العدد : ١٦٨٢٨ - الجمعة ١٩ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٠ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٢٨ - الجمعة ١٩ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٠ شوّال ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن هشاشة الدول (2)

كيف‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬معظم‭ ‬دولنا‭ ‬فاشلة‭ ‬وهي‭ ‬طفيلية‭ ‬تعيش‭ ‬عالة‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬فنحن‭ ‬أقل‭ ‬شعوب‭ ‬الأرض‭ ‬إنتاجية،‭ ‬وأكثر‭ ‬شعوب‭ ‬الأرض‭ ‬‮«‬استيرادا‮»‬،‭ ‬فنحن‭ ‬نستورد‭ ‬الأقلام،‭ ‬والرمل،‭ ‬والفياغرا‭ ‬والاسبرين‭ ‬وحبوب‭ ‬منع‭ ‬الحمل‭ ‬والإيدز‭ ‬والتفاح‭ ‬وورق‭ ‬التواليت،‭ ‬بل‭ ‬نستورد‭ ‬البشر،‭ ‬ونسمي‭ ‬الصنف‭ ‬المستورد‭ ‬‮«‬خبراء‮»‬‭. ‬حتى‭ ‬مسميات‭ ‬الوظائف‭ ‬عندنا‭ ‬مستوردة،‭ (‬معظم‭ ‬تلك‭ ‬المسميات‭ ‬مترجمة‭ ‬عن‭ ‬الإنجليزية‭: ‬مثل‭ ‬مدير‭ ‬قطاع‭ ‬ومدير‭ ‬تنفيذي‭ ‬ورئيس‭ ‬قسم‭/ ‬وحدة،‭ ‬وعندما‭ ‬جاء‭ ‬الدور‭ ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬منصب‭ ‬بعد‭ ‬الوزير‭ ‬جعلناه‭ ‬‮«‬وكيل‮»‬‭ ‬لأن‭ ‬التسمية‭ ‬الإنجليزية‭ ‬لهذا‭ ‬المنصب‭ ‬هي‭ ‬‮«‬أندر‭ ‬سكريتاري Undersecretary»‭ ‬ففتح‭ ‬الجماعة‭ ‬الدكشنري‭ ‬وقالوا‭ ‬إن‭ ‬ترجمة‭ ‬مسمى‭ ‬تلك‭ ‬الوظيفة‭ ‬هي‭ ‬‮«‬ما‭ ‬دون‭ ‬السكرتير‮»‬‭ ‬فقالوا‭: ‬ما‭ ‬يصير،‭ ‬لأن‭ ‬السكرتير‭ ‬عندهم‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يجلس‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬الموظف‭ ‬الكبير‭ ‬لتصريف‭ ‬أمور‭ ‬المكتب،‭ ‬وفات‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬وزير‭ ‬أمريكي‭ - ‬مثلا‭- ‬يسمى‭ ‬سكرتير،‭ ‬فهذا‭ ‬سكرتير‭ ‬الدفاع‭ ‬وهذا‭ ‬سكرتير‭ ‬الشؤون‭ ‬الخارجية‭).‬

وبلغ‭ ‬بنا‭ ‬الهوان‭ ‬أننا‭ ‬صرنا‭ ‬نستورد‭ ‬مفردات‭ ‬اللغة‭ ‬فصرنا‭ ‬نتحدث‭ ‬بـ‭: ‬هاي‭ ‬وباي‭ ‬وأوكي،‭ ‬وسوري‭.. ‬سي‭ ‬يو‭.. ‬ولوكيشن،‭ ‬وظيفة‭ ‬سينيار‭.. ‬فيرست‭ ‬كلاس‭.. ‬هل‭ ‬هذه‭ ‬المفردات‭ (‬على‭ ‬التوالي‭) ‬أخف‭ ‬على‭ ‬اللسان‭ ‬من‭: ‬أهلا،‭ ‬وداعا،‭ ‬آسف،‭ ‬إلى‭ ‬اللقاء،‭ ‬موقع،‭ ‬درجة‭ ‬كبار‭ ‬الموظفين،‭ ‬درجة‭ ‬أولى؟‭ ‬طبعاً‭ ‬لا،‭ ‬ولكن‭ ‬القضية‭ ‬هي‭ ‬أننا‭ ‬بتنا‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬بضاعتنا‭ ‬المحلية‭ ‬–‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬–‭ ‬فاسدة‭ ‬ومغشوشة،‭ ‬فجعلنا‭ ‬هذا‭ ‬الحكم‭ ‬يسري‭ ‬على‭ ‬لغة‭ ‬صمدت‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الروم‭ ‬والفرس‭ ‬والتتار‭ ‬والهكسوس‭.‬

وبالمناسبة‭: ‬حتى‭ ‬نانسي‭ ‬عجرم‭ ‬وهيفاء‭ ‬واليسا‭ ‬بضائع‭ ‬مستوردة‭ ‬أو‭ ‬مستنسخة‭ ‬عن‭ ‬أصل‭ ‬غربي‭! ‬وكيف‭ ‬لا‭ ‬نكون‭ ‬دولاً‭ ‬فاشلة‭ ‬وغاية‭ ‬المنى‭ ‬عند‭ ‬معظم‭ ‬المواطنين‭ ‬العرب‭ ‬هي‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬جواز‭ ‬كندي‭ ‬أو‭ ‬استرالي‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬إندونيسي‭. ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لأن‭ ‬العيش‭ ‬الكريم‭ ‬بات‭ ‬متعذرا‭ ‬في‭ ‬غالبية‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬صار‭ ‬البشر‭ ‬صادراتها‭ ‬الأساسية،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضاً‭ ‬لأن‭ ‬جواز‭ ‬السفر‭ ‬العربي‭ ‬صار‭ (‬سبة‭).‬

دعونا‭ ‬من‭ ‬الكلام‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬لأنه‭ (‬يودي‭ ‬في‭ ‬داهية‭) ‬وإلى‭ ‬التهلكة،‭ ‬ولنتأمل‭ ‬أشياء‭ ‬بسيطة‭: ‬أنظر‭ ‬حال‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المطاعم‭ ‬عندنا،‭ ‬معظمها‭ ‬أقل‭ ‬نظافة‭ ‬من‭ ‬دورات‭ ‬المياه‭ - ‬ليس‭ ‬في‭ ‬سنغافورة‭ ‬فالحمامات‭ ‬هناك‭ ‬أكثر‭ ‬نظافة‭ ‬من‭ ‬غرف‭ ‬النوم‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬كثيرة‭ - ‬وأنا‭ ‬لا‭ ‬أتكلم‭ ‬عن‭ ‬الصراصير‭ ‬والفئران‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المطاعم‭ ‬بدوام‭ ‬كامل،‭ ‬بل‭ ‬عن‭ ‬البشر‭ ‬الذين‭ ‬تراهم‭ ‬فتدرك‭ ‬أنه‭ ‬لولا‭ ‬عطلة‭ ‬العيدين‭ ‬لما‭ ‬عرف‭ ‬الماء‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬أجسامهم‭. ‬

وانظر‭ ‬إلى‭ ‬الأوعية‭ ‬التي‭ ‬يغرفون‭ ‬منها‭ ‬الطعام‭ ‬وستعرف‭ ‬أين‭ ‬اختفت‭ ‬مقتنيات‭ ‬أسرة‭ ‬رمسيس‭ ‬الخامس‭! ‬هذه‭ ‬المطاعم‭ ‬تبقى‭ ‬مفتوحة‭ ‬لأن‭ ‬بيوت‭ ‬بعض‭ ‬ضباط‭ ‬الصحة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬مفتوحة‭. ‬أنظر‭ ‬إلى‭ ‬مستشفياتنا‭ ‬التي‭ ‬تلقى‭ ‬النفايات‭ ‬من‭ ‬إبر‭ ‬وشاش‭ ‬طبي‭ ‬ملوث‭ ‬بالدماء‭ ‬بل‭ ‬وأحياناً‭ ‬الأعضاء‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬للبتر‭ ‬في‭ ‬مقالب‭ ‬القمامة‭ ‬المكشوفة‭ ‬العامة‭ (‬ربما‭ ‬تذكرون‭ ‬حكاية‭ ‬الجنين‭ ‬الذي‭ ‬ولد‭ ‬ميتا‭ ‬وتخلص‭ ‬منه‭ ‬مستشفى‭ ‬عربي‭ ‬في‭ ‬مكب‭ ‬الزبالة‭).‬

أطلب‭ ‬شهادة‭ ‬راتب‭ ‬أو‭ ‬خبرة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬عملك،‭ ‬وستكتشف‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬أصعب‭ ‬من‭ ‬إقناع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بعدالة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭: ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تقديم‭ ‬الطلب‭ ‬شفاهة‭ ‬بل‭ ‬كتابة،‭ ‬وعليك‭ ‬أن‭ ‬تترك‭ ‬ثلاثة‭ ‬أرباع‭ ‬الورقة‭ ‬لتوقيعات‭ ‬رؤساء‭ ‬الأقسام‭ ‬والإدارات،‭ ‬وبعد‭ ‬خمسة‭ ‬أيام‭ ‬يبلغونك‭ ‬بأن‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬لديه‭ (‬الختم‭) ‬سافر‭ ‬في‭ ‬دورة‭ ‬دراسية‭ ‬لستة‭ ‬أشهر‭ ‬في‭ ‬هاواي،‭ ‬وأن‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬ختم‭ ‬جديد‭ ‬يتطلب‭ ‬مخاطبة‭ ‬وزارات‭ ‬الداخلية‭ ‬والتربية‭ ‬والنفط‭ ‬والكهرباء‭ ‬والبلدية‭.‬

وهناك‭ ‬حكاية‭ ‬رويتها‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬تجربتي‭ ‬عندما‭ ‬عدت‭ ‬مع‭ ‬عائلتي‭ ‬من‭ ‬بريطانيا‭ ‬وقدمت‭ ‬شهادات‭ ‬عيالي‭ ‬المدرسية‭ ‬لتسجيلهم‭ ‬في‭ ‬مدارس‭ ‬عربية‭ ‬فقالوا‭: ‬ما‭ ‬يصير‭ ‬ما‭ ‬عليها‭ ‬ختم،‭ ‬واتصلت‭ ‬بمدارسهم‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬طالباً‭ ‬شهادات‭ ‬مختومة،‭ ‬ولكنهم‭ ‬قالوا‭ ‬لي‭: ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬مدرسة‭ ‬أو‭ ‬هيئة‭ ‬تعليمية‭ ‬هناك‭ ‬تملك‭ (‬ختما‭)‬،‭ ‬ولأنني‭ ‬أعرف‭ ‬عقدة‭ ‬الأختام‭ ‬العربية‭ ‬حملت‭ ‬الشهادات‭ ‬إلى‭ ‬السفارة‭ ‬البريطانية‭ ‬وأنا‭ ‬أعيط،‭ ‬فختموها‭ (‬وش‭ ‬وظهر‭) ‬رأفة‭ ‬بي‭ ‬وبعيالي،‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬يعلو‭ ‬فوق‭ ‬الختم‭ ‬أبو‭ ‬أسدين‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا