في البداية لا بد من الإشادة بالأجواء الطيبة التي جرت فيها الانتخابات البرلمانية والتي أفرزت والحمد لله عددا من الكوادر البحرينية التي تمثل كل الأطياف والمكونات السياسية والاجتماعية كما شكلت الانتخابات بشكل أقدر وأوضح إنصافا للمرأة البحرينية التي حصلت في هذه الانتخابات على 8 مقاعد تأكيدا لمكانتها في المجتمع البحريني وحضورها المتزايد في المشهد السياسي.
وتابعنا بكل اهتمام الحملات الانتخابية والبرامج التي أعلنها المرشحون للبرلمان ولاحظنا في مجملها إن لم تكن جميعها قد ركزت على المطالب الاجتماعية والاقتصادية التي تهم احتياجات المواطنين بالدرجة الأولى وهذا أمر متوقع وطبيعي عندما يكون الهدف كسب الرأي العام والناخبين الذين يهمهم أمران أساسيان وهما الحفاظ على المكتسبات التي تحققت للمواطنين خلال العقدين الماضيين بحيث لا يتم التراجع عنها سواء في الخدمات الاجتماعية والإسكانية إضافة إلى ما اكتسبه المواطنون بفضل التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من المكاسب المالية وخاصة علاوة الغلاء، والجانب الثاني طموحات المواطنين في تحسين الوضع المعيشي بكل أبعاده في ظل الأزمة المالية العالمية وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية وارتفاع الفواتير المختلفة ما جعل لهذا الجانب أولوية ومن الطبيعي أن يركز عليه المرشحون للمجلس وهذا أمر مفهوم ومقبول ومعقول وليس بجديد.
إلا أن طبيعة عمل البرلمان التي يعلمها القاصي والداني تؤكد بالدرجة الأولى أمرين مهمين وليس على الخدمات ويمكن اختزالها في نقطتين:
الأولى: هو التشريع بكل ما يعنيه ذلك من مسؤوليات ومهام وأهداف وما يعنيه أيضا من دور جوهري في خدمة الدولة والمجتمع ما يتطلب كفاءة ومعرفة واطلاع في المجال التشريعي عامة بكل ما يعنيه ذلك من متطلبات كبيرة وما يستدعيه من قدرة على إعداد الدراسات والتحليل ومقترحات القوانين والمشاريع حتى تصل هذه المشاريع إلى مرحلة العرض على المجلس وعلى اللجان العاملة فيه ومن ثم رفعها إلى مجلس الشورى في إطار الأهداف والسياسات العامة للدولة، وعليه فالمطلوب من النائب بالدرجة الأولى أن يسعى وأن يعمل بشكل رئيسي على تطوير التشريعات ومراجعة الموجود منها وذلك في إطار خدمة المصلحة العامة للبحرين من خلال هذا الدور وفقا لأحكام الدستور والقانون واللوائح.
الثانية: الجانب الرقابي على أعمال السلطة التنفيذية وهذا بدوره يستدعي اطلاعا واسعا على عمل الوزارات والهيئات والأجهزة الحكومية حيث لا يمكن لعضو مجلس النواب أن يراقب أو يناقش البرامج والمشروعات من دون أن يكون لديه الاطلاع الكافي واللازم على حقيقة هذه البرامج والخطط والمشروعات وتحليلها ومتابعتها بدقة ولا يفيد في هذا الإطار الكلام الإنشائي الذي يضيع الوقت خاصة عندما يصل في بعض الأحيان إلى مستوى المهاترات أو النقاشات الهامشية التي يراد منها البروز إعلاميا لا أكثر ولا أقل فالرقابة على الجوانب الإدارية والمالية تحتاج إلى كفاءة وخبرة وتأني قبل إصدار الأحكام التي رأينا نماذج منها في السابق ولم تكن في محلها وذلك لأن الأجهزة الحكومية تمتلك من الخبرة والمعرفة والكوادر المتخصصة التي تحرص على أن تكون برامجها مطابقة للقانون والدليل على ذلك أن ملاحظات ديوان الرقابة المالية والإدارية بدأت تتقلص من سنة إلى أخرى بفضل تطور العمل الحكومي وتجاوز الأخطاء التي كانت في السابق ولذلك فالمطلوب من النائب أن يكون في مستوى هذه المعرفة والخبرة حتى تكون الرقابة فاعلة وإيجابية وموضوعية بما يحقق في النهاية المصلحة العامة المنشودة.
إلا أنه من الملاحظ أن تشكيلة المجلس الجديد لا تتضمن الكوادر القانونية والعلمية الكافية ليقوم المجلس بأداء دوره التشريعي والرقابي وهذه مسألة مهمة يجب الانتباه إليها والعمل على وضع الحلول المناسبة ليتمكن المجلس من القيام بدوره التشريعي والرقابي المنشود.
إن الدور التشريعي والرقابي لمجلس النواب على كاهل النواب مسؤولية كبيرة وهي مسؤولية وطنية بالدرجة الأولى وعليه فالمطلوب من النواب أيضا الاطلاع والبحث ليتمكنوا من ممارسة دورهم الأساسي من منطلق وطني ضمن صلاحيات مجلس النواب بما يجعل التجربة الديمقراطية البحرينية نموذجا لخدمة التنمية والاستقرار والازدهار والله من وراء القصد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك