العدد : ١٦٨٠٧ - الجمعة ٢٩ مارس ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ رمضان ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٠٧ - الجمعة ٢٩ مارس ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ رمضان ١٤٤٥هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

الديمقراطية المفترى عليها

كأن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬لعنة‭ ‬حلت‭ ‬علينا‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭. ‬باسم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬تم‭ ‬ارتكاب‭ ‬أبشع‭ ‬الجرائم‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬دولنا‭ ‬وشعوبنا‭.‬

ليس‭ ‬مقصودا‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬كقيم‭ ‬ومبادئ‭ ‬إنسانية‭ ‬وسياسية‭ ‬نبيلة‭ ‬وأسلوب‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬والحياة‭ ‬السياسية‭. ‬المقصود‭ ‬دعاوى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬واستغلالها‭ ‬أسوأ‭ ‬استغلال‭ ‬ممكن‭.‬

على‭ ‬امتداد‭ ‬السنوات‭ ‬الطويلة‭ ‬الماضية،‭ ‬أكبر‭ ‬الكوارث‭ ‬التي‭ ‬حلت‭ ‬بالدول‭ ‬العربية،‭ ‬وكل‭ ‬محاولات‭ ‬تدمير‭ ‬دولنا‭ ‬واغراقها‭ ‬في‭ ‬الفوضى‭ ‬والضياع،‭ ‬تمت‭ ‬باسم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وتحت‭ ‬زعم‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬حكم‭ ‬ديمقراطي‭ ‬مدني‭.‬

الأمثلة‭ ‬كثيرة،‭ ‬لكن‭ ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬نتأمل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬لدولنا‭ ‬وشعوبنا‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬2011‭.‬

من‭ ‬دون‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬أي‭ ‬تفاصيل‭ ‬باتت‭ ‬معروفة‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬حال،‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬القوى‭ ‬التي‭ ‬سعت‭ ‬لإسقاط‭ ‬نظم‭ ‬الحكم‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬دولنا‭ ‬وإلى‭ ‬إغراقها‭ ‬في‭ ‬الفوضى‭ ‬والخراب‭ ‬والصراع‭ ‬الأهلي،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬قوى‭ ‬طائفية‭ ‬أو‭ ‬دينية‭ ‬متطرفة،‭ ‬أو‭ ‬متآمرة‭ ‬مع‭ ‬قوى‭ ‬أجنبية‭.. ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬فعلت‭ ‬هذا‭ ‬تحت‭ ‬زعم‭ ‬أنها‭ ‬إنما‭ ‬تريد‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتغيير‭ ‬وأن‭ ‬جوهر‭ ‬هذا‭ ‬الإصلاح‭ ‬الذي‭ ‬تسعى‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬تحقيق‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وإقامة‭ ‬حكم‭ ‬ديمقراطي‭.‬

العجيب‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬بحكم‭ ‬تاريخها‭ ‬وتكوينها‭ ‬وقناعاتها‭ ‬الفكرية‭ ‬والإيديولوجية‭ ‬والسياسية‭ ‬هي‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬يؤمن‭ ‬بالديمقراطية،‭ ‬وآخر‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬حكما‭ ‬ديمقراطيا‭. ‬مزاعم‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليها‭ ‬مجرد‭ ‬خطاب‭ ‬غوغائي‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬كسب‭ ‬شعبية‭ ‬وكمجرد‭ ‬أداة‭ ‬ووسيلة‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الحكم‭ ‬وتحقيق‭ ‬أجندتها‭ ‬الخاصة‭.‬

بالمناسبة،‭ ‬كما‭ ‬نعلم،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬نفس‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬أمريكا‭ ‬والدول‭ ‬الغربية‭ ‬حين‭ ‬غزت‭ ‬ودمرت‭ ‬دولا‭ ‬مثلا‭ ‬العراق‭ ‬وأفغانستان‭ ‬باسم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والحرية،‭ ‬وحين‭ ‬سعت‭ ‬لتدمير‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬بالتدخل‭ ‬السافر‭ ‬في‭ ‬شئونها‭ ‬باسم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والحرية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

نقول‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬اليوم‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬بالضبط‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬حاليا‭ ‬مع‭ ‬الأحداث‭ ‬الكارثية‭ ‬المأساوية‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭.‬

طرفا‭ ‬الصراع‭ ‬والحرب‭ ‬الحالية‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬أي‭ ‬قائد‭ ‬الجيش‭ ‬البرهان‭ ‬وقائد‭ ‬قوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬حميدتي‭ ‬يفعلان‭ ‬هذا‭ ‬بالضبط‭ ‬اليوم‭. ‬يحاولان‭ ‬تبرير‭ ‬إقدامهما‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬المدمرة‭ ‬بنفس‭ ‬المنطق‭ ‬والذريعة،‭ ‬أي‭ ‬القول‭ ‬إنهما‭ ‬إنما‭ ‬يريدان‭ ‬الديمقراطية‭ ‬ويدافعان‭ ‬عنها‭.‬

قائد‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬تصريحاته‭ ‬إنه‭ ‬دخل‭ ‬الحرب‭ ‬مجبرا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وتحقيقها،‭ ‬وأنه‭ ‬يدفع‭ ‬ثمن‭ ‬دفاعه‭ ‬عن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وسعيه‭ ‬لقطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬محاولة‭ ‬الجيش‭ ‬للقضاء‭ ‬عليها‭.‬

وقائد‭ ‬الجيش‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬بدوره‭ ‬أجبر‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬ويدفع‭ ‬ثمن‭ ‬دفاعه‭ ‬عن‭ ‬الحكم‭ ‬المدني‭ ‬الديمقراطي‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬ولإحباط‭ ‬محاولة‭ ‬انقلاب‭ ‬عسكري‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬الحكم‭.‬

هذا‭ ‬خطاب‭ ‬بائس‭ ‬جدا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬ينطلي‭ ‬على‭ ‬أحد،‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬السودانيين‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬متابع‭ ‬للشأن‭ ‬السوداني‭.‬

هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬ومزاعم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يخفي‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬الحقيقي‭ ‬للطرفين‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬والانفراد‭ ‬بها‭ ‬واقصاء‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬نهائيا،‭ ‬ولا‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬للديمقراطية‭ ‬ولا‭ ‬للحكم‭ ‬المدني‭.‬

وهذا‭ ‬الخطاب‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬منطق‭ ‬وحشي‭ ‬إذ‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يمر‭ ‬حتما‭ ‬عبر‭ ‬التدمير‭ ‬والقتل‭ ‬والخراب‭ ‬وتهجير‭ ‬الشعب‭.. ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬المآسي‭ ‬المروعة‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬اليوم‭.‬

الديمقراطية‭ ‬بأي‭ ‬صيغة‭ ‬كانت‭ ‬بريئة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭. ‬هذا‭ ‬افتراء‭ ‬على‭ ‬الديمقراطية‭ ‬واستهانة‭ ‬بعقول‭ ‬وحياة‭ ‬الشعب‭.‬

للحديث‭ ‬بقية‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا