العدد : ١٦٨٣٢ - الثلاثاء ٢٣ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٣٢ - الثلاثاء ٢٣ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ شوّال ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

وثقوها بمعنى كتِّفوها

أعتقد‭ ‬أن‭ ‬البريطانيين‭ ‬هم‭ ‬سادة‭ ‬الأفلام‭ ‬الوثائقية‭/ ‬التسجيلية،‭ ‬ولا‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬شخصاً‭ ‬يلمّ‭ ‬بأبجديات‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬لم‭ ‬يسمع‭ ‬ببرنامج‭ ‬بانوراما‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬تلفزيون‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سسي‭ ‬يقدمه‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬نحو‭ ‬65‭ ‬سنة،‭ ‬وعموماً‭ ‬فإن‭ ‬جميع‭ ‬أوجه‭ ‬حياتنا‭ ‬تم‭ ‬توثيقها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الخواجات‭ (‬الاستعماريين‭ ‬الكفار‭ ‬حطب‭ ‬النار‭) ‬سواء‭ ‬بالقلم‭ ‬أو‭ ‬بالكاميرا،‭ ‬ولكننا‭ ‬على‭ ‬أعتاب‭ ‬طفرة‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأفلام‭ ‬التسجيلية‭.‬

قبل‭ ‬نحو‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬قرأت‭ ‬شيئا‭ ‬عن‭ ‬مخرج‭ ‬مصري‭ ‬يعدّ‭ ‬العدة‭ ‬لإخراج‭ ‬فيلم‭ ‬عن‭ ‬سيرة‭ ‬ومسيرة‭ ‬روبي‭ ‬فصحت‭ ‬‮«‬يا‭ ‬خروبي‮»‬،‭ ‬وسألت‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يهب‭ ‬ذلك‭ ‬المخرج‭ ‬نعمة‭ ‬العقل‭ ‬فلا‭ ‬يقدم‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الحماقة،‭ ‬واستجاب‭ ‬الله‭ ‬لدعائي‭ ‬فلم‭ ‬أسمع‭ ‬بصدور‭ ‬ذلك‭ ‬الفيلم،‭ ‬ولو‭ ‬صدر‭ ‬لذبحتنا‭ ‬الصحف‭ ‬بتفاصيله‭ ‬ولوجدنا‭ ‬مقاطع‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬يوتيوب،‭ ‬ثم‭ ‬أراد‭ ‬الله‭ ‬بنا‭ ‬خيرا‭ ‬فلم‭ ‬نعد‭ ‬نسمع‭ ‬أو‭ ‬نرى‭ ‬روبي‭ ‬لأنها‭ ‬احترقت‭ ‬بل‭ ‬بالأحرى‭ ‬حرقت‭ ‬نفسها‭ ‬بالتركيز‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬الأرداف‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الحبال‭ ‬الصوتية‭.‬

ثم‭ ‬إذا‭ ‬بي‭ ‬أفاجأ‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬بأن‭ ‬مخرجا‭ ‬سينمائيا‭ ‬عربيا‭ ‬شهما‭ ‬يقرر‭ ‬نكاية‭ ‬بي‭ ‬إعداد‭ ‬فيلم‭ ‬وثائقي‭ ‬عن‭ ‬روبي،‭ ‬وطول‭ ‬الفيلم‭ ‬المرتقب‭ ‬90‭ ‬دقيقة،‭ ‬ولو‭ ‬جمعنا‭ ‬كافة‭ ‬أغنيات‭ ‬روبي‭ ‬في‭ ‬شريط‭ ‬واحد‭ ‬لما‭ ‬استغرقت‭ ‬90‭ ‬دقيقة‭! ‬مش‭ ‬مهم،‭ ‬بل‭ ‬المهم‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬منعطف‭ ‬خطير‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬وأحدثت‭ ‬تسونامي‭ ‬جعل‭ ‬‮«‬الشياب‮»‬‭ -‬بالياء‭- ‬مراهقين،‭ ‬ستكون‭ ‬متاحة‭ ‬لعشاقها‭ ‬الكُثر‭ ‬على‭ ‬شريط‭ ‬فيديو‭ ‬وأقراص‭ ‬دي‭ ‬في‭ ‬دي‭. ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬زوجتي‭ ‬تعتبر‭ ‬روبي‭ ‬من‭ ‬نواقض‭ ‬الوضوء‭ ‬وموجبات‭ ‬الغُسل،‭ ‬فإنني‭ ‬أناشد‭ ‬من‭ ‬يراسلونني‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت‭ ‬تزويدي‭ ‬بمشاهد‭ ‬من‭ ‬الفيلم‭ ‬المرتقب‭ ‬بالبريد‭ ‬الالكتروني،‭ ‬لأنه‭ ‬لو‭ ‬قفشتني‭ ‬أم‭ ‬الجعافر‭ ‬وأنا‭ ‬أشاهد‭ ‬روبي‭ ‬حتى‭ ‬وهي‭ ‬منقبة،‭ ‬فإنها‭ ‬ستخلعني‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬عام،‭ ‬ولن‭ ‬تقبل‭ ‬امرأة‭ ‬الزواج‭ ‬بشخص‭ ‬خليع،‭ ‬ومن‭ ‬تطلقه‭ ‬زوجته‭ ‬بسبب‭ ‬روبي‭ ‬يصبح‭ ‬خليعا‭ ‬بموجب‭ ‬الخلع‭ ‬وبموجب‭ ‬أن‭ ‬صور‭ ‬روبي‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬شلح‭ ‬وخلع‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬الرجعيون‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬زوجتي‭ ‬خلاعة‭. ‬

روبي‭ ‬هذه‭ ‬مازالت‭ ‬‮«‬شابة‮»‬‭ ‬حسب‭ ‬اعتقادها،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬إعداد‭ ‬فيلم‭ ‬عن‭ ‬سيرة‭ ‬حياتها،‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬فإنها‭ ‬من‭ ‬يقف‭ ‬وراء‭ ‬الفكرة‭ ‬بالمال،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬إذا‭ ‬بلغت‭ ‬الخامسة‭ ‬والخمسين‭ ‬فستنشئ‭ ‬قناة‭ ‬فضائية‭ ‬خاصة‭ ‬بها،‭ ‬تغني‭ ‬وتبرطع‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الساعة‭. ‬وأتذكر‭ ‬هنا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانوية‭ ‬وتطاولت‭ ‬على‭ ‬مدرس‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بأسلوب‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬وقاحة،‭ ‬وعاندت‭ ‬لأؤكد‭ ‬له‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬خطأ‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬لغوي‭ ‬فقال‭ ‬لي‭: ‬يا‭ ‬ابني‭ ‬أنا‭ ‬قضيت‭ ‬عمرك‭ ‬زكام‭! ‬وكانت‭ ‬صفعة‭ ‬بليغة‭ ‬علّمتني‭ ‬أن‭ ‬أحترم‭ ‬تجارب‭ ‬الآخرين‭. ‬وأستطيع‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬إنني‭ ‬لو‭ ‬جمعت‭ ‬المدة‭ ‬التي‭ ‬قضيتها‭ ‬سيراً‭ ‬على‭ ‬الأقدام‭ ‬لقلة‭ ‬الحيلة‭ ‬لكانت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭. ‬يعني‭ ‬قضيت‭ ‬ثلثي‭ ‬عمر‭ ‬روبي‭ ‬‮«‬مشي‮»‬،‭ ‬لطلب‭ ‬العلم‭ ‬أو‭ ‬لزيارة‭ ‬قريب‭ ‬أو‭ ‬عيادة‭ ‬مريض‭ ‬أو‭ ‬كسباً‭ ‬للرزق‭.‬

خلال‭ ‬عملي‭ ‬في‭ ‬التلفزيون‭ ‬السوداني‭ ‬كنت‭ ‬أذهب‭ ‬إلى‭ ‬عملي‭ ‬حاملاً‭ ‬قميصاً‭ ‬في‭ ‬كيس‭ ‬من‭ ‬ورق‭ (‬كانت‭ ‬أكياس‭ ‬البلاستيك‭ ‬حكراً‭ ‬على‭ ‬البرجوازيين‭)‬،‭ ‬لأنني‭ ‬كنت‭ ‬أستقل‭ ‬الباص‭ ‬من‭ ‬بيتي‭ ‬إلى‭ ‬العمل،‭ ‬وكانت‭ ‬المسافة‭ ‬من‭ ‬أقرب‭ ‬محطة‭ ‬باص‭ ‬إلى‭ ‬التلفزيون‭ ‬نحو‭ ‬ثلاثة‭ ‬كيلومترات،‭ ‬كنت‭ ‬أقطعها‭ ‬مشياً،‭ ‬ويكون‭ ‬جسمي‭ ‬خلالها‭ ‬قد‭ ‬ضخ‭ ‬العرق‭ ‬بكميات‭ ‬تجارية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬قميص‭ ‬احتياطي‭ ‬لأجلس‭ ‬أمام‭ ‬الكاميرا‭ ‬بهيئة‭ ‬لائقة‭. ‬ولو‭ ‬تابعتني‭ ‬الكاميرا‭ ‬خلال‭ ‬العشرين‭ ‬سنة‭ ‬التي‭ ‬قضيتها‭ ‬مشياً‭ ‬على‭ ‬الأقدام‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬معزة‭ ‬ضائعة‭ ‬أو‭ ‬هرباً‭ ‬من‭ ‬مجنون‭ ‬رماه‭ ‬صبية‭ ‬بالحجارة‭ ‬فطاردهم‭ ‬ووجدت‭ ‬نفسي‭ ‬مستهدفاً‭ ‬من‭ ‬جانبه‭ ‬فجريت‭ ‬طلباً‭ ‬للنجاة،‭ ‬أو‭ ‬جرياً‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الجيران‭ ‬لأن‭ ‬عقرباً‭ ‬لدغت‭ ‬أمي،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الليمون‭. ‬لو‭ ‬تابعتني‭ ‬الكاميرا‭ ‬وأنا‭ ‬أفعل‭ ‬تلك‭ ‬الأشياء‭ ‬لخرجت‭ ‬بفيلم‭ ‬يستحق‭ ‬العرض‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬كان،‭ ‬ولكنّ‭ ‬الكاميرا‭ ‬غير‭ ‬معنية‭ ‬بشخص‭ ‬مثلي‭ ‬ملامحه‭ ‬بائسة‭ ‬ويرتدي‭ ‬ملابس‭ ‬تغطي‭ ‬جسمه‭ ‬من‭ ‬العنق‭ ‬حتى‭ ‬القدم‭. ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬فقدت‭ ‬عقلي‭ ‬وعرضت‭ ‬على‭ ‬مخرج‭ ‬أن‭ ‬أكشف‭ ‬لحمي‭ ‬أمام‭ ‬الكاميرا‭ ‬فلن‭ ‬يجد‭ ‬الفيلم‭ ‬من‭ ‬يشتريه‭ ‬لأن‭ ‬‮«‬لحم‭ ‬على‭ ‬لحم‭ ‬يفرق‮»‬‭. ‬وجماهير‭ ‬العولمة‭ ‬تريد‭ ‬اللحم‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭.‬

بصراحة‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يوثق‭ ‬روبي‭ ‬أي‭ ‬‮«‬يكتَّفها‮»‬‭.‬

 

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا