العدد : ١٦٨٢٧ - الخميس ١٨ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٩ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٢٧ - الخميس ١٨ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٩ شوّال ١٤٤٥هـ

الثقافي

مقعد فارغ

الأحد ١٢ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

أسحبُ‭ ‬الهواء‭ ‬إلى‭ ‬صدري،‭ ‬فيسحبُ‭ ‬إليّ‭ ‬الرصيف،‭ ‬الماء‭ ‬والأشجار‭ ‬والذاكرة‭.‬

أحبك‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬دون‭ ‬رأفةٍ‭ ‬بنفسي‭. ‬الآن‭ ‬وقد‭ ‬تعبتُ،‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أجلس‭ ‬مع‭ ‬نفسي‭ ‬إلى‭ ‬الطاولة،‭ ‬أن‭ ‬أضع‭ ‬أمامي‭ ‬آخر‭ ‬نفسٍ‭ ‬من‭ ‬سيجارتك،‭ ‬فُتات‭ ‬الكلام‭ ‬الذي‭ ‬بيننا،‭ ‬ذاكرة‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تحدث،‭ ‬النظرة‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬تشيعني‭ ‬بها‭ ‬قبل‭ ‬ذهابك‭.‬

أريد‭ ‬أن‭ ‬أفرغ‭ ‬روحي‭ ‬من‭ ‬أحمالها،‭ ‬أن‭ ‬أخرج‭ ‬منها‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬قبل‭ ‬قليل‭: ‬الشارع،‭ ‬المارة،‭ ‬الأشجار،‭ ‬الرصيف،‭ ‬الذاكرة‭.‬

أريد‭ ‬أن‭ ‬أجلس‭ ‬إلى‭ ‬نفسي،‭ ‬أن‭ ‬أراقب‭ ‬الغيمة‭ ‬الغافية‭ ‬على‭ ‬كوب‭ ‬القهوة،‭ ‬اشتباك‭ ‬الأشواك‭ ‬مع‭ ‬الملاعق،‭ ‬مريلة‭ ‬النادلة‭ ‬البيضاء‭.‬

أريد‭ ‬أن‭ ‬أنتزعك‭ ‬من‭ ‬قلبي‭ ‬وعيني‭ ‬وروحي‭ ‬أيضاً،‭ ‬وأجلسكَ‭ ‬على‭ ‬المقعد‭ ‬المقابل‭.‬

تجلسُ‭ ‬على‭ ‬المقعد‭ ‬المقابل‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يذكرني‭ ‬وجهك‭ ‬بالأشجار،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تصدح‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬أغنية‭ ‬ودون‭ ‬ارتباكٍ‭ ‬في‭ ‬الحواس‭.‬

أمدُ‭ ‬يدي‭ ‬نحو‭ ‬الفراغ،‭ ‬نحو‭ ‬مقعدكَ‭ ‬الفارغ‭ ‬أمامي

لقد‭ ‬أحببتكَ‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬ينبغي‭.‬

أحببتك‭ ‬حتى‭ ‬صرت‭ ‬أرى‭ ‬وجهك‭ ‬في‭ ‬الشوارع،‭ ‬في‭ ‬الغيم،‭ ‬في‭ ‬وجوه‭ ‬كل‭ ‬الذين‭ ‬أحبهم‭.‬

أريد‭ ‬أن‭ ‬ألوح‭ ‬لوجهك‭ ‬المُتخيَّل‭ ‬بيديَّ‭ ‬العاريتين،‭ ‬يديَّ‭ ‬المزرقة‭ ‬لفرط‭ ‬البرد‭ ‬والوحدة‭.‬

أريدُ‭ ‬أن‭ ‬أناديك‭ ‬لكن‭ ‬صوتي‭ ‬أكلته‭ ‬الوحشة،‭ ‬صوتي‭ ‬صدأ‭ ‬لفرطٍ‭ ‬ما‭ ‬غبت،‭ ‬لفرط‭ ‬ما‭ ‬ذهبت‭ ‬ذهاباً‭ ‬كثيراً‭ ‬دون‭ ‬عودة‭. ‬من‭ ‬بعيدٍ‭ ‬أراقبُ‭ ‬الطفلة‭ ‬تترك‭ ‬شعرها‭ ‬للأراجيح،‭ ‬جسدها‭ ‬يميلُ‭ ‬في‭ ‬الهواء،‭ ‬وأراقب‭ ‬حياتي‭ ‬وهي‭ ‬تنهارُ‭ ‬ببطء‭ ‬مثل‭ ‬قلعةٍ‭ ‬رملية‭. ‬ليست‭ ‬لدي‭ ‬قوة‭ ‬كي‭ ‬أنفض‭ ‬هذا‭ ‬التراب‭ ‬كله،‭ ‬ليس‭ ‬لدي‭ ‬متسعٌ‭ ‬كي‭ ‬أدفن‭ ‬تحت‭ ‬وسادتي‭ ‬جثة‭ ‬جديدة‭ ‬لأي‭ ‬شيء‭: ‬قطة،‭ ‬حلم،‭ ‬أغنية‭ ‬أو‭ ‬قصيدة‭.‬

ليست‭ ‬لدي‭ ‬قوة،‭ ‬كي‭ ‬أجزَّ‭ ‬هذا‭ ‬العُشب‭ ‬الذي‭ ‬نبتَ‭ ‬في‭ ‬غيابك‭.‬

خمسة‭ ‬وأربعون‭ ‬يوماً‭ ‬مرت،‭ ‬جفت‭ ‬القصائد‭ ‬على‭ ‬حبال‭ ‬الظهيرة

أخضر‭.. ‬أخضر‭.‬

مكانك‭ ‬الفارغ‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يشغله‭ ‬أحدٌ‭ ‬في‭ ‬القلب‭.‬

انتظرتك،‭ ‬خمسة‭ ‬وأربعين‭ ‬يوما‭ ‬في‭ ‬البرية،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬صوتي‭ ‬ذهب‭ ‬كله‭ ‬في‭ ‬انتظارك‭. ‬على‭ ‬مقعدك‭ ‬الفارغ‭ ‬الذي‭ ‬أمامي‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬شيئا،‭ ‬على‭ ‬المقعد‭ ‬الفارغ‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬نذهبُ‭ ‬حين‭ ‬نفقدُ‭ ‬خط‭ ‬العودة،‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬نذهب‭ ‬حين‭ ‬نحبُ‭ ‬بهذه‭ ‬الكثرة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا