هوامش

عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
استباحة العراق.. مبررات مرفوضة
ما يعانيه العراق من ضعف خطير نجم بالدرجة الأولى عن الغزو الأمريكي للبلاد في عام 2003 والذي أدى إلى تدمير أجهزة الدولة العراقية وفي مقدمتها الجيش والقوى الأمنية إضافة إلى وقوع البلد تحت وطأة الجماعات الإرهابية وفي مقدمتها ما يسمى «بالدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش)، من دون أن يغفل المرء حجم الفساد السياسي المستشري داخل أجهزة الدولة المختلفة، كل هذه العوامل وغيرها، جعلت أبواب العراق مفتوحة أمام التدخلات الخارجية، السياسية منها والعسكرية، الأمر الذي حول العراق إلى بلد مستباح، ليس من الغرباء فقط، وإنما من الجيران، وتحديدا إيران وتركيا اللتين لا تتوقفان عن تنفيذ اعتداءات عسكرية ضد الأراضي العراقي بحجة التصدي لما تسميانهم بالجماعات الإرهابية الكردية التي تتخذ من إقليم كردستان العراق مراكز لأنشطتها المناهضة للدولتين.
قبل أيام مضت قصفت قوات الحرس الثوري الإيراني ما قالت عنها إنها مقرات لأحزاب كردية إيرانية في الإقليم العراقي الأمر الذي يشكل انتهاكا سافرا ومرفوضا للسيادة العراقية، وهذه ليست المرة الأولى التي تنفذ فيها إيران اعتداءات عسكرية على الأراضي العراقية، بل تكررت أكثر من مرة منذ شهر سبتمبر الماضي، خاصة بعد تفجر الاحتجاجات الشعبية داخل إيران احتجاجا على مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني بعد توقيفها من قبل ما تسمى شرطة الأخلاق، الشيء نفسه يحدث من جانب أنقرة حيث تستهدف بين الحين والآخر مناطق قريبة من الحدود مع تركيا، تعتبرها قواعد خلفية للجماعة المسلحة الكردية التركية التي تصنفها أنقرة وحلفاؤها على أنها «إرهابية»، كما هو الحال بالنسبة إلى إيران.
هذه الاعتداءات تنفذ من جانب الدولتين تحت ذريعة التصدي لأنشطة الأحزاب الكردية، التركية والإيرانية، التي لديها مقار في مدن شمال العراق، مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني التركي وشقيقه الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني إلى جانب فصائل كردية تركية وإيرانية أخرى، مثل هذه الذرائع والحجج لا يمكن قبولها كمبررات لهذه الاعتداءات، وانتهاك السيادة العراقية، ثم إن مواصلة مثل هذه الهجمات على الأراضي العراقية، بل وضد هذه الأحزاب الكردية، لن تحل مشاكل الدولتين (تركيا وإيران) مع هذه الأحزاب الكردية، بل من شأنها أن تعكر علاقات الجيرة بين الدولتين من جهة والعراق من جهة أخرى.
المطلوب من الدولتين كونهما جارين للعراق وتربطهما به علاقات تاريخية على مختلف المستويات، المطلوب منها مساعدته على التعافي من المحنة التي تسبب فيها الغزو الأمريكي، وليس مضاعفة أوجاعه وإضعاف السلطة المركزية التي تجد نفسها مشلولة إزاء التحديات الداخلية الكثيرة التي تواجهها، وإزاء تصرفات الجيران غير المقبولة، خاصة وأن العراق في وضعه الحالي لا يستطيع من الناحية العسكرية التصدي لهذه الاعتداءات ووقفها، لذلك فهو يكتفي بتقديم الاحتجاجات المباشرة للدولتين أو إلى الجهات الدولية.
ثم إن تجربة الصراع الدائر منذ عدة سنوات بين الحكومتين التركية والإيرانية من جهة والأحزاب الكردية (الإيرانية والتركية) من جهة أخرى، تبرهن على أن تنفيذ مثل هذه الاعتداءات على العراق لم ولن تحل مشكلة الدولتين مع هذه الأحزاب، ولن تضع حدا لوجودها وأنشطتها، الموجهة ضد مصالح تركيا وإيران، وربما تجربة تركيا مع حزب العمال الكردستاني التركي أكثر وضوحا حيث تخوض القوات التركية حربا منذ ثمانينيات القرن الماضي ضد الحزب، ورغم الخسائر البشرية الفادحة التي تسببت فيها هذه المواجهة، ورغم القدرات العسكرية الكبيرة للجيش التركي، فإنه لم يستطع وقف أنشطة هذا الحزب أو يقضي على بنيته العسكرية، والأمر نفسه سيكون مصير المواجهة الإيرانية مع معارضيها الأكراد.
يبدو أن الدولتين مصممتان على استغلال الوضع غير الطبيعي الذي يعيشه العراق والضعف الذي يعاني منه، للأسباب التي تم ذكرها، وتستطيعان أن تواصلا مثل هذه الأعمال العدوانية غير القانونية وغير المبررة، لكن من دون نتيجة تذكر حتى الآن، فهذه الأحزاب مستمرة في مناكفة ومقارعة الدولتين، وعلى الجانب الآخر، فإن من شأن استمرار هذه الأعمال العدائية أن تترك أثرا سلبيا وكبيرا على مستقبل علاقاتهما مع العراق.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك