العدد : ١٦٨٣٥ - الجمعة ٢٦ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٧ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٣٥ - الجمعة ٢٦ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٧ شوّال ١٤٤٥هـ

يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره

الخاسر الأوحد

مصعب‭ ‬ويعقوب‭ ‬شقيقان‭ ‬سودانيان،‭ ‬الأول‭ ‬يحارب‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الجيش‭ ‬السوداني،‭ ‬والثاني‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬قوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭.‬

‭ ‬شقيقهما‭ ‬محمد‭ ‬وجه‭ ‬اليهما‭ ‬رسالة‭ ‬حزينة‭ ‬مؤثرة‭ ‬اجتاحت‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬الماضية‭.‬

‭ ‬محمد‭ ‬كتب‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬إلى‭ ‬شقيقي‭ ‬مصعب‭ ‬جالي‭ ‬بالقوات‭ ‬المسلحة،‭ ‬ليلة‭ ‬البارحة‭ ‬رزق‭ ‬الله‭ ‬شقيقنا‭ ‬الأصغر‭ ‬بقوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬يعقوب‭ ‬جالي‭ ‬بولد‭ ‬وحتى‭ ‬الآن‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬بذلك‭. ‬إذا‭ ‬وقع‭ ‬أسيرا‭ ‬في‭ ‬يدك‭ ‬أو‭ ‬وقعت‭ ‬أسيرا‭ ‬في‭ ‬يده‭ ‬فأخبره‭ ‬بهذا‭ ‬الخبر‭ .‬أسأل‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يحفظكما‭ ‬جميعا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المعركة‭ ‬التي‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬الخاسر‭ ‬الوحيد‭ ‬فيها‭ ‬أنا‮»‬‭.‬

شقيقان‭ ‬يتحاربان‭ ‬قد‭ ‬يأسر‭ ‬أحدهما‭ ‬الآخر‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬شقيقهما،‭ ‬وقد‭ ‬يقتل‭ ‬أحدهما‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬حاليا‭.‬

هذه‭ ‬المأساة‭ ‬هي‭ ‬مأساة‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬كله‭. ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬كله‭ ‬ممزق‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬وأبناؤه‭ ‬يحاربون‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭.‬

هذه‭ ‬حرب‭ ‬لا‭ ‬ذنب‭ ‬للسودانيين‭ ‬فيها‭. ‬الجيش‭ ‬السوداني‭ ‬هو‭ ‬الجيش‭ ‬الوطني‭ ‬والانضمام‭ ‬اليه‭ ‬هو‭ ‬بالطبع‭ ‬شرف‭ ‬وواجب‭. ‬وقوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬هي‭ ‬قوات‭ ‬شرعية‭ ‬كانت‭ ‬منذ‭ ‬إنشائها‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬وشريكا‭ ‬في‭ ‬الحكم‭. ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬دوما‭ ‬مدعاة‭ ‬للشرف‭ ‬ان‭ ‬ينضم‭ ‬السودانيون‭ ‬الى‭ ‬الجيش‭ ‬أو‭ ‬الى‭ ‬هذه‭ ‬القوات‭.‬

على‭ ‬امتداد‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬والسودانيون‭ ‬يشاهدون‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬البرهان‭ ‬قائد‭ ‬الجيش‭ ‬وحميدتي‭ ‬قائد‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬يقفان‭ ‬جنبا‭ ‬الى‭ ‬جنب‭ ‬يتقاسمان‭ ‬السلطة‭ ‬والسيطرة،‭ ‬ويمثلان‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬ويقودان‭ ‬التفاوض‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬المدنية‭ ‬السودانية‭.‬

لا‭ ‬ذنب‭ ‬للسودانيين‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬ينقلب‭ ‬الرجلان‭ ‬أحدهما‭ ‬على‭ ‬الآخر‭ ‬ويتبادلان‭ ‬الاتهامات‭ ‬بالخيانة‭ ‬والغدر‭ ‬والتمرد‭ ‬والعمالة،‭ ‬وأن‭ ‬يقررا‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬يريدانها‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬حتى‭ ‬يقضي‭ ‬أحدهما‭ ‬على‭ ‬الآخر‭.‬

‭ ‬حين‭ ‬نشر‭ ‬الشاب‭ ‬السوداني‭ ‬رسالته‭ ‬إلى‭ ‬شقيقيه‭ ‬علق‭ ‬كثيرون‭ ‬عليها،‭ ‬لكنني‭ ‬توقفت‭ ‬أمام‭ ‬تعليقين‭.‬

‭ ‬كتب‭ ‬أحدهم‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬حالك‭ ‬وحال‭ ‬أشقائك‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭. ‬نحارب‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض‭ ‬إما‭ ‬بالقوة‭ ‬أو‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬أو‭ ‬بالتآمر،‭ ‬فلا‭ ‬تحزن‭ ‬يا‭ ‬عزيزي‭ ‬فهذا‭ ‬حالنا‭ ‬منذ‭ ‬زمن‮»‬‭.‬

معلق‭ ‬آخر‭ ‬أورد‭ ‬أبياتا‭ ‬للشاعر‭ ‬الفلسطيني‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬لتوصيف‭ ‬الحالة،‭ ‬حين‭ ‬قال‭: ‬‮«‬ستنتهي‭ ‬الحرب‭ ‬ويتصافح‭ ‬القادة،‭ ‬وتبقى‭ ‬تلك‭ ‬العجوز‭ ‬تنتظر‭ ‬ولدها‭ ‬الشهيد،‭ ‬وتلك‭ ‬الفتاة‭ ‬تنتظر‭ ‬زوجها‭ ‬الحبيب،‭ ‬وأولئك‭ ‬الأطفال‭ ‬ينتظرون‭ ‬والدهم‭ ‬البطل،‭ ‬لا‭ ‬أعلم‭ ‬من‭ ‬باع‭ ‬الوطن‭! ‬ولكنني‭ ‬رأيتُ‭ ‬من‭ ‬دفع‭ ‬الثمن‮»‬‭.‬

نعم،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭: ‬كلنا‭ ‬نرى‭ ‬من‭ ‬يدفع‭ ‬الثمن‭ ‬في‭ ‬السودان‭. ‬إنه‭ ‬الشعب‭ ‬وحده‭. ‬قد‭ ‬تنتهي‭ ‬الحرب‭ ‬بانفراد‭ ‬أحدهما‭ ‬بالسلطة،‭ ‬أو‭ ‬بجلوسهما‭ ‬للتفاوض‭ ‬والعودة‭ ‬لتقاسم‭ ‬السلطة‭ ‬أو‭ ‬بأي‭ ‬طريقة‭ ‬اخرى‭. ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال،‭ ‬الشعب‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬الثمن‭. ‬هو‭ ‬الخاسر‭ ‬الأوحد‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الشاب‭ ‬السوداني‭ ‬في‭ ‬رسالته‭ ‬لشقيقيه‭.‬

كيف‭ ‬وصل‭ ‬السودان‭ ‬الى‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬المأساوي؟‭.. ‬ومن‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬ذلك؟‭.. ‬هذه‭ ‬وغيرها‭ ‬أسئلة‭ ‬مطروحة‭ ‬ومهمة‭. ‬لكن‭ ‬الكارثة‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬بلا‭ ‬حماية‭. ‬القوى‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬ان‭ ‬تحميه‭ ‬وتؤمنه‭ ‬وتحقق‭ ‬الاستقرار‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تتحارب،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تقتل‭ ‬وتدمّر‭ ‬وتخرب‭.‬

الكارثة‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬تنتهي‭ ‬هذه‭ ‬المأساة‭ ‬المروعة،‭ ‬وأي‭ ‬مصير‭ ‬ومستقبل‭ ‬ينتظره‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬توقفت‭ ‬المعارك‭.‬

الأمر‭ ‬الوحيد‭ ‬الواضح‭ ‬أنه‭ ‬أيا‭ ‬كانت‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬ستنتهي‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬احتمالات‭ ‬المستقبل‭ ‬مظلمة،‭ ‬والافق‭ ‬مفتوح‭ ‬على‭ ‬توقعات‭ ‬كلها‭ ‬مأساوية‭.‬

الأمر‭ ‬المهم‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬ألا‭ ‬تمتد‭ ‬وتتوسع‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬وألا‭ ‬تنضم‭ ‬اليها‭ ‬قوى‭ ‬وجماعات‭ ‬أخرى‭ ‬وتتحول‭ ‬الى‭ ‬حرب‭ ‬أهلية،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬إن‭ ‬حدث‭ ‬فسوف‭ ‬يعني‭ ‬نهاية‭ ‬السودان‭ ‬الذي‭ ‬نعرفه‭.‬

‭ ‬ويتطلب‭ ‬هذا‭ ‬أقصى‭ ‬درجات‭ ‬الوعي‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬السوداني‭ ‬وقواه‭ ‬المختلفة‭ ‬تجنيبا‭ ‬للسودان‭ ‬مصيرا‭ ‬أكثر‭ ‬مأساوية‭ ‬وقتامة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا