العدد : ١٦٨٢٧ - الخميس ١٨ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٩ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٢٧ - الخميس ١٨ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٩ شوّال ١٤٤٥هـ

قضايا و آراء

أضواء على مؤتمر «أيوفي» للهيئات الشرعية (1)

بقلم: د. أسعد حمود السعدون {

الخميس ١١ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

شهدت‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬المدة‭ ‬7-8‭/ ‬مايو‭/‬2023‭ ‬مؤتمرا‭ ‬علميا‭ ‬وماليا‭ ‬وشرعيا‭ ‬مهما،‭ ‬يتمثل‭ ‬بانعقاد‭ ‬مؤتمر‭ ‬هيئة‭ ‬المحاسبة‭ ‬والمراجعة‭ ‬للمؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الإسلامية‭ (‬أيوفي‭) ‬للهيئات‭ ‬الشرعية‭ ‬السنوي‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬برعاية‭ ‬مصرف‭ ‬البحرين‭ ‬المركزي،‭ ‬ويعد‭ ‬المؤتمر‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬المؤتمرات‭ ‬السنوية‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭  ‬الصناعة‭ ‬المالية‭ ‬الإسلامية‭ ‬على‭ ‬الصعد‭ ‬المحلية‭ ‬والإقليمية‭ ‬والعالمية،‭ ‬حيث‭ ‬يشارك‭ ‬فيه‭ ‬نخبة‭ ‬مختارة‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬الشريعة‭ ‬المميزين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المالية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬صانعي‭ ‬السياسات‭ ‬في‭ ‬البنوك‭ ‬والمؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الإسلامية‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬المحلي‭ ‬والدولي‭. ‬

وللمؤتمر‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬أهميته‭ ‬الاستثنائية،‭ ‬التي‭ ‬انعكست‭ ‬في‭ ‬الكلمات‭ ‬الصريحة‭ ‬والجريئة‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬المتحدثان‭ ‬الرئيسيان‭ ‬في‭ ‬الجلسة‭ ‬الافتتاحية‭ ‬للمؤتمر،‭ ‬حيث‭ ‬تشهد‭ ‬الساحة‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭ ‬تحديات‭ ‬عديدة‭ ‬تتطلب‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬المالية‭ ‬العالمية‭ ‬البحث‭ ‬العميق‭ ‬عن‭ ‬أفضل‭ ‬الآليات‭ ‬لمواجهة‭ ‬أسوء‭ ‬تداعياتها‭ ‬على‭ ‬الصناعة‭ ‬المالية،‭ ‬وبخصوص‭ ‬الصناعة‭ ‬المالية‭ ‬الإسلامية‭ ‬فإنها‭ ‬غير‭ ‬مستثناة‭ ‬من‭ ‬التأثر‭ ‬بهذه‭ ‬التحديات‭. ‬ويعود‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬هيمنة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ودول‭ ‬الغرب‭ ‬عموما‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬المالي‭ ‬العالمي،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬رهين‭ ‬أزماته،‭ ‬وسياساته‭. ‬كما‭ ‬أوضح‭ ‬ذلك‭ ‬معالي‭ ‬الشيخ‭ ‬إبراهيم‭ ‬بن‭ ‬خليفة‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬أمناء‭ ‬هيئة‭ ‬المحاسبة‭ ‬والمراجعة‭ ‬للمؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬كلمته‭ ‬في‭ ‬افتتاح‭ ‬المؤتمر‭ ‬مفصلا‭ ‬أسباب‭ ‬انهيار‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬البنوك‭ ‬الأمريكية‭ ‬بالقول‭: ‬‮«‬إن‭ ‬سبب‭ ‬سقوط‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬البنوك‭ ‬العالمية‭ ‬ناجم‭ ‬عن‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬وانهيار‭ ‬أسعار‭ ‬السندات‭ ‬حيث‭ ‬قام‭ ‬المودعون‭ ‬بسحب‭ ‬ودائعهم‮»‬‭.‬

ولأجل‭ ‬أن‭ ‬ترصن‭ ‬البنوك‭ ‬الإسلامية‭ ‬تجربتها‭ ‬المصرفية‭ ‬وتتجاوز‭ ‬مشكلات‭ ‬البنوك‭ ‬التقليدية‭ ‬دعا‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬أصول‭ ‬العمل‭ ‬المصرفي‭ ‬الإسلامي‭ ‬وميزاته‭ ‬الأساسية‭ ‬بالقول‭: ‬‮«‬يجب‭ ‬على‭ ‬المصارف‭ ‬الإسلامية‭ ‬تنويع‭ ‬استثماراتها‭ ‬وتمويلاتها،‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬تركزها‭ ‬المفرط‭ ‬في‭ ‬الودائع‭ ‬لدى‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬والحكومات‭ ‬وإدارة‭ ‬الموجودات،‭ ‬والتحول‭ ‬نحو‭ ‬قطاعات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الحقيقي‭ ‬مثل‭ ‬التصنيع‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬والمشروعات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة‭ ‬والزراعة‮»‬‭.‬

ولا‭ ‬يخفى‭ ‬على‭ ‬القارئ‭ ‬الكريم‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬المتخصصين‭ ‬في‭ ‬التمويل‭ ‬الإسلامي‭ ‬إن‭ ‬أبرز‭ ‬سمات‭ ‬المصارف‭ ‬الإسلامية‭ ‬أنها‭ ‬بنوك‭ ‬استثمار‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الحقيقي،‭ ‬وأن‭ ‬القطاع‭ ‬الحقيقي‭ ‬هو‭ ‬الطريق‭ ‬الرئيس‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬بديل‭ ‬عنه‭ ‬لتحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬وجميع‭ ‬طرق‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأخرى‭ ‬سواء‭ ‬الرقمية‭ ‬أو‭ ‬المالية‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬هي‭ ‬أدوات‭ ‬مساعدة‭ ‬تخدم‭ ‬القطاع‭ ‬الحقيقي‭ ‬ليس‭ ‬أكثر‭.‬

ولم‭ ‬يفت‭ ‬معالي‭ ‬الشيخ‭ ‬إبراهيم‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬أن‭ ‬يطمئن‭ ‬المهتمين‭ ‬بالمصرفية‭ ‬الإسلامية‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬قادرة‭ ‬بعون‭ ‬الله‭ ‬وتوفيقه‭ ‬أن‭ ‬تتجاوز‭ ‬آثار‭ ‬الأزمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية‭ ‬الراهنة‭ ‬بالقول‭: ‬‮«‬منذ‭ ‬أن‭ ‬أبصرت‭ ‬المالية‭ ‬الإسلامية‭ ‬النور‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬خمسين‭ ‬عاما،‭ ‬أثبتت‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬التحديات،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تحقيق‭ ‬التوسع‭ ‬بمعدلات‭ ‬استثنائية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الحجم‭ ‬والنمو‭ ‬والانتشار‭ ‬والأثر‮»‬‭.‬

إن‭ ‬المستقبل‭ ‬سيشهد‭ ‬استمرار‭ ‬ذلك‭ ‬النمو‭ ‬والتوسع‭ ‬وبمعدلات‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬نمو‭ ‬وانتشار‭ ‬وتوسع‭ ‬الصيرفة‭ ‬التقليدية‭. ‬وحيث‭ ‬إن‭ ‬المصارف‭ ‬الإسلامية‭ ‬قد‭ ‬واكبت‭ ‬التحولات‭ ‬الرقمية‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬العالم‭ ‬خلال‭ ‬العقدين‭ ‬الأخيرين‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الحالي،‭ ‬فإنها‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬تجني‭ ‬ثمار‭ ‬ذلك‭ ‬بالمزيد‭ ‬من‭ ‬التوسع‭ ‬والاهتمام‭ ‬والرضا‭ ‬والتفضيل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬العملاء‭.‬

وقد‭ ‬أكد‭ ‬معالي‭ ‬الشيخ‭ ‬أن‭ ‬‮«‬تعزيز‭ ‬الجانب‭ ‬الرقمي‭ ‬لا‭ ‬يؤدي‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬تحسين‭ ‬كفاءة‭ ‬العمليات‭ ‬وسرعتها،‭ ‬وتقليل‭ ‬التكاليف،‭ ‬ورفع‭ ‬مستوى‭ ‬الربحية،‭ ‬وإنما‭ ‬يمكِّن‭ ‬المؤسسات‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬طيف‭ ‬واسع‭ ‬من‭ ‬المنتجات‭ ‬والخدمات‭ ‬التي‭ ‬ستجذب‭ ‬قاعدة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬العملاء‭ ‬والمستثمرين‭ ‬وتكسب‭ ‬ولاءهم‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬أسواق‭ ‬اليوم‭ ‬التي‭ ‬ترتفع‭ ‬فيها‭ ‬حدة‭ ‬المنافسة‭ ‬وتتصاعد‮»‬‭.‬

أما‭ ‬راعي‭ ‬المؤتمر‭ ‬سعادة‭ ‬الأستاذ‭ ‬رشيد‭ ‬المعراج‭ ‬محافظ‭ ‬مصرف‭ ‬البحرين‭ ‬المركزي‭ ‬فقد‭ ‬أوضح‭ ‬في‭ ‬كلمته‭ ‬بافتتاح‭ ‬المؤتمر‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬اهتمامات‭ ‬مصرف‭ ‬البحرين‭ ‬المركزي‭ ‬بخصوص‭ ‬المصرفية‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الراهنة‭ ‬مثل‭ ‬تطبيق‭ ‬المعايير‭ ‬الشرعية‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬هيئة‭ ‬المحاسبة‭ ‬والمراجعة‭ ‬للمؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬مفصحا‭ ‬عن‭ ‬أنها‭ ‬أصبحت‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬المتطلبات‭ ‬الرقابية‭ ‬الإلزامية‭ ‬على‭ ‬المؤسسات‭ ‬المرخص‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مصرف‭ ‬البحرين‭ ‬المركزي‭.‬

كما‭ ‬أكد‭ ‬أهمية‭ ‬تحقيق‭ ‬الإنصاف‭ ‬في‭ ‬معاملة‭ ‬أصحاب‭ ‬حسابات‭ ‬الاستثمار‭ ‬وتجنيبها‭ ‬الحيف‭ ‬والخلل‭ ‬الذي‭ ‬تعاني‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬المصارف‭ ‬الإسلامية‭ ‬والمتمثل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬العائد‭ ‬عليها‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬عائد‭ ‬المساهمين،‭ ‬وليس‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬أو‭ ‬تحكم‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬وإدارة‭ ‬هذه‭ ‬الأموال‭.‬

ودعا‭ ‬محافظ‭ ‬مصرف‭ ‬البحرين‭ ‬المركزي‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬اتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬عملية‭ ‬لحماية‭ ‬أصحاب‭ ‬حسابات‭ ‬الاستثمار‭ ‬ومعاملتهم‭ ‬بشكل‭ ‬مختلف‭ ‬عن‭ ‬المودعين،‭ ‬إذ‭ ‬إنهم‭ ‬يسهمون‭ ‬بالجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬الأموال‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بنك‭ ‬إسلامي،‭ ‬وتتحمل‭ ‬هذه‭ ‬الحسابات‭ ‬نفس‭ ‬المخاطر‭ ‬التي‭ ‬يتحملها‭ ‬المساهمون‮»‬‭.‬

وللموضوع‭ ‬بقية‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬قادم‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭.‬

{‭ ‬أكاديمي‭ ‬وخبير‭ ‬اقتصادي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا