العدد : ١٦٨٢٥ - الثلاثاء ١٦ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٧ شوّال ١٤٤٥هـ

العدد : ١٦٨٢٥ - الثلاثاء ١٦ أبريل ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٧ شوّال ١٤٤٥هـ

مقال رئيس التحرير

أنـــور عبدالرحمــــــن

الوجه الحقيقي للنيابة العامة

‭  ‬تعقيبًا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬نشرناه‭ ‬يومَ‭ ‬أمس‭ ‬من‭ ‬مقابلةٍ‭ ‬صحفيَّةٍ‭ ‬مطوَّلة‭ ‬مع‭ ‬النائبِ‭ ‬العام‭ ‬الدكتور‭ ‬على‭ ‬البوعينين،‭ ‬الذي‭ ‬شرحَ‭ ‬بالتفصيل‭ ‬الدورَ‭ ‬الكبيرَ‭ ‬الذي‭ ‬تمارسه‭ ‬النيابةُ‭ ‬قضائيًّا‭ ‬واجتماعيًّا‭ - ‬تبيَّن‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬حقائقَ‭ ‬غائبةً‭ ‬عن‭ ‬القرَّاء‭ ‬والمجتمعِ‭ ‬عن‭ ‬دورِ‭ ‬النيابةِ‭ ‬الإنسانيِّ‭ ‬الراقي‭ ‬والبنَّاء‭ ‬في‭ ‬دراسةِ‭ ‬حالة‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القضايا‭ ‬المنظورةِ‭ ‬ذات‭ ‬الأبعادِ‭ ‬الاجتماعيَّة،‭ ‬ذلك‭ ‬الدورُ‭ ‬الإنسانيُّ‭ ‬التي‭ ‬تؤديه‭ ‬النيابةُ‭ ‬العامة‭ ‬يتجاوزُ‭ ‬حدودَ‭ ‬عملِها‭ ‬القانونيِّ‭ ‬والقضائيِّ‭ ‬المرسومِ‭ ‬ذهنيًّا‭ ‬لدى‭ ‬الغالبيَّةِ‭ ‬العظمي،‭ ‬كونه‭ ‬يلامسُ‭ ‬جوهرَ‭ ‬إصلاح‭ ‬الإنسانِ‭ ‬واستقرار‭ ‬المجتمع‭.‬

‭   ‬ولأجلِ‭ ‬أن‭ ‬نكونَ‭ ‬منصفين،‭ ‬فإننا‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الصحافةِ‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نعلمُ‭ ‬أن‭ ‬الوجهَ‭ ‬الآخر‭ ‬للنيابةِ‭ ‬العامة‭ ‬هو‭ ‬دورُها‭ ‬في‭ ‬تقديمِ‭ ‬الرعايةِ‭ ‬الاجتماعيَّةِ‭ ‬وبحث‭ ‬كل‭ ‬حالة‭ ‬تباشرُها‭ ‬على‭ ‬حدة،‭ ‬سواء‭ ‬الأسر‭ ‬المتصدعة‭ ‬أو‭ ‬المرأة‭ ‬المعنفة‭ ‬وجنوح‭ ‬الطفل،‭ ‬وهي‭ ‬الحالاتُ‭ ‬التي‭ ‬قاربت‭ ‬من‭ ‬250‭ ‬حالةً‭ ‬إنسانيَّة‭ ‬تم‭ ‬التعاملُ‭ ‬بشكل‭ ‬إنسانيِّ‭ ‬وتقديم‭ ‬الخدماتِ‭ ‬الاجتماعيَّة‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬صرحٍ‭ ‬قضائيٍّ‭ ‬كبير‭ ‬عبر‭ ‬شركاء‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬النجاح‭.‬

‭   ‬تلك‭ ‬الحقائقُ‭ ‬يتولى‭ ‬أمورَها‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬رجالُ‭ ‬قانون‭ ‬ومحققون،‭ ‬بل‭ ‬أخصائيون‭ ‬ومهنيون‭ ‬في‭ ‬حقولٍ‭ ‬اجتماعيَّةٍ‭ ‬مختلفة‭ ‬كعلم‭ ‬النفس‭ ‬والاجتماع،‭ ‬وهم‭ ‬أكثرُ‭ ‬درايةً‭ ‬بكيفيةِ‭ ‬التعاملِ‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الحالات‭ - ‬كيف‭ ‬تتمُّ‭ ‬المحادثةُ‭ ‬بين‭ ‬المحقق‭ ‬والأخصائي‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بشكلٍ‭ ‬غير‭ ‬ظاهر‭ ‬للاطمئنان‭ ‬على‭ ‬طفلٍ‭ ‬وقع‭ ‬ضحيَّةَ‭ ‬جريمة،‭ ‬وكيف‭ ‬يمكنُ‭ ‬التعرفُ‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬خاطرِه‭ ‬من‭ ‬خوفٍ‭ ‬أو‭ ‬رهبة‭ - ‬وكيف‭ ‬تتعرفُ‭ ‬المجني‭ ‬عليها‭ ‬وهي‭ ‬طفلةٌ‭ ‬على‭ ‬الجاني‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تشعرَ‭ ‬بذعرٍ‭ ‬أو‭ ‬قلق،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬دعمٍ‭ ‬إنسانيٍّ‭ ‬واجتماعيٍّ‭ ‬وقانوني‭ ‬يساعدُها‭ ‬في‭ ‬عبورِ‭ ‬محنتها‭.‬

‭   ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬الشديد‭ ‬إن‭ ‬اسمَ‭ ‬النيابةِ‭ ‬العامة‭ ‬عند‭ ‬الكثير‭ ‬اسمٌ‭ ‬مخيف‭ ‬بل‭ ‬يعدُّه‭ ‬البعض‭ ‬‮«‬سيف‭ ‬جلاد‮»‬‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬زيارتي‭ ‬الشخصيَّة‭ ‬والاطلاعِ‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الجهودِ‭ ‬الإنسانيَّة‭ ‬من‭ ‬النائب‭ ‬العام‭ ‬ومشاهدةِ‭ ‬العرضِ‭ ‬المرئيِّ‭ ‬للخدمات‭ ‬المقدمة‭ ‬يمكنني‭ ‬أن‭ ‬أجزمَ‭ ‬أننا‭ ‬أمام‭ ‬مبادرةٍ‭ ‬بحرينيَّةٍ‭ ‬خالصة‭ ‬لا‭ ‬أظن‭ ‬أنها‭ ‬شُرعت‭ ‬في‭ ‬كثيرٍ‭ ‬من‭ ‬الدولِ‭ ‬العربية،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬مبادرةٌ‭ ‬استفادت‭ ‬من‭ ‬التجربةِ‭ ‬الأيرلندية‭ ‬ووضعت‭ ‬في‭ ‬اعتبارها‭ ‬التقاليدَ‭ ‬والأعرافَ‭ ‬والدينَ‭ ‬بما‭ ‬يتناسبُ‭ ‬مع‭ ‬طبيعتِنا‭ ‬وبشكلٍ‭ ‬يهدفُ‭ ‬إلى‭ ‬صلاحِ‭ ‬الإنسان‭ ‬والمجتمع‭.‬

‭   ‬مبادرتُنا‭ ‬البحرينيَّةُ‭ ‬الإنسانيَّة‭ ‬التي‭ ‬ترعاها‭ ‬النيابةُ‭ ‬العامة‭ ‬مختلفةٌ‭ ‬كليًّا‭ ‬عن‭ ‬التجاربِ‭ ‬الدوليَّةِ‭ ‬القليلة‭ ‬التي‭ ‬تقدِّم‭ ‬رعايتها‭ ‬للمستفيدين‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬عقوبتهم،‭ ‬لأن‭ ‬مبادراتِ‭ ‬النيابة‭ ‬تستبقُ‭ ‬وقوعَ‭ ‬الجريمةِ‭ ‬بدراسة‭ ‬دوافع‭ ‬ارتكابها‭ ‬بل‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬منعها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اللحظةِ‭ ‬الأولى‭ ‬لأي‭ ‬تحقيقٍ‭ ‬يشملُ‭ ‬جوانبَ‭ ‬اجتماعيَّةً‭ ‬أو‭ ‬إنسانيَّة‭ ‬أو‭ ‬يرصدُ‭ ‬أيَّ‭ ‬ظواهر‭ ‬قد‭ ‬تنتهي‭ ‬بوقوع‭ ‬الجريمة‭. ‬

‭   ‬ما‭ ‬ترصدُه‭ ‬النيابةُ‭ ‬العامة‭ ‬من‭ ‬حالاتٍ‭ ‬اجتماعيَّة‭ ‬تستدعي‭ ‬التدخلَ‭ ‬والتعاملَ‭ ‬الإنسانيَّ‭ ‬معها،‭ ‬يجعلنا‭ ‬نقفُ‭ ‬أمام‭ ‬حالاتٍ‭ ‬اجتماعيَّة‭ ‬صعبةٍ‭ ‬تتطلبُ‭ ‬من‭ ‬الجميعِ‭ ‬دعمَ‭ ‬تلك‭ ‬المبادراتِ‭ ‬التي‭ ‬تكشفُ‭ ‬عن‭ ‬واقعٍ‭ ‬يجبُ‭ ‬التدخل‭ ‬والمساعدة‭ ‬في‭ ‬معالجته،‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬وكشفته‭ ‬تلك‭ ‬المبادرات‭ ‬مثل‭ ‬حالات‭ ‬استغلال‭ ‬أطفال‭ ‬في‭ ‬أعمالٍ‭ ‬غير‭ ‬مشروعة‭ ‬وأطفال‭ ‬بلا‭ ‬أوراق‭ ‬هوية‭ ‬يدفعون‭ ‬ثمنَ‭ ‬تفكك‭ ‬أسري‭ ‬ومنع‭ ‬حق‭ ‬التعليم‭ ‬عنهم،‭ ‬أو‭ ‬زوجة‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬مأوى‭ ‬لها‭ ‬ولأطفالها‭ ‬بسبب‭ ‬خلافاتها‭ ‬الزوجية،‭ ‬تلك‭ ‬الحالات‭ ‬تستدعي‭ ‬تدخلا‭ ‬مجتمعيا‭ ‬شاملا‭ ‬لرأب‭ ‬ذلك‭ ‬الصدع‭.‬

‭   ‬اللقاء‭ ‬مع‭ ‬النائب‭ ‬العام‭ ‬أمس‭ ‬لم‭ ‬يساعدنا‭ ‬على‭ ‬رصد‭ ‬دور‭ ‬النيابة‭ ‬القانوني‭ ‬والإنساني‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬يمكنُ‭ ‬أن‭ ‬نقرأ‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬سطور‭ ‬اللقاء‭ ‬وكيف‭ ‬يصلُ‭ ‬أعضاءُ‭ ‬وعضوات‭ ‬النيابة‭ ‬إلى‭ ‬النجاح‭ - ‬ما‭ ‬شاهدته‭ ‬من‭ ‬حرص‭ ‬النائب‭ ‬العام‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬شبابٍ‭ ‬رؤساء‭ ‬لنيابات‭ ‬تخصصيَّة‭ ‬ودعمِه‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬جهود‭ ‬وآليات‭ ‬عملهم‭ ‬يؤكِّدُ‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مجالا‭ ‬للشك‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الصرحَ‭ ‬القضائي‭ ‬يُدار‭ ‬باحترافيَّةٍ‭ ‬وتعاونٍ‭ ‬يُجبرُ‭ ‬من‭ ‬يدخل‭ ‬تحت‭ ‬مظلتِه‭ ‬على‭ ‬النجاح‭.‬

‭   ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬ذلك‭ ‬الحماسَ‭ ‬والحرصَ‭ ‬على‭ ‬أدق‭ ‬التفاصيلِ‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالجوانب‭ ‬الإنسانية‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬أصحاب‭ ‬المهام‭ ‬القضائيَّة‭ ‬الأصيلة،‭ ‬يؤكد‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الجهودَ‭ ‬تُبذل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قناعة‭ ‬بأن‭ ‬ذلك‭ ‬الجانبَ‭ ‬الإنسانيَّ‭ ‬ضمن‭ ‬واجباتهم‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬الحمايةِ‭ ‬والرعاية‭ ‬أثناء‭ ‬مباشرتهم‭ ‬مهامهم‭ ‬القضائيَّة؛‭ ‬وأن‭ ‬دورَ‭ ‬عضو‭ ‬النيابة‭ ‬يمتدُّ‭ ‬إلى‭ ‬المساهمةِ‭ ‬في‭ ‬رعايةِ‭ ‬الطفل‭ ‬والمرأةِ‭ ‬والأسرة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قراءة‭ ‬واقع‭ ‬الدعوى‭ ‬الجنائيَّة‭ ‬من‭ ‬منظورٍ‭ ‬إنسانيِّ‭ ‬واجتماعيِّ‭ ‬ودراسةِ‭ ‬سبب‭ ‬وقوع‭ ‬الجريمة‭ ‬أو‭ ‬الوقوع‭ ‬ضحيتها‭ ‬وإبداء‭ ‬توصية‭ ‬لمنع‭ ‬تكرارها‭ ‬بهدف‭ ‬استقرار‭ ‬المجتمع‭.‬

هذا‭ ‬التقدُّمُ‭ ‬الإنسانيُّ‭ ‬الكبير‭ ‬كان‭ ‬يجبُ‭ ‬أن‭ ‬يعرفَ‭ ‬المجتمعُ‭ ‬به،‭ ‬ولكن‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬عنونا‭ ‬المقابلةَ‭ ‬أمس‭ ‬بأن‭ ‬النائبَ‭ ‬العام‭ ‬يجري‭ ‬أولَ‭ ‬لقاءٍ‭ ‬صحفي‭ ‬له‭ ‬فهذا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬رجالَ‭ ‬النيابةِ‭ ‬العامة‭ ‬رجالاتٌ‭ ‬للعمل‭ ‬وليس‭ ‬لإبراز‭ ‬أنفسهم،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬بروزَ‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الجهود‭ ‬والكشف‭ ‬عنها‭ ‬مسؤوليَّةٌ‭ ‬وطنيَّةٌ‭ ‬واجتماعيَّةٌ‭ ‬وتاريخيَّة‭ ‬يجبُ‭ ‬أن‭ ‬تؤرِّخَ‭ ‬عنها‭ ‬الصحافةُ‭ ‬وترصدَ‭ ‬المتغيراتِ‭ ‬على‭ ‬الساحةِ‭ ‬الاجتماعيَّةِ‭ ‬وتبرزَ‭ ‬الذين‭ ‬نذروا‭ ‬حياتهم‭ ‬من‭ ‬أجلِ‭ ‬إصلاحِ‭ ‬المجتمع‭.‬

 

إقرأ أيضا لـ"أنـــور عبدالرحمــــــن"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا