يروى أنه عندما قررت الشركة الأمريكية الشهيرة (بروكتر آند جامبل) دخول السوق الهندي بأمواسها (شفرات الحلاقة) المعروفة بجاليت، قام مدير الشركة بقرار أثار استغراب الفريق بمن فيهم مدير التسويق. شركة بروكتر آند جامبل P&G تمتلك إمبراطورية من المنتجات التي لا يخلو منها أي بيت، مثل تايد، هيد آند شولدرز، بانتين، باونتي، معطرات فبريز، بامبرز، معجون كرست وأورال بي، وأخيرًا المنتج الذي لا تخلو منه شنطة أي أم وهو الفيكس، ولديها كذلك ماركات تحت مظلتها مثل لاكوست، وبوس وغيرهما.
هذه الشركة هي من أعلى الشركات بالعالم إنفاقًا على الأبحاث التسويقية وماذا يعرف العميل، ومع هذا قبل نزول المنتج (شفرات الحلاقة) إلى السوق الهندي طُلب من كل عضو من أعضاء الفريق السفر والعيش بالهند مدة أسبوعين، مع عائلة هندية. ينام معها، ويأكل معها، ويرصد كل التفاصيل، وكيف تتم عملية الحلاقة، ومن أين يتم شراء الشفرات، وكيف تحدث كل هذه الخطوات.
في البداية، تلكأ الفريق إذ لا حاجة إلى الذهاب إلى الهند، لأن الأبحاث الموجودة تكفي، وفيها أدق التفاصيل عن المستهلك الهندي، وعلى أسوأ الأحوال، وبما أن مقر أبحاث الشركة بلندن، طلب الفريق العيش في أحد بيوت الهنود المتناثرين هنا في عاصمة الضباب البريطانية. لكن مدير الشركة كان مصرًا على طلبه، ومضى الفريق، والتقى بهم في لندن مرة أخرى بعد 14 يومًا، وكانت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد.
يقول مدير التسويق: لم نتخيل مطلقًا كمية المعلومات والخبرات والفوائد التي حصلنا عليها فقط بمجرد العيش مع عوائل هندية مدة أسبوعين، فظهرت لنا تفاصيل لا يمكن أن نعرفها بالأبحاث التقليدية، ساعدتنا لاحقًا في اختيار القنوات التوزيعية المناسبة، وفي اختيار الوسائل الترويجية التي تخدم هذه الفئة. يحدث هذا لأن شركة بروكتر آند جامبل من أوائل من هاجر من مخيم (التمحور حول المنتج) وما زال غالب شركاتنا المحلية عليه، إلى مخيم (التمحور حول العميل) والذي يشهد تزايدًا متسارعًا.
الشركات في عالم اليوم يتم تنظيمها داخليًّا وهيكلتها إما على: التمحور حول المنتجات، المنهج التقليدي، أو التمحور حول العميل، الأسلوب الحديث.
غالب الشركات الأمريكية اليوم تحولت تمامًا من منظمات تدور حول المنتج إلى منظمات تدور حول العميل، وقامت جامعة هارفارد بتوثيق هذا التحول الصعب والمنهك، ولكنه شر لا بد منه، في كتاب التسويق الاستراتيجي، وهو تغيير في نمط التفكير التقليدي لمنهج مختلف تمامًا.
وربما هنا يأتي السؤال الأهم: ماذا يريد الجمهور حتى نتمكن من التقديم له ما يريد؟ بل وقد ذهب العديد من علماء التسويق إلى إعادة صياغة السؤال ليكون هكذا: ما الذي نتوقع أن يريده العميل لنوفر له ذلك قبل أن يطلبه؟ ما احتياجاته؟ وكيف يمكن أن نترجم احتياجاته إلى سلعة أو منتج أو خدمة؟
العميل أو المستهلك هو ببساطة الشخص الذي يقوم بعملية الشراء بأي صورة كانت، ولا تختلف المراجع كثيرًا في تحديد مفهوم المستهلك، فمعظم المراجع تتفق على هذا المفهوم الأساسي، ولا نرغب في سرد الكثير من التعريف، فهذا التعريف مناسب جدًا.
ولقد حاول العديد من العلماء شرح أهمية العميل أو المستهلك أو الجمهور، فمثلاً يقول جيفري كيه رورز في كتابه (الجمهور – التسويق في عالم رقمي) «أجبْ سريعًا، ما أهم أصول عملك في الوقت الحالي؟ علامتك التِّجارية؟ ملكيتك الفكرية؟ المنشآت المادية؟ المخزون؟ الموظفون؟ كلُّ هذه إجابات مُحتمَلة، لكن ثمة أصل يُغْفَل عنه باستمرار عندما أطرح هذا السؤال على الشركات. إنه الجمهور».
نعم، الجمهور أو العميل أو المستهلك.
ولقد حاول الكثير من العلماء التصدي لموضوع أهمية العميل، وبعد نيف من الزمن تكوَّن علم جميل ليدرس سلوك المستهلك، أطلق عليه (علم سلوك المستهلك)، فكيف نفهم هذا العلم؟ وكيف نستفيد منه؟
سلوك المستهلك
هو مجموعة الأنشطة والسلوكيات التي يمارسها الفرد العميل أو المؤسسة عند البحث، أو الشراء، أو الاستخدام، أو التقييم للسلع، والخدمات أو التخلص منها وذلك من أجل إشباع رغباتهم واحتياجاتهم المتباينة والمتغيرة. ويعرّف السلوك الاستهلاكي على أنه مجموعة من «الأنشطة الذهنية والعضلية المرتبطة بعملية التقييم والمفاضلة كالحصول على السلع والخدمات واستخدامها». وهو السلوك الذي يقوم به المستهلكين للبحث وشراء واستعمال وتقييم والتخلص من السلع والخدمات (بعد استعمالها) والتي يُتوقع منها أنها تشبع حاجاته.
وبناء على تلك المعلومات تم تقسيم المستهلكين إلى عدة أنماط، منها:
المستهلك العقلاني، ومن أهم خصائصه: هادئ وعاقل في اتخاذ القرارات الشرائية وتمييز السلع والخدمات والأسعار، وتتم معاملته بمخاطبته بعقلانية وعدم خداعه.
المستهلك المندفع، خصائصه: سرعة اتخاذ القرارات الشرائية، ويندم دائمًا على معظم القرارات، ويتم التعامل معه بعرض أفضل السلع التي تشبع رغبته السريعة في الحصول على السلعة، وعدم إحراجه، وتقبل تغيير بعض السلع له.
المستهلك المتردد، هذا المستهلك لا يشتري بسرعة، وكثير التردد، وقد يشتري ثم يعود لاستبدالها، ويمكن التعامل معه بالصبر على تردده وكثرة طلباته وإقناعه بمميزات السلعة.
المستهلك المتريث، وهذا المستهلك يتريث في معظم قراراته، يبحث عن أفضل البدائل جودة وسعرًا، ومن المهم أن يتم إقناعه بالسلعة جودة وسعرًا.
المستهلك الجاهل، هذا المستهلك لا يعلم شيئًا عن إمكانيات أو مميزات السلعة، ويشتري من أجل التفاخر، وهذا يتم التعامل معه بمحاولة إقناعه بمميزات السلعة من أجل إتمام البيع معه.
المستهلك الثرثار، وهذا كثير الكلام وغالبًا لا يشتري في النهاية، ومن أهم طرق التعامل معه الهدوء والإنصات إليه والتوافق معه حتى تتم صفقة البيع.
ما المطلوب من رائد العمل أن يفعل تجاه المستهلك؟
من الصعوبات التي عادة يواجهها رواد الأعمال، السرعة في اتخاذ قرار بإنشاء مشروع عمل، أو إنتاج منتج أو تقديم خدمة، وفي الكثير من الأحيان – حتى – أنه لا يفكر أو يدرس مشروعه أو منتجه أو الخدمة التي سوف يقدمها، وإنما الفكرة الأساسية هي أنه هو يريد ذلك، وهذا أمر حسن، ولكن عليه أن يسلك الخطوات التالية:
أولاً: اختيار المشروع أو المنتج أو الخدمة المناسبة: أعتقد أن هذه الخطوة يمكن أن تُعد من أهم الخطوات الأساسية لتحديد مصير المشروع الذي يفكر فيه الإنسان، فاختيار المشروع أو السلعة يجب أن تتحدد حسب وجود الجمهور، فالحكمة تقول: كما قال يوجين كلينر، أحد مؤسسي وادي السيلكون ورائد الأعمال: (هل سيتناول الكلب طعام الكلاب؟)، بمعنى أنه لا يمكن أن تقدم أي منتج أو خدمة ولا يوجد في المنطقة التي تقدمها فيه أي إنسان يحتاج إلى تلك الخدمة أو المنتج.
ثانيًا: تحديد السوق المستهدف: وعلى الرغم من أن الأمر قد يستغرق وقتًا طويلاً، إلا أن تحديد السوق المستهدف يسمح لرائد العمل بتركيز جهوده التسويقية بأكثر الطرق فعالية من حيث التكلفة الممكنة. لذلك فإن على رائد العمل أن يقوم بتحديد منتجه أو خدمته بوضوح ثم يحدد الشخص أو العميل الذي سيرغب في استخدام ما لديه لتقدمه إليه، وهذا يعني أن فهم احتياجات المستهلكين أمر ضروري.
ثالثًا: الوصول إلى الجمهور المناسب: بمجرد أن يقوم رائد العمل بتحديد السوق المستهدف، يجب أن يضع في اعتباره أمرين، وهما: الجمهور المستهدف، والرسالة التي يجب أن يقدمها لهذا الجمهور حتى يترك منزله ومكانه المريح ويقدم عليه ويشتري منه السلعة أو الخدمة.
لمعرفة الجمهور أهمية كبيرة، وهذا أمر تحدثنا فيه، لذلك فإن على رائد العمل محاولة تحديد الفئة المستهدفة، فهل هو يستهدف النساء أو الرجال، أم الأطفال أم العامة؟ وهل يستهدف المثقفين والمتعلمين أم غير ذلك؟ هل يستهدف العزاب أم المتزوجين؟ وهكذا، فإن لكل فئة من هؤلاء الجمهور نوعية من الخطاب الذي يجب أن يصاغ بطريقة احترافية حتى يصل إلى أسماعه من غير أن يجد العراقيل في طريقه، وهذا أمر مهم.
والأمر الآخر، فإنه في بعض الأحيان قد لا يكون مشتري المنتج هو نفسه المستخدم النهائي، لذلك يجب على رائد العمل أن يكون منتبهًا لهذا الأمر أيضًا، وهذا يعني أن الرسالة الإعلانية عادة ما تكون مخصصة للشخص الذي يقوم بالشراء. فعلى سبيل المثال، يستفيد كل فرد في المنزل من منظفات الغسيل، ولكن غالبًا ما تشتريها النساء اللائي يشترون بقالة الأسرة. لهذا السبب، فإن الرسالة الإعلانية عادة ما تستهدف الأمهات اللواتي يرغبن في ارتداء ملابس نظيفة لأسرهن.
رابعًا: صياغة رسائل الإعلانية الناجحة: وبعد تحديد السوق المستهدف والجمهور المستهدف فإن على رائد العمل أن يصيغ رسائل إعلانية تروق للجمهور، فعلى سبيل المثال، يمكن لمصمم الديكور الداخلي تفصيل وتسويق خدماته لمجموعة واسعة من العملاء المحتملين، لذلك فإن الرسالة التسويقية تصمم لجذب إما مالك المنزل الراقي الذي يبحث عن ديكورات باهظة الثمن أو كبار السن الذين يتطلعون إلى تقليص الحجم مع الاحتفاظ ببعض ممتلكاتهم الثمينة، فالاحتياجات مختلفة جدًا، لذلك يجب صياغة كل رسالة تسويقية لتعكس كيفية تلبية كل حاجة.
خامسًا: التركيز على القيمة المضافة: لعل هنا الوقت المناسب ليسأل رائد العمل نفسه السؤال الذهبي: لماذا يجب أن يأتي المستهلك للشراء من عندي ولا يذهب لغيري؟ وهذا يعني ما القيمة المضافة الموجودة في المنتج أو الخدمة التي يقدمها هو وغير موجودة في المنتج المنافس أو الشخص المنافس، ماذا يقدم هذا المشروع ولا يقدمه المشروع الآخر. فعند الإجابة عن هذا السؤال يكون رائد العمل قد عرف قيمته المضافة في السوق وعرف القيمة السوقية له ولمنتجه.
مرة أخرى، فإن على رائد العمل أن يعمل باجتهاد حتى يصل إلى الجمهور المناسب، فالجمهور هو الذي يحدد نجاح المشروع أو غير ذلك.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك