العدد : ١٦٨٢٨ - الجمعة ١٩ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٠ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٢٨ - الجمعة ١٩ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ١٠ شوّال ١٤٤٥هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

شتان ما بين اللطافة والجلافة (2)

نبقى‭ ‬مع‭ ‬الجلافة‭ ‬في‭ ‬أسوأ‭ ‬تجلياتها،‭ ‬وهي‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬بمفردات‭ ‬أو‭ ‬إيماءات‭ ‬وقحة‭ ‬أو‭ ‬بذيئة،‭ ‬والمثال‭ ‬الكلاسيكي‭ ‬للجلافة‭ ‬الذي‭ ‬أوردته‭ ‬في‭ ‬مقالاتي‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬هو‭ ‬أنك‭ ‬قد‭ ‬تصطدم‭ ‬غير‭ ‬عامد‭ ‬بشخص‭ ‬في‭ ‬ممر،‭ ‬فيبادرك‭ ‬بقوله‭: ‬عميان‭ ‬أنت؟‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬كنت‭ ‬أعمى‭ ‬بالفعل‭ ‬وأجبت‭ ‬عليه‭ ‬بنعم؟‭ ‬سيهمهم‭ ‬بكلام‭ ‬غير‭ ‬مفهوم‭ ‬وينصرف‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعتذر‭ ‬لك،‭ ‬وكأنه‭ ‬يعتبر‭ ‬العمى‭ ‬نقيصة‭ ‬وعيبا‭! ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬تسمع‭ ‬عبارة‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬خاطبك‭ ‬ولم‭ ‬ترد‭ ‬عليها‭ ‬لسبب‭ ‬أو‭ ‬لآخر‭: ‬أنت‭ ‬أطرش؟‭ ‬ماذا‭ ‬أيضا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬الشخص‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬إعاقة‭ ‬في‭ ‬السمع‭ ‬والنطق؟‭ ‬وانظر‭ ‬سلاطة‭ ‬اللسان‭ ‬عند‭ ‬نسائنا‭ ‬وقدرة‭ ‬بعضهن‭ ‬على‭ ‬الردح‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬العامة‭: ‬إنه‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬المهين‭ ‬أن‭ ‬تبادرك‭ ‬امرأة‭ (‬سواء‭ ‬كنت‭ ‬أنت‭ ‬رجلا‭ ‬أو‭ ‬امرأة‭) ‬بكلام‭ ‬جارح‭ ‬لأنك‭ ‬‭ ‬مثلا‭ ‬‭ ‬كنت‭ ‬ساهما‭ ‬ولم‭ ‬تسمعها‭ ‬وهي‭ ‬تطلب‭ ‬منك‭ ‬ان‭ ‬تفسح‭ ‬لها‭ ‬الطريق‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬أو‭ ‬مرفق‭ ‬عام،‭ ‬وهناك‭ ‬نساء‭ ‬يستغللن‭ ‬أن‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬تعامل‭ ‬المرأة‭ ‬باحترام‭ (‬نسبي‭) ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬العامة‭ ‬فتنفجر‭ ‬في‭ ‬وجهك‭ ‬‭ ‬إذا‭ ‬كنت‭ ‬رجلا‭ ‬‭ ‬تقف‭ ‬أمام‭ ‬محصل‭ ‬النقود‭ ‬في‭ ‬متجر‭ ‬بكلام‭ ‬يراد‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬تجعلها‭ ‬تسبقك‭ ‬وتسبق‭ ‬غيرك‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬قيمة‭ ‬مشترياتها‭: ‬استحي‭ ‬على‭ ‬وجهك‭ ‬وافسح‭ ‬الطريق‭ ‬للحريم‭! ‬وتخيل‭ ‬أنك‭ ‬قابلت‭ ‬جلافتها‭ ‬بالمثل‭ ‬وقلت‭: ‬بس‭ ‬وين‭ ‬الحريم؟‭ ‬ستنفتح‭ ‬حنفية‭ ‬تصب‭ ‬عليك‭ ‬كلاما‭ ‬ملوثا‭ ‬يجعلك‭ ‬تتمنى‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يتزوج‭ ‬أبوك‭ ‬بأمك‭!!‬

وانظر‭ ‬حال‭ ‬فلان‭ ‬وعلان‭ ‬من‭ ‬الوجهاء‭ ‬وكبار‭ ‬الشخصيات‭ ‬الذين‭ ‬تلتقي‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬مجالس‭ ‬الأنس‭ ‬أو‭ ‬الاجتماعات‭ ‬الرسمية،‭ ‬فتراهم‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬التهذيب‭.. ‬ألفاظهم‭ ‬منتقاة‭: ‬تفضل‭.. ‬نقطة‭ ‬نظام‭ ‬لو‭ ‬سمحت‭.. ‬احترم‭ ‬وجهة‭ ‬نظرك‭ ‬بس‭ ‬اعتقد‭.. (‬وهناك‭ ‬العبارة‭ ‬البلهاء‭ ‬‮«‬من‭ ‬دون‭ ‬مقاطعة‭/ ‬من‭ ‬دون‭ ‬قطع‭ ‬كلامك‮»‬‭ ‬كيف‭ ‬تعلن‭ ‬أنك‭ ‬لا‭ ‬تود‭ ‬قطع‭ ‬حديثي‭ ‬وانت‭ ‬قد‭ ‬قطعته‭ ‬و‭... ‬انتهيت‭).. ‬ثم‭ ‬تذكر‭ ‬يوم‭ ‬زرته‭ ‬في‭ ‬مكتبه‭ ‬وكيف‭ ‬كان‭ ‬يستدعي‭ ‬الموظفين‭ ‬فيدخلون‭ ‬عليه‭ ‬ويلقون‭ ‬التحية‭ ‬فلا‭ ‬يرد‭ ‬عليها‭ ‬حتى‭ ‬بأسوأ‭ ‬منها‭.. ‬ثم‭ ‬يصيح‭ ‬في‭ ‬بعضهم‭: ‬ما‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬الفارغ؟‭ ‬لمتى‭ (‬الى‭ ‬متى‭) ‬سيظل‭ ‬مخك‭ ‬زلط؟‭ ‬ويدخل‭ ‬عليه‭ ‬بعض‭ ‬المواطنين‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الحاجات‭ ‬فيقول‭ ‬لبعضهم‭ ‬إنه‭ ‬ليس‭ ‬‮«‬فاضي‮»‬‭ (‬مع‭ ‬أنه‭ ‬جالس‭ ‬معك‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬نتيجة‭ ‬مباراة‭ ‬كرة‭ ‬أو‭ ‬فيلم‭ ‬خليع‭ ‬قام‭ ‬بتنزيله‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬‮«‬بورنوغرافي‮»‬‭ ‬مؤخرا‭).. ‬ثم‭ ‬يأتي‭ ‬مواطنون‭ ‬‭ ‬أيضا‭ ‬ذوي‭ ‬حاجات‭ ‬‭ ‬ولكنهم‭ ‬يبادرونه‭ ‬بأنهم‭ ‬‮«‬من‭ ‬طرف‭ ‬فلان‮»‬،‭ ‬فيهش‭ ‬للقائهم‭ ‬وينادي‭ ‬على‭ ‬كتيبة‭ ‬من‭ ‬موظفيه‭ ‬ويأمرهم‭ ‬بقضاء‭ ‬تلك‭ ‬الحاجات‭ ‬‮«‬الحين‮»‬‭! ‬وينادي‭ ‬كتيبة‭ ‬من‭ ‬العمال‭: ‬هاتوا‭ ‬شاي‭ ‬وقهوة‭ ‬ونسكافيه‭ ‬وعصير،‭ ‬وأقصد‭ ‬بهذا‭ ‬المثال‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يمثل‭ ‬دور‭ ‬الشخص‭ ‬المهذب‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬معينة‭ ‬ويرجع‭ ‬إلى‭ ‬أصله‭ ‬الجلف‭ ‬الوقح‭ ‬عندما‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬يحسبهم‭ ‬دونه‭ ‬مكانة‭ ‬اجتماعية‭ ‬او‭ ‬وظيفية‭. ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬تزوره‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬وتلاحظ‭ ‬ان‭ ‬مخاطبته‭ ‬لزوجته‭ ‬وعياله‭ ‬تتسم‭ ‬بالرقة‭: ‬الله‭ ‬يخليك‭ ‬يا‭ ‬أم‭ ‬فلان،‭ ‬سوي‭ ‬لنا‭ ‬شاي‭.. ‬مريود‭ ‬وسعدية‭ ‬روحوا‭ ‬العبوا‭ ‬في‭ ‬غرفتكم‭ ‬وبعدين‭ ‬نروح‭ ‬نتفسح‭ ‬سوا،‭ ‬وفور‭ ‬خروجك‭ ‬من‭ ‬بيته‭ ‬يصيح‭ ‬الثور‭: ‬يا‭ ‬أم‭ ‬زفت‭ ‬أنت،‭ ‬شيلي‭ ‬أواعي‭ ‬الشاي‭ ‬من‭ ‬هنا‭.. ‬ويأتي‭ ‬دور‭ ‬العيال‭: ‬يا‭ ‬عجول‭ ‬تاني‭ ‬ما‭ ‬أشوفكم‭ ‬قدام‭ ‬وجهي‭.‬

لا‭ ‬يجوز‭ ‬التعامل‭ ‬بانتقائية‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬التهذيب‭ ‬ومكارم‭ ‬الأخلاق‭ ‬وحسن‭ ‬الأدب،‭ ‬والمهذب‭ ‬حقيقة‭ ‬لا‭ ‬يميز‭ ‬بين‭ ‬كبير‭ ‬وصغير‭ ‬وقريب‭ ‬وغريب‭ ‬وفقير‭ ‬وهامور،‭ ‬والأناقة‭ ‬والوجاهة‭ ‬وانتقاء‭ ‬العبارات‭ ‬في‭ ‬مجالس‭ ‬معينة‭ ‬لا‭ ‬تجعل‭ ‬منك‭ ‬شخصا‭ ‬مهذبا‭ ‬إذا‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬يمر‭ ‬بشارع‭ ‬يلعب‭ ‬فيه‭ ‬صغار‭ ‬وفلتت‭ ‬منهم‭ ‬كرة‭ ‬واصطدمت‭ ‬بثيابك‭ ‬الكشخة‭ ‬فصحت‭ ‬فيهم‭: ‬يا‭ ‬أولاد‭ ‬ال‭- - - -! ‬ما‭ ‬عندكم‭ ‬أهل‭ ‬يربونكم؟‭ ‬حكمت‭ ‬على‭ ‬صغار‭ ‬أبرياء‭ ‬بسوء‭ ‬التربية‭ ‬لأن‭ ‬كرة‭ ‬طاشت‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أرجلهم‭ ‬بينما‭ ‬كنت‭ ‬الليلة‭ ‬الماضية‭ ‬تلقي‭ ‬خطبة‭ ‬عصماء‭ ‬تبرر‭ ‬بها‭ ‬كيف‭ ‬أضاع‭ ‬لاعب‭ ‬فريق‭ ‬تشجعه‭ ‬ضربتي‭ ‬جزاء‭! ‬صدقوني‭ ‬لو‭ ‬كنت‭ ‬أملك‭ ‬ثروة‭ ‬لكان‭ ‬اول‭ ‬ما‭ ‬أفعله‭ ‬هو‭ ‬الاستعانة‭ ‬بسائق‭ ‬والجلوس‭ ‬جواره‭ ‬واضعا‭ ‬عصابة‭ ‬سوداء‭ ‬على‭ ‬عيني‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬أرى‭ ‬جسامة‭ ‬قلة‭ ‬الذوق‭ ‬والجلافة‭ ‬لدى‭ ‬معظم‭ ‬سائقي‭ ‬السيارات‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬مدننا‭. ‬والمشاة‭ ‬الذين‭ ‬يحسبون‭ ‬أنهم‭ ‬معصومون‭ ‬من‭ ‬الإصابة‭ ‬والموت‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا