العدد : ١٦٨٠٧ - الجمعة ٢٩ مارس ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ رمضان ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٠٧ - الجمعة ٢٩ مارس ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ رمضان ١٤٤٥هـ

هوامش

عبدالله الأيوبي

ayoobi99@gmail.com

هل سترفع الرايات البيضاء قريبا؟

من‭ ‬خلال‭ ‬المواقف‭ ‬المعلنة‭ ‬لجميع‭ ‬أطراف‭ ‬الصراع،‭ ‬وتحديدا‭ ‬الأطراف‭ ‬المؤثرة‭ ‬والمشاركة‭ ‬فيه‭ ‬بقوة،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬جميع‭ ‬أبواب‭ ‬الحل‭ ‬السلمي‭ ‬للحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬أغلقت‭ ‬بشكل‭ ‬محكم،‭ ‬فالدول‭ ‬الأوروبية،‭ ‬وحلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬زج‭ ‬بثقله‭ ‬اللوجستي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقديم‭ ‬مختلف‭ ‬أنواع‭ ‬الأسلحة‭ ‬الثقيلة‭ ‬للجانب‭ ‬الأوكراني‭ ‬ويعلنها‭ ‬صراحة‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬‮«‬يسمح‮»‬‭ ‬لروسيا‭ ‬بتحقيق‭ ‬الانتصار،‭ ‬لأن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الانتصار،‭ ‬حسب‭ ‬تصريحات‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مسؤول‭ ‬من‭ ‬مسؤولي‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬هو‭ ‬هزيمة‭ ‬لحلف‭ ‬الناتو‭ ‬نفسه،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬يؤكد‭ ‬المسؤولون‭ ‬الروس‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬إصرارهم‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬انطلقت‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬الرابع‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬فبراير‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬ويؤكدون‭ ‬أن‭ ‬الدعم‭ ‬الغربي‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬لن‭ ‬يغير‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الموقف،‭ ‬ولن‭ ‬يؤدي‭ ‬سوى‭ ‬إلى‭ ‬إطالة‭ ‬أمد‭ ‬الحرب‭ ‬والخسائر‭ ‬البشرية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الأوكراني‭. ‬

جميع‭ ‬الحروب‭ ‬تنتهي‭ ‬بجلوس‭ ‬أطرافها‭ ‬حول‭ ‬طاولة‭ ‬المفاوضات،‭ ‬إما‭ ‬لتوقيع‭ ‬أحد‭ ‬أطرافها‭ ‬صك‭ ‬الاستسلام‭ ‬للطرف،‭ ‬أو‭ ‬للأطراف‭ ‬الأخرى،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مثلا‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬بعد‭ ‬هزيمة‭ ‬ألمانيا‭ ‬النازية‭ ‬أمام‭ ‬الحلفاء،‭ ‬وإما‭ ‬لقناعة‭ ‬أطراف‭ ‬الحرب‭ ‬باستحالة‭ ‬تحقيق‭ ‬أي‭ ‬منهم‭ ‬النصر‭ ‬تجاه‭ ‬الآخر،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬أمامهم‭ ‬سوى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مخرج‭ ‬تحت‭ ‬صيغة‭ ‬‮«‬لا‭ ‬غالب‭ ‬ولا‭ ‬مغلوب‮»‬،‭ ‬وهذه‭ ‬الصيغة‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬أنها‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬خلد‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬أطراف‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت،‭ ‬فإن‭ ‬المعارك‭ ‬الدائرة‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬الصراع‭ ‬لا‭ ‬تؤشر‭ ‬على‭ ‬قرب‭ ‬تحقيق‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الأطراف‭ ‬انتصارا‭ ‬حاسما‭ ‬يجبر‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬على‭ ‬القبول‭ ‬بشروطه،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬تحت‭ ‬الراية‭ ‬البيضاء‭.‬

الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأكرانية،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬حربا‭ ‬بين‭ ‬دولتين‭ ‬جارتين،‭ ‬بل‭ ‬وشقيقتين‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬العرقية‭ ‬والدينية‭ ‬أيضا،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬حرب‭ ‬تشبه‭ ‬الحرب‭ ‬الكونية،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬ليست‭ ‬بالمعنى‭ ‬الفعلي‭ ‬للحرب‭ ‬الكونية،‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬مشاركة‭ ‬فعلية‭ ‬علنية‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬ولكنها‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الواقع‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬حرب‭ ‬طرفها‭ ‬الأول‭ ‬روسيا‭ ‬والطرف‭ ‬الثاني‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬زجت‭ ‬بنفسها‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وعسكريا‭ ‬وسياسيا،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقديم‭ ‬شتى‭ ‬المساعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬للجانب‭ ‬الأوكراني‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬أوكرانيا‭ ‬تقاوم،‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬الآلة‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬الضخمة‭.‬

خطورة‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬أطرافها‭ ‬المؤثرين‭ ‬والفاعلين‭ ‬يملكون‭ ‬من‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬متوفرا‭ ‬وبأيدي‭ ‬قادة‭ ‬الحروب‭ ‬السابقة‭ ‬الكبيرة،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تتوصل‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المشاركة‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬اقتناء‭ ‬السلاح‭ ‬النووي،‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬بهزيمة‭ ‬ألمانيا‭ ‬النازية،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬الآن‭ ‬حيث‭ ‬بين‭ ‬أيدي‭ ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬وحديهما‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأسلحة‭ ‬لتدمير‭ ‬الحياة‭ ‬على‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬تماما،‭ ‬وهنا‭ ‬تكمن‭ ‬الخطورة‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬استمرار‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وإغلاق‭ ‬الأبواب،‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬أمام‭ ‬أي‭ ‬مساع‭ ‬لإيجاد‭ ‬مخرج‭ ‬تقود‭ ‬الأطراف‭ ‬إلى‭ ‬طاولة‭ ‬المفاوضات‭.‬

سبق‭ ‬لنائب‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الروسي‭ ‬ديميتري‭ ‬ميدفيديف‭ ‬أن‭ ‬صرح‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬الدولة‭ ‬النووية‭ ‬لا‭ ‬تخسر‭ ‬الحرب‮»‬،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬بلاده‭ ‬لن‭ ‬تقبل‭ ‬الهزيمة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬كما‭ ‬يريد‭ ‬خصومها،‭ ‬بل‭ ‬وصرحوا‭ ‬بذلك‭ ‬علانية،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التلميحات‭ ‬والتصريحات،‭ ‬تجعل‭ ‬الجميع‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬توجس‭ ‬من‭ ‬أية‭ ‬تطورات‭ ‬عسكرية‭ ‬راديكالية‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬المعركة‭ ‬الحالية،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬استعدادات‭ ‬عسكرية‭ ‬أوكرانية‭ ‬ضخمة‭ ‬مدعومة‭ ‬بأسلحة‭ ‬أوروبية‭ ‬وأمريكية‭ ‬نوعية،‭  ‬لبدء‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بــ«هجوم‭ ‬الربيع‮»‬‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لإخراج‭ ‬القوات‭ ‬الروسية‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬سيطرت‭ ‬عليها‭ ‬بعد‭ ‬بدء‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الخاصة‭.‬

جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬النووية‭ ‬تقول‭ ‬إنها‭ ‬لن‭ ‬تلجأ‭ ‬إلى‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬تعرضها‭ ‬لعمل‭ ‬عسكري‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يهدد‭ ‬وجود‭ ‬الدولة،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬العقيدة‭ ‬النووية‭ ‬الروسية،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬قراءة‭ ‬وفهم‭ ‬نسبي‭ ‬لنوع‭ ‬وشكل‭ ‬التهديد‭ ‬الذي‭ ‬يبيح‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬السلاح‭ ‬النووي،‭ ‬فالرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬صرح‭ ‬بأنه‭ ‬سيكون‭ ‬هناك‭ ‬رد‭ ‬روسي‭ ‬قاس‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬استخدمت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬قذائف‭ ‬اليورانيوم‭ ‬المنضّب‭ ‬البريطانية‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬وعدت‭ ‬لندن‭ ‬بتقديمها‭ ‬إلى‭ ‬أوكرانيا؟‭ ‬وهل‭ ‬ستعتبر‭ ‬روسيا‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الاستخدام‭ ‬تهديدا‭ ‬لأمنها‭ ‬وأمن‭ ‬مواطنيها،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬القذائف‭ ‬تترك‭ ‬أثرا‭ ‬خطيرا‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬الإنسان،‭ ‬كالعراقيين‭ ‬الذين‭ ‬تعرضوا‭ ‬لتأثير‭ ‬هذه‭ ‬القذائف‭ ‬التي‭ ‬استخدمتها‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭ ‬خلال‭ ‬جريمة‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬عام‭ ‬2003؟

متى‭ ‬ستسكت‭ ‬مدافع‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬وكيف،‭ ‬وإلى‭ ‬أين‭ ‬سيتجه‭ ‬العالم‭ ‬مع‭ ‬استمرارها؟‭ ‬هذه‭ ‬كلها‭ ‬أسئلة‭ ‬يتداولها‭ ‬المراقبون‭ ‬والمتتبعون‭ ‬لسير‭ ‬العمليات‭ ‬العسكرية‭ ‬وتطورها،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬القراءة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعطي‭ ‬الإجابة‭ ‬الصحيحة،‭ ‬نسبيا،‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات،‭ ‬لكن‭ ‬المؤكد‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الإنهاك‭ ‬سيطول‭ ‬الجميع‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭.‬

إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا