العدد : ١٦٨٢٩ - السبت ٢٠ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٢٩ - السبت ٢٠ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ شوّال ١٤٤٥هـ

الاسلامي

محبة الله لنا

الجمعة ٢٤ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬عاطف‭ ‬الصبيحي

كثيرا‭ ‬ما‭ ‬يستوقفني‭ ‬التقديم‭ ‬والتأخير‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬الله‭ ‬العزيز،‭ ‬وهو‭ ‬أسلوب‭ ‬مُتبع‭ ‬في‭ ‬كلام‭ ‬الله،‭ ‬وله‭ ‬دوافعه‭ ‬كما‭ ‬له‭ ‬دلالاته‭ ‬التي‭ ‬يُطلب‭ ‬منا‭ ‬التقاطها،‭ ‬والوقوف‭ ‬عندها،‭ ‬فخلق‭ ‬الكون‭ ‬كله‭ ‬آية‭ ‬من‭ ‬آيات‭ ‬عناية‭ ‬الله‭ ‬بالناس،‭ ‬فتسخيره‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬لخدمة‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الأرض،‭ ‬لخير‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬هذا‭ ‬المخلوق‭ ‬عند‭ ‬خالقه،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الآيات‭ ‬التي‭ ‬تفصل‭ ‬في‭ ‬التسخير‭ ‬الرباني‭ ‬من‭ ‬الخلائق‭ ‬العظيمة‭ ‬لتسهل‭ ‬حياة‭ ‬الناس،‭ ‬ونحن‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬القليلة‭ ‬لسنا‭ ‬بصدد‭ ‬استعراض‭ ‬الشواهد‭ ‬التسخيرية‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬للناس،‭ ‬ودلالة‭ ‬ذلك،‭ ‬وانعكاس‭ ‬ذلك،‭ ‬وأهمية‭ ‬ذلك،‭ ‬إنما‭ ‬سنذهب‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬يستحق‭ ‬الوقوف‭ ‬فيما‭ ‬أرى‭.‬

أمام‭ ‬هذا‭ ‬التسخير‭ ‬الهائل‭ ‬للكون‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خدمة‭ ‬وتسهيل‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬وهو‭ ‬ابتداء‭ ‬الحب‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬للإنسان،‭ ‬فالله‭ ‬سبحانه‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬محكم‭ ‬التنزيل‭ (‬فسوف‭ ‬يأتي‭ ‬الله‭ ‬بقوم‭ ‬يحبهم‭ ‬ويحبونه‭) ‬فأمام‭ ‬هذه‭ ‬النِعم‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها‭ ‬يُفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حبنا‭ ‬لله‭ ‬سابق‭ ‬في‭ ‬الترتيب‭ ‬حسب‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة،‭ ‬لأنه‭ ‬أحطنا‭ ‬بما‭ ‬يعجز‭ ‬اللسان‭ ‬والجنان‭ ‬عن‭ ‬تعداده‭ ‬من‭ ‬النِعم،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬قدّم‭ ‬محبته‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬النص‭ ‬على‭ ‬حبنا‭ ‬له‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬وهو‭ ‬المستحِق‭ ‬للحب‭ ‬بجدارة‭ ‬مُطلقة‭.‬

وعند‭ ‬تفحص‭ ‬الأمر‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الكتاب‭ ‬المنشور،‭ ‬كتاب‭ ‬الكون‭ ‬كله‭ ‬ناطق‭ ‬بصمت‭ ‬بمحبة‭ ‬الله‭ ‬لنا،‭ ‬كمخلوقات‭ ‬مُكرمة‭ ‬عند‭ ‬الله،‭ ‬فلا‭ ‬غرو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬التقديم‭ ‬لمحبة‭ ‬الله‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬المسطور‭ ‬وهو‭ ‬القرآن‭ ‬العظيم،‭ ‬فكلا‭ ‬الكتابين‭ ‬يعلنان‭ ‬مدى‭ ‬محبة‭ ‬الله‭ ‬لنا،‭ ‬ومدى‭ ‬سِعة‭ ‬الرحمة‭ ‬الربانية‭ ‬بنا‭ ‬كبشر‭ ‬وغير‭ ‬بشر،‭ ‬فرحمته‭ ‬وسعت‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬والسماء،‭ ‬والشذوذ‭ ‬إنما‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬حصراً،‭ ‬والوبال‭ ‬صناعة‭ ‬بشرية‭ ‬بامتياز‭.‬

والنص‭ ‬الكامل‭ ‬لقول‭ ‬الله‭ ‬المراد‭ ‬منه‭ ‬المقال‭ ‬هو‭ (‬يا‭ ‬أيها‭ ‬الذين‭ ‬آمنوا‭ ‬من‭ ‬يرتد‭ ‬منكم‭ ‬عن‭ ‬دينه،‭ ‬فسوف‭ ‬يأتي‭ ‬الله‭ ‬بقوم‭ ‬يحبهم‭ ‬ويحبونه،‭ ‬أذلة‭ ‬على‭ ‬المؤمنين،‭ ‬أعزة‭ ‬على‭ ‬الكافرين،‭ ‬يجاهدون‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله،‭ ‬ولا‭ ‬يخافون‭ ‬لومة‭ ‬لائم،‭ ‬ذلك‭ ‬فضل‭ ‬الله‭ ‬يؤتيه‭ ‬من‭ ‬يشاء‭ ‬والله‭ ‬واسع‭ ‬عليم‭) ‬54‭ ‬المائدة،‭ ‬فربنا‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬ومن‭ ‬باب‭ ‬ربوبيته‭ ‬الكريمة‭ ‬أمر‭ ‬بتسخير‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬ليحيا‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬حياة‭ ‬طيبة،‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬التسخير‭ ‬مادة‭ ‬التفكر‭ ‬بهذا‭ ‬الرب‭ ‬الكريم‭ ‬كإله،‭ ‬فنقبل‭ ‬عليه‭ ‬طائعين‭ ‬مختارين‭ ‬معترفين‭ ‬بألوهيته،‭ ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لنا‭ ‬أدنى‭ ‬خيار‭ ‬بربوبيته،‭ ‬فهو‭ ‬رب‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وربنا‭ ‬شئنا‭ ‬أم‭ ‬أبينا،‭ ‬والقسم‭ ‬الشائع‭ ‬عند‭ ‬العرب‭ ‬قبل‭ ‬الرسالة‭ ‬هو‮«‬‭ ‬ورب‭ ‬الكعبة‮»‬‭ ‬فهو‭ ‬بمثابة‭ ‬الاعتراف‭ ‬القهري‭ ‬بالربوبية،‭ ‬إنما‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالألوهية‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالربوبية‭ ‬ما‭ ‬أرادها‭ ‬الله‭ ‬إلا‭ ‬عن‭ ‬رضا‭ ‬ومحبة،‭ ‬ولعل‭ ‬هذه‭ ‬نقطة‭ ‬الخلاف‭ ‬الأساسية‭ ‬بين‭ ‬الرسول‭ ‬الكريم‭ ‬وزعامة‭ ‬القوم‭ ‬في‭ ‬مكة،‭ ‬إنه‭ ‬دعاهم‭ ‬إلى‭ ‬عبادة‭ ‬الله‭ ‬طوعاً‭ ‬وليس‭ ‬كرهاً،‭ ‬فهم‭ ‬اتفقوا‭ ‬على‭ ‬ربوبية‭ ‬الله،‭ ‬واختلفوا‭ ‬على‭ ‬ألوهيته،‭ ‬لذا‭ ‬جاء‭ ‬نص‭ ‬الآية‭ ‬بما‭ ‬يُشير‭ ‬لهذا‭ ‬المعنى‭ (‬يا‭ ‬أيها‭ ‬الذين‭ ‬آمنوا‭) .‬

ومن‭ ‬مظاهر‭ ‬محبة‭ ‬الله‭ ‬للناس‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يلهمهم‭ ‬التوبة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬العصيان‭ ‬والمعصية،‭ ‬وهنا‭ ‬تقديم‭ ‬للفعل‭ ‬الإلهي‭ ‬على‭ ‬الفعل‭ ‬البشري‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬تحصيل‭ ‬حاصل‭ ‬للتوفيق‭ ‬الإلهي‭ ‬له‭ (‬ثم‭ ‬تاب‭ ‬عليهم‭ ‬ليتوبوا‭) ‬وما‭ ‬التسخير‭ ‬والتهيئة‭ ‬للتوبة‭ ‬إلا‭ ‬علامة‭ ‬حب‭ ‬الله‭ ‬للناس،‭ ‬والرضا‭ ‬كذلك‭ ‬يأتي‭ ‬ابتداءً‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬ثم‭ ‬يعقبه‭ ‬رضا‭ ‬المؤمنين‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهم‭ ‬ورضوا‭ ‬عنه‭..)‬،‭ ‬فترى‭ ‬الرفق‭ ‬منه‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬يحيط‭ ‬بالناس‭ ‬وبالمؤمنين‭ ‬إحاطة‭ ‬السوار‭ ‬بالمعصم،‭ ‬وذلك‭ ‬فضل‭ ‬يليق‭ ‬به‭ ‬رب‭ ‬الناس‭ ‬وإله‭ ‬الناس‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا