العدد : ١٦٨٢٨ - الجمعة ١٩ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٠ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٢٨ - الجمعة ١٩ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٠ شوّال ١٤٤٥هـ

هوامش

عبدالله الأيوبي

ayoobi99@gmail.com

معالجة العمالة السائبة مسؤولية مشتركة

من‭ ‬خلال‭ ‬الإجراءات‭ ‬التفتيشية‭ ‬شبه‭ ‬اليومية‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬مفتشو‭ ‬هيئة‭ ‬تنظيم‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭ ‬مثل‭ ‬مديريات‭ ‬شرطة‭ ‬المحافظات‭ ‬وكذلك‭ ‬ممثلون‭ ‬من‭ ‬الجنسية‭ ‬والجوازات،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬توجها‭ ‬جديا‭ ‬لتصحيح‭ ‬الخلل‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬منه‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬بسبب‭ ‬تفشي‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬وصفها‭ ‬بظاهرة‭ ‬العمالة‭ ‬السائبة،‭ ‬التي‭ ‬تزايدت‭ ‬أعدادها‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬وما‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬اجتماعية‭ ‬تمس‭ ‬مختلف‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني،‭ ‬فالعمالة‭ ‬السائبة‭ ‬غير‭ ‬النظامية‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬المخاطر‭ ‬التي‭ ‬تتطلب‭ ‬معالجة‭ ‬قانونية‭ ‬سليمة‭ ‬مع‭ ‬المراعات‭ ‬الدقيقة‭ ‬للجوانب‭ ‬الإنسانية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عملية‭ ‬التصحيح‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬هيئة‭ ‬تنظيم‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الحالية،‭ ‬والتي‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬سوف‭ ‬تكلل‭ ‬بالنجاح‭.‬

كثير‭ ‬من‭ ‬الأخطاء‭ ‬يمكن‭ ‬تصحيحها‭ ‬ومعالجة‭ ‬التداعيات‭ ‬الناجمة‭ ‬عنها،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬جدية‭ ‬حقيقية‭ ‬للتعامل‭ ‬الصحيح‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الأخطاء،‭ ‬وكذلك‭ ‬الأمر‭ ‬مع‭ ‬قضية‭ ‬انتشار‭ ‬العمالة‭ ‬السائبة‭ ‬وتحولها‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬الظاهرة‭ ‬الخطيرة‭ ‬والضارة‭ ‬بالمجتمع‭ ‬وبالاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬أيضا،‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬ليست‭ ‬بالخطأ‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إصلاحه،‭ ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬بالإمكان‭ ‬منع‭ ‬استفحاله،‭ ‬لو‭ ‬تم‭ ‬وضع‭ ‬اليد‭ ‬مبكرا‭ ‬على‭ ‬الخلل‭ ‬الذي‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬ظهور‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬القضية،‭ ‬لو‭ ‬اتخذ‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬توفرها‭ ‬القوانين‭ ‬المعمول‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬المملكة‭.‬

مثل‭ ‬هذه‭ ‬المعالجة‭ ‬وبالأدوات‭ ‬القانونية‭ ‬المتاحة‭ ‬والمتوفرة،‭ ‬لم‭ ‬تحدث،‭ ‬مع‭ ‬الأسف،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬كرة‭ ‬الثلج،‭ ‬بل‭ ‬وواحدة‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬التي‭ ‬تؤرق‭ ‬المجتمع‭ ‬نتيجة‭ ‬ما‭ ‬تفرزه‭ ‬وتسببه‭ ‬من‭ ‬أضرار،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬العمالة‭ ‬السائبة،‭ ‬تتحرك‭ ‬وتعمل‭ ‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬مظلة‭ ‬القانون،‭ ‬مع‭ ‬أنها‭ ‬بالأساس‭ ‬بدأت‭ ‬عملها‭ ‬تحت‭ ‬مظلته،‭ ‬ولكن‭ ‬لظروف،‭ ‬ليس‭ ‬مهما‭ ‬شرح‭ ‬تفاصيلها،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬جلها‭ ‬معروف‭ ‬لجميع‭ ‬الجهات‭ ‬ذات‭ ‬الصلة،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬بعضا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬أو‭ ‬الأسباب‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬العمالة‭ ‬نفسها،‭ ‬وبعضها‭ ‬الآخر‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬المعادلة،‭ ‬أي‭ ‬أرباب‭ ‬العمل‭.‬

الجميع‭ ‬يعرف،‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬يعرف‭ ‬ذلك‭ ‬هي‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬حاليا‭ ‬بتنفيذ‭ ‬عملية‭ ‬تصحيح‭ ‬الأخطاء‭ ‬القائمة‭ ‬بشأن‭ ‬هذه‭ ‬العمالة،‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬هيئة‭ ‬تنظيم‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬تعرف‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة،‭ ‬المستهدف‭ ‬من‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحملات‭ ‬التصحيحية،‭ ‬والذي‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬الوضع‭ ‬السائب،‭ ‬أي‭ ‬غير‭ ‬القانوني،‭ ‬لم‭ ‬يدخل‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬عبر‭ ‬الدهاليز،‭ ‬وإنما‭ ‬جاء‭ ‬عبر‭ ‬القنوات‭ ‬القانونية‭ ‬المصرح‭ ‬بها،‭ ‬وبحسب‭ ‬الأنظمة‭ ‬المتبعة‭ ‬في‭ ‬المملكة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يبقى‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬جدا‭ ‬معالجة‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬انتقاله‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬تحت‭ ‬المظلة‭ ‬القانونية‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬خارج‭ ‬هذه‭ ‬المظلة‭.‬

استمرار‭ ‬الحملات‭ ‬التفتيشية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬هيئة‭ ‬تنظيم‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬إذا‭ ‬استمرت‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الوتيرة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬كذلك،‭ ‬فإنها‭ ‬من‭ ‬المؤكد‭ ‬أنها‭ ‬سوف‭ ‬تأتي‭ ‬بنتائج‭ ‬مثمرة‭ ‬تنعكس‭ ‬إيجابيا‭ ‬على‭ ‬أوضاع‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وتسهم‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬في‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬الأضرار‭ ‬والمخاطر‭ ‬الأمنية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تتسبب‭ ‬فيها‭ ‬ظاهرة‭ ‬العمالة‭ ‬السائبة‭ (‬غير‭ ‬القانونية‭)‬،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬مشروط،‭ ‬بل‭ ‬ويتوقف‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الجدية‭ ‬في‭ ‬استئصال‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭  ‬ظهور‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة،‭ ‬فالعلاج،‭ ‬رغم‭ ‬أهميته،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬معالجة‭ ‬الأسباب‭ ‬أهم‭.‬

ولكي‭ ‬يكون‭ ‬الإنسان‭ ‬منصفا‭ ‬وعقلانيا‭ ‬في‭ ‬معالجته‭ ‬وتشخيصه‭ ‬لأي‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬ذات‭ ‬الشأن‭ ‬العام،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬قضية‭ ‬العمالة‭ ‬السائبة،‭ ‬فإن‭ ‬المسؤولية‭ ‬الأخلاقية‭ ‬تفرض‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأن‭ ‬أسباب‭ ‬ظهور‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬لا‭ ‬تعود‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬التراخي‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭ ‬الذي‭ ‬ينظم‭ ‬عمل‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬ثغرات‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الذي‭ ‬يحكم‭ ‬وينظم‭ ‬نشاطها‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وإنما‭ ‬هناك‭ ‬مسؤولية‭ ‬تقع‭  ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬أطراف‭ ‬أخرى،‭ ‬مثل‭ ‬أرباب‭ ‬العمل‭ ‬والعامل‭ ‬نفسه،‭ ‬لهذا‭ ‬يبقى‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬تأكيد‭ ‬أن‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬لهذه‭ ‬القضية،‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬جدية‭ ‬واستمرارية‭ ‬هيئة‭ ‬تنظيم‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬حملاتها‭ ‬العلاجية‭.‬

المعالجة‭ ‬الحقيقية‭ ‬والناجعة‭ ‬لهذه‭ ‬القضية،‭ ‬هي‭ ‬مسؤولية‭ ‬مشتركة‭ ‬تتحملها‭ ‬الجهة‭ ‬ذات‭ ‬العلاقة‭ ‬بتنظيم‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ (‬هيئة‭ ‬تنظيم‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬والجهات‭ ‬الرسمية‭ ‬الأخرى‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭)‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬أرباب‭ ‬العمل،‭ ‬سواء‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يستقدمون‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬تحت‭ ‬مظلتهم‭ ‬القانونية‭ (‬الكفالة‭)‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬أرباب‭ ‬العمل‭ ‬الذين‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬عشرات‭ ‬الأفراد‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬السائبة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توفير‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬أمامهم‭ ‬نظرا‭ ‬إلى‭ ‬رخص‭ ‬قوة‭ ‬عملهم‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬حيث‭ ‬يضطر‭ ‬هؤلاء‭ ‬إلى‭ ‬بيع‭ ‬قوة‭ ‬عملهم‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬ثمن‭ ‬بخس،‭ ‬والسبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬أوضاعهم‭ ‬غير‭ ‬القانونية‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭.‬

تحمُّلُ‭ ‬جميع‭ ‬أطراف‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة،‭ ‬المسؤولية‭ ‬المشتركة‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يسهل‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬المعالجة‭ ‬التي‭ ‬تقودها‭ ‬هيئة‭ ‬تنظيم‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬الجهات‭ ‬الحكومية‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬بالوضع‭ ‬غير‭ ‬القانوني‭ ‬للعمالة‭ ‬السائبة،‭ ‬ولكن‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬وما‭ ‬حققته‭ ‬من‭ ‬نجاح،‭ ‬وهي‭ ‬نتيجة‭ ‬قابلة‭ ‬للتحقق‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المثالية‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بإمكانية‭ ‬تحقيق‭ ‬الاجتثاث‭ ‬الكامل‭ ‬لهذه‭ ‬الظاهرة،‭ ‬لأنها‭ ‬باختصار‭ ‬موجودة‭ ‬أينما‭ ‬وجدت‭ ‬عمالة‭ ‬وافدة‭ ‬وفي‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬تقريبا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا