العدد : ١٦٨٠٦ - الخميس ٢٨ مارس ٢٠٢٤ م، الموافق ١٨ رمضان ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٠٦ - الخميس ٢٨ مارس ٢٠٢٤ م، الموافق ١٨ رمضان ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

سأتوكل وأقولها

لو‭ ‬كنت‭ ‬امرأة‭ (‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬الثلاث‭ ‬ستجعل‭ ‬50‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬القراء‭ ‬الذكور‭ ‬يستعيذون‭ ‬بالله‭ ‬ويشككون‭ ‬في‭ ‬قواي‭ ‬العقلية‭)‬،‭ ‬ولكن‭ ‬صبرا‭ ‬لأنني‭ ‬سأقول‭ ‬كلاماً‭ ‬سيغضب‭ ‬80‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬القارئات‭: ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬سأسعد‭ ‬بأن‭ ‬أكون‭ ‬امرأة‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬عربي،‭ ‬حيث‭ ‬ينظر‭ ‬الناس‭ ‬إليّ‭ ‬وكأن‭ ‬مجرد‭ ‬وجودي‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬الأرض‭ ‬كارثة‭ ‬وعار،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬غربي‭ ‬حيث‭ ‬صارت‭ ‬النساء‭ ‬سلعة‭ ‬برغم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬التي‭ ‬انتزعنها‭ ‬من‭ ‬الرجال،‭ ‬وليزداد‭ ‬غضب‭ ‬تلك‭ ‬الشريحة‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬مني،‭ ‬أقول‭ ‬إنه‭ ‬لو‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬قدر‭ ‬الله‭ - ‬وكنت‭ ‬امرأة‭ ‬‭ ‬بنفس‭ ‬طريقة‭ ‬تفكيري‭ ‬الحالية‭ ‬‭ ‬فإنني‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬سأبحث‭ ‬عن‭ ‬عمل‭ ‬يبعدني‭ ‬عن‭ ‬البيت‭ ‬و«العيال‮»‬،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬مستوى‭ ‬المعيشة‭ ‬اللائق‭ ‬مكفولا‭ ‬لي‭.‬

نساء‭ ‬كثيرات‭ ‬يجدن‭ ‬سعادة‭ ‬في‭ ‬رعاية‭ ‬عيالهن،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سعادتهن‭ ‬بوظائف‭ ‬تدر‭ ‬عليهن‭ ‬مبالغ‭ ‬مالية‭ ‬إضافية،‭ ‬ولكن‭ ‬دعكم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬واسمحوا‭ ‬لي‭ ‬بتفجير‭ ‬‮«‬قنبلة‮»‬‭ ‬أخرى‭: ‬لو‭ ‬كنت‭ ‬متزوجاً‭ ‬بامرأة‭ ‬غنية‭ ‬وتنفق‭ ‬على‭ ‬البيت‭ ‬دون‭ ‬مَنّ‭ ‬أو‭ ‬أذى‭ ‬لما‭ ‬عملت‭ ‬أجيرا‭ ‬عند‭ ‬أحد،‭ ‬لا‭ ‬أقصد‭ ‬أنني‭ ‬سأجلس‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬‮«‬تنبلا‮»‬‭ ‬أو‭ ‬طرطورا‭ ‬ولكن‭ ‬أقصد‭ ‬سأفضل‭ ‬العمل‭ ‬لدى‭ ‬زوجتي،‭ ‬أساعدها‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬شؤون‭ ‬البيت‭ ‬‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬غسل‭ ‬أواني‭ ‬المطبخ‭ - ‬وإدارة‭ ‬شؤون‭ ‬ثروتها‭ (‬دون‭ ‬مطالبتها‭ ‬بمنحي‭ ‬توكيلا‭ ‬يخول‭ ‬لي‭ ‬التصرف‭ ‬في‭ ‬ممتلكاتها‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬من‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬الزواج‭ ‬بنساء‭ ‬غنيات‭ ‬طمعا‭ ‬فيما‭ ‬لديهن‭ ‬من‭ ‬مال‭)‬،‭ ‬فمنذ‭ ‬أن‭ ‬دخلت‭ ‬الحياة‭ ‬العملية‭ ‬وأنا‭ ‬خاضع‭ ‬لنظم‭ ‬وسياسات‭ ‬سخيفة‭ ‬وضعها‭ ‬آخرون‭ ‬وياما‭ ‬تعرضت‭ ‬للمساءلة‭ ‬والبهدلة‭ ‬لأنني‭ ‬‮«‬خرجت‭ ‬على‭ ‬اللوائح‭ ‬وخالفت‭ ‬نظام‭ ‬العمل‮»‬‭. ‬وأعترف‭ ‬بأن‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬آخر‭ ‬ممل،‭ ‬ولكن‭ ‬التواجد‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬العمل‭ ‬سنة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى‭ ‬أكثر‭ ‬مجلبة‭ ‬للملل‭ ‬والمرض،‭ ‬وبالمناسبة‭ ‬فإنني‭ ‬لست‭ ‬كسولاً‭ (‬وأنا‭ ‬سوداني‭) ‬بل‭ ‬لا‭ ‬أطيق‭ ‬الجلوس‭ ‬أو‭ ‬الرقاد‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أشغل‭ ‬نفسي‭ ‬بشيء‭ ‬مفيد‭ ‬مالياً‭ ‬أو‭ ‬نفسياً‭ ‬أو‭ ‬اجتماعيا،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬أتعامل‭ ‬مع‭ ‬السرير‭ ‬مطلقا‭ ‬خلال‭ ‬ساعات‭ ‬النهار،‭ ‬ولكنني‭ ‬بالتأكيد‭ ‬أفضل‭ ‬البيت‭ ‬على‭ ‬مكان‭ ‬العمل،‭ ‬وقد‭ ‬صرت‭ ‬ومنذ‭ ‬أن‭ ‬رزقني‭ ‬الله‭ ‬بطفل‭ ‬ثم‭ ‬ثان‭ ‬وثالث‭ ‬ورابع‭ ‬أحس‭ ‬بالذنب‭ ‬لأنني‭ ‬لم‭ ‬أعطهم‭ ‬ما‭ ‬يستحقونه‭ ‬من‭ ‬وقتي،‭ ‬وظل‭ ‬ذلك‭ ‬الإحساس‭ ‬يؤرقني‭ ‬رغم‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أمضي‭ ‬دقيقة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬مقهى‭ ‬أو‭ ‬مكان‭ ‬عام‭ ‬طلباً‭ ‬للترفيه،‭ ‬بل‭ ‬أقضي‭ ‬كل‭ ‬أوقات‭ ‬فراغي‭ ‬في‭ ‬البيت،‭ ‬وكنت‭ ‬أشرف‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬عيالي‭ ‬الأكاديمي‭ ‬وأساعدهم‭ ‬على‭ ‬التحصيل‭ ‬والدراسة‭ (‬في‭ ‬كل‭ ‬المواد‭ ‬عدا‭ ‬الرياضيات‭ ‬والفيزياء‭ ‬والكيمياء‭ ‬فمعرفتي‭ ‬بهذه‭ ‬العلوم‭ ‬ليس‭ ‬بأفضل‭ ‬من‭ ‬معرفة‭ ‬راقصة‭ ‬شرقية‭ ‬بنواقض‭ ‬الوضوء‭)‬،‭ ‬وكنت‭ ‬ألعب‭ ‬مع‭ ‬عيالي‭ ‬على‭ ‬الأجهزة‭ ‬الالكترونية‭ ‬ويرغمني‭ ‬أصغر‭ ‬عيالي‭ ‬على‭ ‬لعب‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬معه‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬قدراتي‭ ‬فيها‭ ‬أضعف‭ ‬من‭ ‬قدراتي‭ ‬في‭ ‬الرياضيات‭ ‬والفيزياء‭.‬

أعرف‭ ‬نساء‭ ‬متزوجات‭ ‬برجال‭ ‬ميسوري‭ ‬الحال‭ ‬يعملن‭ ‬في‭ ‬وظائف‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬عائدها‭ ‬حتى‭ ‬لتغطية‭ ‬نفقات‭ ‬المواصلات‭ ‬ووجبة‭ ‬الإفطار،‭ ‬يعني‭ ‬وظائف‭ ‬عديمة‭ ‬الجدوى،‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬تكره‭ ‬‮«‬الحبس‭ ‬في‭ ‬البيت‮»‬‭ ‬فتجد‭ ‬الواحدة‭ ‬منهن‭ ‬تترك‭ ‬عيالها‭ ‬مع‭ ‬جدتهن‭ ‬أو‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬دادة‭ ‬بينما‭ ‬هي‭ ‬طالعة‭ ‬ونازلة‭ ‬على‭ ‬الفاضي‭ ‬أحيانا‭ ‬ولضرورة‭ ‬إثبات‭ ‬الذات‭ ‬والوجود‭ ‬والاستقلال‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬أخرى،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬أقدره‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬عائد‭ ‬العمل‭ ‬هزيلا،‭ ‬ولكن‭ ‬اعلمي‭ ‬سيدتي‭ ‬أن‭ ‬أولادك‭ ‬أولى‭ ‬بوقتك‭ ‬من‭ ‬وظيفة‭ ‬‮«‬تعبانة‮»‬،‭ ‬فلا‭ ‬تضيعي‭ ‬على‭ ‬نفسك‭ ‬فرصة‭ ‬مراقبة‭ ‬عيالك‭ ‬وهم‭ ‬ينمون‭.‬

وسأختم‭ ‬حديثي‭ ‬هذا‭ ‬بكلام‭ ‬سيجعلني‭ ‬أسقط‭ ‬من‭ ‬نظر‭ ‬نحو‭ ‬70‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬الرجال‭: ‬في‭ ‬كل‭ ‬المرات‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬فيها‭ ‬زوجتي‭ ‬المستشفى‭ ‬للولادة‭ ‬أخذت‭ ‬‮«‬إجازة‭ ‬وضع‮»‬‭ ‬لنحو‭ ‬شهر‭ ‬كي‭ ‬أكون‭ ‬معها‭ ‬خلال‭ ‬الشهر‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬طفلنا،‭ ‬لأقاسمها‭ ‬مناوبات‭ ‬السهر‭ ‬والنوم‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تنهار‭ ‬بعد‭ ‬معاناة‭ ‬تسعة‭ ‬أشهر‭ ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬خلالها‭ ‬متعة‭ ‬النوم‭ ‬على‭ ‬البطن‭ ‬أو‭ ‬الظهر،‭ ‬لأن‭ ‬السنوات‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬أي‭ ‬طفل‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الحمل‭ ‬خارج‭ ‬الرحم‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا