العدد : ١٦٨٢٨ - الجمعة ١٩ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٠ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٢٨ - الجمعة ١٩ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٠ شوّال ١٤٤٥هـ

الثقافي

شغف مختلف

بقلم: الدكتور عبّاس القصّاب

السبت ٢٥ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

شغف مختلف

‭  ‬

للفن‭ ‬المسرحي‭ ‬طعم‭ ‬منفرد‭ ‬لا‭ ‬يضاهيه‭ ‬فن‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬تجلياته‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬تحفر‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬الإنسانية؛‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬حقيقتها‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الفعل‭ ‬والسكون،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الثنائية‭ ‬الأبدية‭ ‬المتصارعة‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬الروح‭ ‬والجسد‭ ‬وتعبيراتهما‭ ‬التي‭ ‬تجسد‭ ‬قضايا‭ ‬الإنسانية‭ ‬الكبرى‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬صغيرة‭ ‬نسبيا،‭ ‬ولكنها‭ ‬تحتضن‭ ‬ألم‭ ‬هذا‭ ‬الكائن‭ ‬القلق‭ ‬وأمله،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تنادى‭ ‬المفكرون‭ ‬والفلاسفة‭ ‬في‭ ‬دعوتهم‭ ‬إلى‭ ‬مسرح‭ ‬وخبز‭ ‬لإنتاج‭ ‬حياة‭ ‬مطمئنة‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬مضطرب‭ ‬مخيف‭.‬

في‭ ‬السابع‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬مارس‭ ‬يحتفل‭ ‬بيوم‭ ‬المسرح‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الدول،‭ ‬حيث‭ ‬تقدم‭ ‬العروض‭ ‬المسرحيّة‭ ‬والندوات‭ ‬التخصصية‭ ‬في‭ ‬المسرح،‭ ‬وكل‭ ‬قطر‭ ‬أو‭ ‬هيئة‭ ‬مسرحيّة‭ ‬أو‭ ‬فنية‭ ‬تحتفل‭ ‬وفق‭ ‬أجندتها‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تبرز‭ ‬أدوارها‭ ‬وتحتفي‭ ‬بفنانيها‭ ‬وخصوصا‭ ‬روادها‭ ‬وأعمالها‭ ‬المسرحيّة،‭ ‬وهي‭ ‬فرصة‭ ‬مواتية‭ ‬حقا‭ ‬لتكريم‭ ‬المسرحيّين‭ ‬الذين‭ ‬بذلوا‭ ‬كثيرا‭ ‬وضحوا‭ ‬ببسالة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تطوير‭ ‬الفن‭ ‬المسرحي‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك،‭ ‬وكما‭ ‬عرف‭ ‬عن‭ ‬عمالقة‭ ‬المسرح‭ ‬الأفذاذ‭ ‬بذوبانهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مقابل‭ ‬مادي‭ ‬يساوي‭ ‬الجهد‭ ‬الإبداعي‭ ‬المبذول‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تقديم‭ ‬تلك‭ ‬الاشتغالات‭ ‬الفنية‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح‭ ‬للمتلقين،‭ ‬حيث‭ ‬تتفتق‭ ‬مواهبهم،‭ ‬وتتعملق‭ ‬أفكارهم،‭ ‬وتتضخم‭ ‬إبداعاتهم،‭ ‬كل‭ ‬في‭ ‬تخصصه‭ ‬ومكان‭ ‬إبداعه‭.‬

هنا‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬برز‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬أساتذتنا‭ ‬الفنانين‭ ‬المسرحيّين‭ ‬الكبار‭ ‬من‭ ‬الرعيل‭ ‬الأول‭ ‬حتى‭ ‬اليوم،‭ ‬ولا‭ ‬أود‭ ‬تعداد‭ ‬أسماء‭ ‬النجوم‭ ‬المتألقة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يسقط‭ ‬اسم‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الأسماء‭ ‬اللامعة،‭ ‬إلا‭ ‬أني‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬أتخطى‭ ‬الفنان‭ ‬الكبير‭ ‬المرحوم‭ ‬إبراهيم‭ ‬بحر‭ ‬المعلم‭ ‬والأستاذ‭ ‬الشغوف‭ ‬بالمسرح‭ ‬مؤلفا‭ ‬وممثلا‭ ‬ومخرجا‭ ‬وإداريا‭ ‬وناقدا‭ ‬ومتلقيا،‭ ‬وكذلك‭ ‬الأخ‭ ‬والصديق‭ ‬العزيز‭ ‬كاهن‭ ‬المسرح‭ ‬العربي‭ ‬والبحريني‭ ‬الفنان‭ ‬الكبير‭ ‬الأستاذ‭ ‬عبدالله‭ ‬السعداوي‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬أنموذجا‭ ‬للمسرحيين‭ ‬العظماء،‭ ‬وما‭ ‬يميز‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬حقا‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬مواربة‭ ‬الفكر‭ ‬المتمرد‭ ‬الذي‭ ‬يتجاوز‭ ‬مفهوم‭ ‬التجريب،‭ ‬فهو‭ ‬موسوعة‭ ‬مسرحية‭ ‬متنقلة،‭ ‬يمتلك‭ ‬من‭ ‬الثقافة‭ ‬المسرحيّة‭ ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬مشدوهين‭ ‬بتلك‭ ‬القراءات‭ ‬المعمقة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬سبر‭ ‬عمق‭ ‬الفكر‭ ‬المسرحي،‭  ‬ولا‭ ‬يكتفي‭ ‬بالتنظير‭ ‬والهدرة‭ ‬الفارغة‭ ‬الممجوجة‭ ‬والمتكررة،‭ ‬بل‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬التطبيق‭ ‬والاشتغال‭ ‬الفعلي‭ ‬إن‭ ‬حانت‭ ‬له‭ ‬الفرصة،‭ ‬ولذلك‭ ‬لا‭ ‬تراه‭ ‬مترددا‭ ‬في‭ ‬المشاركة‭ ‬كممثل‭ ‬بأي‭ ‬دور‭ ‬مقنع،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬الإخراج‭ ‬والتأليف،‭ ‬ولا‭ ‬نستغرب‭ ‬إن‭ ‬رأيناه‭ ‬يقدم‭ ‬عرضا‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬أو‭ ‬المجمع‭ ‬التجاري‭ ‬أو‭ ‬البيت‭ ‬القديم،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬خشبة‭ ‬مادام‭ ‬يحمل‭ ‬صليبه‭ ‬المسرحي‭ ‬على‭ ‬ظهره،‭ ‬وإن‭ ‬شعر‭ ‬بغربة‭ ‬الحلاج‭ ‬ومأساة‭ ‬تشيخوف‭.‬

في‭ ‬رحلته‭ ‬المسرحيّة‭ ‬الممتدة‭ ‬عقودا‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬لم‭ ‬يدخر‭ ‬السعداوي‭ ‬جهدا‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬الفكر‭ ‬المسرحي،‭ ‬وليس‭ ‬العمل‭ ‬المسرحي‭ ‬فحسب،‭ ‬وذلك‭ ‬منذ‭ ‬انطلاقاته‭ ‬مع‭ ‬فرقة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬المحرق،‭ ‬وبعدها‭ ‬فرقة‭ ‬مسرح‭ ‬مدينة‭ ‬عيسى‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬مختبر‭ ‬مسرحي‭ ‬تختلج‭ ‬فيه‭ ‬الفِكر‭ ‬والمشاريع‭ ‬الفنية‭ ‬الإبداعية،‭ ‬ليستقر‭ ‬أخيرا‭ ‬مع‭ ‬رفاق‭ ‬دربه‭ ‬في‭ ‬مسرح‭ ‬الصواري‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬شعلة‭ ‬التجريب‭ ‬والتحديث‭ ‬المسرحيّ،‭ ‬بل‭ ‬وذهب‭ ‬شغفه‭ ‬المسرحي‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬الحدود‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬قطر‭ ‬والإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬ليؤسس‭ ‬الفرق‭ ‬المسرحيّة،‭ ‬ويشعلها‭ ‬من‭ ‬وهج‭ ‬عشقه‭ ‬لفاتنته‭ ‬الخشبة‭ ‬المسرحيّة‭ ‬وفضاءاتها‭.‬

استطاع‭ ‬هذا‭ ‬النهِم‭ ‬في‭ ‬القراءة‭ ‬والمطالعة‭ ‬أن‭ ‬يشارك‭ ‬في‭ ‬ترسيخ‭ ‬التجريب‭ ‬المسرحي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كتابه‭ ‬الذي‭ ‬صدرت‭ ‬منه‭ ‬طبعتان‭ (‬المسرح‭: ‬القلب‭ ‬المشترك‭ ‬للإنسانية‭)‬،‭ ‬ومجموعته‭ ‬المسرحية‭ (‬جرينمو‭) ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬النور‭ ‬بعد،‭ ‬وتقديم‭ ‬عشرات‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬المسرحيّة‭ ‬مخرجا‭ ‬ومؤلفا‭ ‬وممثلا،‭ ‬واستطاع‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬له‭ ‬موطئ‭ ‬قدم‭ ‬راسخة‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬العربي‭ ‬بفوزه‭ ‬بأفضل‭ ‬إخراج‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬دورات‭ ‬مهرجان‭ ‬القاهرة‭ ‬الدولي‭ ‬للمسرح‭ ‬التجريبي،‭ ‬وما‭ ‬إن‭ ‬نلتقي‭ ‬بأي‭ ‬فنان‭ ‬أو‭ ‬باحث‭ ‬مسرحي‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬قطر‭ ‬عربي‭ ‬إلا‭ ‬ويسأل‭ ‬عن‭ ‬المعلم‭ ‬السعداوي‭ ‬الذي‭ ‬يستحق‭ ‬كل‭ ‬التكريم‭ ‬والاحتفاء‭ ‬به،‭ ‬وكل‭ ‬أملي‭ ‬أن‭ ‬أقدم‭ ‬دراسة‭ ‬بحثية‭ ‬عن‭ ‬السعداوي‭ ‬المفكر‭ ‬والفنان‭ ‬المسرحي‭ ‬الذي‭ ‬خرّج‭ ‬جيلا‭ ‬من‭ ‬الفنانين‭ ‬المتميزين‭ ‬الذين‭ ‬انفتحت‭ ‬لهم‭ ‬الآفاق‭ ‬الفنية‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬السعداوي‭ ‬التجريبية،‭ ‬إذ‭ ‬إنه‭ ‬ذو‭ ‬إيمان‭ ‬راسخ‭ ‬بأهمية‭ ‬الروح‭ ‬الشبابية‭ ‬التي‭ ‬يتوخى‭ ‬منها‭ ‬حمل‭ ‬راية‭ ‬التجريب‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬ومتغيرات‭ ‬العصر،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬حوار‭ ‬معه‭ ‬بمعية‭ ‬الصديق‭ ‬الفنان‭ ‬خالد‭ ‬الرويعي‭ ‬كان‭ ‬متحمسا‭ ‬جدا‭ ‬للرؤية‭ ‬الشبابية‭ ‬في‭ ‬الاستقلال‭ ‬الفني‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬مرجعية‭ ‬فنية‭ ‬أو‭ ‬تيار‭ ‬أدبي،‭ ‬لأنهم‭ -‬حسب‭ ‬رأيه‭- ‬خليقون‭ ‬بتأسيس‭ ‬تجربتهم‭ ‬الشبابية‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬والتحولات‭ ‬الفكرية‭ ‬اليوم،‭ ‬فهم‭ ‬ليسوا‭ ‬ملزمين‭ ‬بأي‭ ‬إرث‭ ‬ثقافي‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭ ‬الإبداعية‭ ‬والأجناس‭ ‬الأدبية‭.‬

نتطلع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬اليوم‭ ‬العالمي‭ ‬للمسرح‭ ‬فرصة‭ ‬متجددة‭ ‬لانطلاقات‭ ‬فنية‭ ‬تناقش‭ ‬فيه‭ ‬قضايا‭ ‬المسرح‭ ‬وسبل‭ ‬تطويره،‭ ‬ويحتفل‭ ‬فيه‭ ‬بقامات‭ ‬المسرح‭ ‬ورموزه‭ ‬الأحياء‭ ‬قبل‭ ‬الأموات،‭ ‬وأن‭ ‬يقدم‭ ‬أبو‭ ‬الفنون‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬والمتلقين‭ ‬كأدب‭ ‬وممارسة‭ ‬فنية‭ ‬راقية‭ ‬تفيض‭ ‬بالأسئلة‭ ‬والإشكالات‭ ‬التي‭ ‬تُعمِل‭ ‬الفكر‭ ‬وتشعل‭ ‬الوجدان‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا