يوميات سياسية

السيـــــــد زهـــــــره
انقلب السحر على الساحر
لا يمكن فهم ظاهرة الصعود المخيف للجماعات والقوى والأحزاب اليمينية الشديدة التطرف في أوروبا، وأمريكا أيضا، من دون التوقف عند المواقف والسياسات الخارجية لهذه الدول عبر العقود الماضية وما ارتبط بها من عدوان سافر على عديد من دول العالم. هذا البعد الخارجي يعتبر عنصرا أساسيا حاسما في فهم هذه الظاهرة.
بالطبع، من الصعب أن نتوقف بالرصد والتحليل عند ما فعلته أمريكا والدول الأوروبية تجاه الدول العربية والإسلامية في العقود الماضية، ولكن من المهم أن نشير خصوصا إلى ثلاثة تطورات مهمة حاسمة في السياق الذي نتحدث عنه:
التطور الأول: الحملة الشرسة الضارية التي شنتها هذه الدول بقيادة أمريكا في أعقاب هجمات 11 سبتمبر وخصوصا على الإسلام والمسلمين.
نعلم كيف أنه في إطار هذه الحملة السياسية والإعلامية الضارية التي امتدت سنوات طويلة صورت أمريكا والحكومات الأوروبية الإسلام كدين إرهاب، والمسلمين على اعتبار أنهم لا يعرفون إلا العنف والإرهاب.
أمريكا والدول الأوروبية في حملتها كرست في المجتمعات الغربية صورة شديدة السلبية عن الإسلام والمسلمين، وعززت مشاعر الكراهية العنصرية ضد الاسلام والعرب والمسلمين.
هذه الحملة كانت أحد الأسباب الكبرى التي دعمت صعود القوى اليمينية المتطرفة.
والتطور الثاني: أن أمريكا وحلفاءها الأوروبيين شنوا اعتداءات همجية على دول عربية وإسلامية وبالأخص أفغانستان والعراق.
احتلال العراق وأفغانستان وتدمير البلدين وإغراق الشعبين في الصراع والفوضى كرس في أمريكا والدول الأوروبية أبشع نوازع العنصرية والكراهية ضد الدول والشعوب العربية والإسلامية عموما. أمريكا وحلفاؤها الأوروبيون صوروا هذا الغزو والاحتلال الهمجي على اعتبار أنه ضرورة مع شعوب متخلفة غير متحضرة لا تعرف الحرية والديمقراطية. وهم بهذا روجوا عمدا لنظرية تفوق الرجل الأبيض بكل عنصريتها القبيحة.
هذا التطور كان له أيضا أكبر الأثر في إعطاء دفعة كبرى للقوى والجماعات اليمينية العنصرية المتطرفة، وكان في جوهره بمثابة تبنٍ لخطاب هذه القوى.
التطور الثالث: ما حدث في 2011 حين تآمرت أمريكا ومعها دول أوروبية لتنفيذ مخطط اسقاط النظم الوطنية وتدمير الدول العربية، وهو المخطط الذي امتد إلى عدة دول ونجح في بعض الحالات.
أيضا بهذا المخطط الواسع، صورت الحكومات الغربية دولنا ومجتمعاتنا في صورة الدول والمجتمعات المتخلفة التي لا تستحق الوجود ويجب إزالة بعضها وإعادة رسم خريطة المنطقة برمتها.
مرة أخرى، ما فعلته أمريكا والدول الأوروبية على هذا الصعيد كرس العنصرية والكراهية في المجتمعات الغربية.
حين أقدمت أمريكا والدول الأوروبية على هذه المواقف والسياسات والتصرفات الهمجية بهذه التطورات الثلاثة، كانت تتصور أنها بهذا تكرس الهيمنة الغربية في العالم وتفرض سيطرتها الدائمة على النظام العالمي وتحول دون ظهور أي قوى أخرى منافسة.
لكن الذي حدث نتيجة لهذا كان مختلفا تماما عن كل ما تصوروه. كان عنصرا أساسيا في انهيار الهيمنة الغربية.
لكن الذي يهمنا هنا هو تأثيره المدمر بالنسبة إليهم داخليا.
الذي حدث أن الحكومات الغربية كما ذكرت كرست في مجتمعاتها كل صور الكراهية والعنصرية والتطرف، ليس فقط ضد الإسلام والمسلمين والعرب، ولكن ضد كل أبناء الثقافات والحضارات الأخرى في العالم.
وأمريكا والدول الأوروبية أعطت شرعية للإرهاب وممارسته في داخل مجتمعاتها. هي حاولت إعطاء شرعية للإرهاب الذي مارسته في الخارج، لكن لم تدرك انها بهذا جعلت من اللجوء إلى العنف والإرهاب في الداخل أمرا مقبولا ومشروعا لدى الكثيرين.
ولهذا، لم يكن غريبا أن تشهد أمريكا والدول الأوروبية هذا الصعود الهائل للقوى والجماعات اليمينية التي تتبنى بعضها مبادئ فاشية ونازية، وتنشئ جيوشا خاصة ومستعدة لاستخدام السلاح ضد الدول ومؤسساتها.
بعبارة أدق، ما فعلته أمريكا والدول الأوروبية مع دول العالم ارتد عليها ويصح القول هنا فعلا إن السحر انقلب على الساحر.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك