العدد : ١٦٨٢٨ - الجمعة ١٩ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٠ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٢٨ - الجمعة ١٩ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٠ شوّال ١٤٤٥هـ

هوامش

عبدالله الأيوبي

ayoobi99@gmail.com

قمة جدة انطلاقة للتضامن العربي

يمكن‭ ‬وصف‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬احتضتها‭ ‬مدينة‭ ‬جدة‭ ‬بالمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬يوم‭ ‬الــ19‭ ‬من‭ ‬مايو‭ ‬الجاري،‭ ‬بقمة‭ ‬لم‭ ‬الشمل‭ ‬العربي‭ ‬حيث‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2011‭ ‬حين‭ ‬اندلعت‭ ‬أحداث‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بـ«الربيع‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬فأحدثت‭ ‬انقسامات‭ ‬خطيرة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬جمدت‭ ‬على‭ ‬أثرها‭ ‬عضوية‭ ‬سوريا‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬وجميع‭ ‬أنشطتها‭ ‬واجتماعاتها،‭ ‬تأتي‭ ‬قمة‭ ‬جدة‭ ‬لتعيد‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬الحضن‭ ‬العربي،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬تطورا‭ ‬نوعيا‭ ‬إيجابيا‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يدعم‭ ‬العمل‭ ‬العربي‭ ‬المشترك‭ ‬ويساعد‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬اللحمة‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬سابق‭ ‬عهدها،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬المتغيرات‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬الساحات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭.‬

جاءت‭ ‬قمة‭ ‬جدة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ظروف‭ ‬عالمية‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الأهمية،‭ ‬فالعالم‭ ‬يشهد‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الاستقطاب‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يشهدها‭ ‬منذ‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬بين‭ ‬المعسكرين‭ ‬الاشتراكي‭ ‬بقيادة‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬السابق‭ ‬والرأسمالي‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فالصراع‭ ‬العسكري‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬ودخول‭ ‬دول‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وقوفها‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وسعيها‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬إلى‭ ‬حشد‭ ‬تكتل‭ ‬دولي‭ ‬لمواجهة‭ ‬روسيا،‭ ‬خلق‭ ‬وضعا‭ ‬جيوسياسيا‭ ‬جديدا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬منأى‭ ‬عن‭ ‬تأثيراته‭.‬

فكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تعرضت‭ ‬لضغوطات‭ ‬مختلفة‭ ‬وبشتى‭ ‬الأساليب‭ ‬‮«‬الناعمة‮»‬‭ ‬لاتخاذ‭ ‬موقف‭ ‬منحاز‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬الروسي‭ ‬الأوكراني،‭ ‬أي‭ ‬باختصار،‭ ‬مناهض‭ ‬لروسيا،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬موقف‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬قاومت‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬واختارت‭ ‬الحياد،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تؤيد‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬تتبنى‭ ‬الموقف‭ ‬الروسي‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الصراع،‭ ‬لكن‭ ‬الضغوطات‭ ‬استمرت‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالموقف‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬الروسي‭ ‬الأوكراني،‭ ‬وإنما‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بالشأن‭ ‬العربي‭ ‬العربي،‭ ‬أي‭ ‬محاولة‭ ‬ثني‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬عن‭ ‬ترميم‭ ‬البيت‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬الداخل‭.‬

حدث‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬انخرطت‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬التي‭ ‬شابت‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬سوريا‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الفتور‭ ‬والقطيعة‭ ‬أيضا،‭ ‬في‭ ‬تطبيع‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬الحكومة‭ ‬السورية‭ ‬واستقبلت‭ ‬عديدا‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬السوريين،‭ ‬بما‭ ‬فيهم‭ ‬الرئيس‭ ‬السوري‭ ‬بشار‭ ‬الأسد،‭ ‬حيث‭ ‬وصلت‭ ‬مسيرة‭ ‬التطبيع‭ ‬إلى‭ ‬عودة‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬حضنها‭ ‬العربي‭ ‬ومشاركتها‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬جدة‭ ‬العربية،‭ ‬لكن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬رفضت‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التدخلات‭ ‬والإملاءات‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬الاستقلالية‭ ‬السياسية‭ ‬الوطنية‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬تغليب‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬والقومية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعد‭ ‬بشرى‭ ‬خير‭ ‬نتمنى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بمثابة‭ ‬الصحوة‭ ‬العربية‭ ‬المطلوبة‭.‬

في‭ ‬خضم‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬الدولية‭ ‬الكبيرة،‭ ‬الخطيرة،‭ ‬ليس‭ ‬أمام‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬خيار‭ ‬سوى‭ ‬لملمة‭ ‬الشمل‭ ‬العربي‭ ‬وإعادة‭ ‬الروح‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬العربي‭ ‬المشترك‭ ‬وجعل‭ ‬المصلحة‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬البوصلة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬مسار‭ ‬العلاقات‭ ‬العربية‭ ‬العربية‭ ‬وجعل‭ ‬هذه‭ ‬المصلحة‭ ‬معيارا‭ ‬أساسيا‭ ‬لعلاقاتها‭ ‬مع‭ ‬التكتلات‭ ‬الدولية،‭ ‬فالسبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬للدفاع‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬العربية،‭ ‬هو‭ ‬تعزيز‭ ‬التضامن‭ ‬العربي‭ ‬وتجاوز‭ ‬الخلافات‭ ‬والاختلافات‭ ‬والتغلب‭ ‬عليها‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬المصلحة‭ ‬القومية‭ ‬العربية،‭ ‬فالدول‭ ‬العربية‭ ‬تمتلك‭ ‬من‭ ‬الإمكانيات‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬لفرض‭ ‬موقعها‭ ‬رقما‭ ‬مهما‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭.‬

أثبتت‭ ‬الأحداث‭ ‬الكبيرة‭ ‬والخطيرة‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬جريمة‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬ووصولا‭ ‬إلى‭ ‬الأحداث‭ ‬الدموية‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وما‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬منها‭ (‬سوريا‭ ‬وليبيا‭ ‬مثالا‭)‬،‭ ‬أثبتت‭ ‬أن‭ ‬التداعيات‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬لا‭ ‬تنحصر‭ ‬في‭ ‬الحدود‭ ‬الجغرافية‭ ‬لحدوثها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬ضرر‭ ‬يلحق‭ ‬ببلد‭ ‬عربي‭ ‬نتيجة‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬له‭ ‬انعكاسات‭ ‬سلبية‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬درجة‭ ‬تأثر‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬تلك‭.‬

القمة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬جدة،‭ ‬وقيادة‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬لزخم‭ ‬التطبيع‭ ‬العربي‭ ‬العربي،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بالفعل‭ ‬هي‭ ‬المنطلق‭ ‬الحقيقي‭ ‬لوضع‭ ‬العمل‭ ‬العربي‭ ‬المشترك‭ ‬في‭ ‬مساره‭ ‬الصحيح،‭ ‬فما‭ ‬تتعرض‭ ‬له‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬ضغوطات‭ ‬وما‭ ‬تعانيه‭ ‬من‭ ‬أوضاع‭ ‬أمنية‭ ‬وسياسية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬العقود‭ ‬الثلاثة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وما‭ ‬تشهده‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬إرهاصات‭ ‬تنذر‭ ‬بحدوث‭ ‬تحولات‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وأمنية‭ ‬نوعية‭ ‬وكبيرة،‭ ‬كلها‭ ‬عوامل‭ ‬تدفع‭ ‬باتجاه‭ ‬وضع‭ ‬مسار‭ ‬التضامن‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬الصحيح‭. ‬

فليس‭ ‬خافيا‭ ‬على‭ ‬أحد،‭ ‬أن‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬هي‭ ‬اللاعب‭ ‬المؤثر‭ ‬والمحوري‭ ‬في‭ ‬تطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬العربية‭ ‬مع‭ ‬سوريا‭ ‬وتمهيد‭ ‬الطريق‭ ‬لعودتها‭ ‬إلى‭ ‬حضنها‭ ‬العربي،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التصريحات‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬المسؤولين‭ ‬السعوديين‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬كلها‭ ‬تشدد‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬التدخلات‭ ‬الأجنبية‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للدول‭ ‬العربية،‭ ‬وبأن‭ ‬التضامن‭ ‬العربي‭ ‬هو‭ ‬الكفيل‭ ‬بالدفاع‭ ‬وحماية‭ ‬المصالح‭ ‬العربية،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬تدعم‭ ‬وتساعد‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬انطلاقة‭ ‬عربية‭ ‬حقيقية‭ ‬نحو‭ ‬تأمين‭ ‬البيت‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬وتعزيز‭ ‬الدور‭ ‬العربي‭ ‬وجعله‭ ‬محوريا‭ ‬وأساسيا‭ ‬في‭ ‬التغلب‭ ‬ومعالجة‭ ‬ما‭ ‬تطرأ‭ ‬من‭ ‬خلافات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬أدرى‭ ‬بمصالحها‭ ‬وأحرص‭ ‬عليها‭ ‬أيضا‭.‬

فالتدخلات‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬هي‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أسباب‭ ‬المشاكل‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬خافيا‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬يهمها‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬العلاقات‭ ‬العربية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬أدنى‭ ‬مستوياتها،‭ ‬بل‭ ‬ومتأزمة‭ ‬أيضا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا