭ ‬القرآن‭ ‬لا‭ ‬يأتون‭ ‬بمثله‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬بعضهم‭ ‬لبعض‭ ‬ظهيرا‭) ‬الإسراء‭ / ‬88‭.‬

ولأنه‭ ‬معجزة‭ ‬تعهد‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لها‭ ‬بالحفظ،‭ ‬وصانها‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يدسوا‭ ‬فيه‭ ‬ما‭ ‬ليس‭ ‬منه،‭ ‬قال‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: (‬إنَّا‭ ‬نحن‭ ‬نزلنا‭ ‬الذكر‭ ‬وإنا‭ ‬له‭ ‬لحافظون‭) ‬الحجر‭ / ‬9‭. ‬وقال‭ ‬عنه‭ ‬أيضًا‭: (..‬وإنه‭ ‬لكتاب‭ ‬عزيز‭(‬41‭) ‬لا‭ ‬يأتيه‭ ‬الباطل‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬خلفه‭ ‬تنزيل‭ ‬من‭ ‬حكيم‭ ‬حميد‭(‬42‭) ‬فصلت‭.‬

إنه‭ ‬كتاب‭ ‬لا‭ ‬يخلق‭ ‬على‭ ‬كثرة‭ ‬الرد،‭ ‬ولا‭ ‬تنقضي‭ ‬عجائبه‭ ‬مهما‭ ‬تطاول‭ ‬عليها‭ ‬الزمان،‭ ‬وهو‭ ‬عدل‭ ‬مطلق‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬به‭ ‬عدل،‭ ‬ومن‭ ‬عمل‭ ‬به‭ ‬أُجِرْ،‭ ‬ومن‭ ‬قال‭ ‬به‭ ‬صدق،‭ ‬وهو‭ ‬كتاب‭ ‬لا‭ ‬يشبع‭ ‬منه‭ ‬العلماء‭.‬

كتاب‭ ‬معجز‭ ‬جمع‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬فيه‭ ‬المعجزة‭ ‬والمنهاج‭ ‬الذي‭ ‬يرسم‭ ‬فيه‭ ‬معالم‭ ‬الصراط‭ ‬المستقيم،‭ ‬من‭ ‬ألزم‭ ‬نفسه‭ ‬به‭ ‬وبقيمه‭ ‬ومبادئه،‭ ‬وتمسك‭ ‬بأوامره‭ ‬ونواهيه‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أعلام‭ ‬الصراط،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬ومن‭ ‬يطع‭ ‬الله‭ ‬والرسول‭ ‬فأولئك‭ ‬مع‭ ‬الذين‭ ‬أنعم‭ ‬الله‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬النبيين‭ ‬والصديقين‭ ‬والشهداء‭ ‬والصالحين‭ ‬وحسن‭ ‬أولئك‭ ‬رفيقا‭) ‬النساء‭ / ‬69‭.‬

وحتى‭ ‬يكون‭ ‬هؤلاء‭ ‬جميعهم‭ ‬من‭ ‬الفائزين‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬والآخرة،‭ ‬ومن‭ ‬الذين‭ ‬نسأل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أن‭ ‬يحشرنا‭ ‬معهم،‭ ‬فعليهم‭ ‬أن‭ ‬يأخذوا‭ ‬منهاج‭ ‬الإسلام‭ ‬بقوة،‭ ‬ليعرفهم‭ ‬الناس‭ ‬بمنهاجه‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬المنهاج‭ ‬بهم،‭ ‬وحين‭ ‬أراد‭ ‬الرسول‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬أن‭ ‬يعرَّف‭ ‬كلا‭ ‬من‭ ‬المسلم‭ ‬والمهاجر،‭ ‬قال‭: ‬‮«‬المسلم‭ ‬من‭ ‬سلم‭ ‬المسلمون‭ ‬من‭ ‬لسانه‭ ‬ويده،‭ ‬والمهاجر‭ ‬من‭ ‬هجر‭ ‬ما‭ ‬نهى‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬متفق‭ ‬عليه‭.‬

الرسول‭ ‬الأعظم‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭. ‬سلم‭) ‬استدل‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬إسلام‭ ‬المسلم‭ ‬بسلوكه‭ ‬لا‭ ‬بكثرة‭ ‬عباداته،‭ ‬كذلك‭ ‬حين‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يقرب‭ ‬مفهوم‭ ‬المؤمن‭ ‬عند‭ ‬الناس‭ ‬قال‭: ‬‮«‬المؤمن‭ ‬القوي‭ ‬خير‭ ‬وأحب‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬المؤمن‭ ‬الضعيف‭ ‬وفِي‭ ‬كل‭ ‬خير،‭ ‬احرص‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ينفعك‭ ‬واستعن‭ ‬بالله،‭ ‬ولا‭ ‬تعجز‭ ‬وإن‭ ‬أصابك‭ ‬شيء‭ ‬فلا‭ ‬تقل‭: ‬لو‭ ‬أني‭ ‬فعلت‭ ‬كان‭ ‬كذا‭ ‬وكذا،‭ ‬ولكن‭ ‬قل‭: ‬قَدَّر‭ ‬الله‭ ‬وما‭ ‬شاء‭ ‬فعل،‭ ‬فإن‭ ‬لو‭ ‬تفتح‭ ‬عمل‭ ‬الشيطان‮»‬‭ ‬رواه‭ ‬مسلم‭.‬

ونلاحظ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭ ‬أن‭ ‬الرسول‭ ‬الأعظم‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬لم‭ ‬يذكر‭ ‬من‭ ‬صفات‭ ‬المؤمن‭ ‬التي‭ ‬يعرف‭ ‬بها‭ ‬كثرة‭ ‬الطاعات،‭ ‬بل‭ ‬ذكر‭ ‬صفات‭ ‬يستدل‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬المؤمن،‭ ‬فوصفه‭ ‬بالقوة‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬المؤمن‭ ‬القوي‮»‬‭ ‬ووصفه‭ ‬بالاستعانة‭ ‬به‭ ‬تعالى،‭ ‬ومن‭ ‬صفاته‭ ‬أيضًا‭ ‬حرصه‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬ينفعه‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬والآخرة،‭ ‬وعدم‭ ‬العجز،‭ ‬وهذه‭ ‬كلها‭ ‬من‭ ‬الصفات‭ ‬المعنوية‭ ‬التي‭ ‬يعرف‭ ‬بها‭ ‬المؤمن‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬بضدها،‭ ‬وهذه‭ ‬الصفات‭ ‬يستدل‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬المؤمن،‭ ‬وثبات‭ ‬شخصيته،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬عَدَّدَ‭ ‬الصفات‭ ‬التي‭ ‬تعرف‭ ‬بها‭ ‬قوة‭ ‬المؤمن‭ ‬من‭ ‬ضعفه‭ ‬ختمها‭ ‬بالصبر‭ ‬على‭ ‬البلاء،‭ ‬وتفويض‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬قَدَّرَ‭ ‬الله‭ ‬وما‭ ‬شاء‭ ‬فعل‮»‬‭ ‬أي‭ ‬إن‭ ‬قَدَر‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬له‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬قَدَرِه‭ ‬لنفسه‭ !.‬

ذالكم‭ ‬هو‭ ‬إسلامنا‭ ‬العظيم،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬كتابه‭ ‬الكريم‭ ‬الذي‭ ‬تعهد‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بحفظه،‭ ‬ووعد‭ ‬بصيانته‭ ‬من‭ ‬التحريف‭ ‬والتبديل‭.‬

إذًا،‭ ‬فهذا‭ ‬هو‭ ‬قرآننا‭ ‬العظيم،‭ ‬كتاب‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬المعجزة‭ ‬والمنهاج،‭ ‬وهذا‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‭ ‬لكتاب‭ ‬قبله‭ ‬أبدًا‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا