مقال رئيس التحرير

أنـــور عبدالرحمــــــن
الـــــــرصيــد الحـقيقي للــديمقـراطية
يقولُ الكاتبُ والفيلسوفُ السويسريُّ الشهير جان جاك روسو: «رصيدُ الديمقراطيَّةِ الحقيقيُّ ليس في صناديقِ الانتخاباتِ فحسب، بل في وعي الناس»، هذه حقيقةٌ واقعيَّةٌ تفسرُ لنا حجمَ الإقبالِ الواسعِ على المشاركةِ في التصويتِ خلالَ الاستحقاقِ الانتخابيِّ السادس بمملكة البحرين، والتي فاقت الـ 73% وهي الأعلى منذ عام 2002.
البحرين تنتقلُ بخطواتٍ واثقة نحو صياغةِ تجربتها الخاصة في الديمقراطيَّةِ، التي انطلقت مع المشروعِ الإصلاحيِّ مع بداياتِ القرن الحادي والعشرين، ويبدو واضحًا أن البحرينيين قد تشكَّلَ لديهم حصيلةٌ من الوعي والفهمِ التراكمي تجاه الممارسةِ السياسيَّة، وتعلَّموا من دروسِ الماضي القريب بمختلف عثراتِه ونجاحاته، وبدأوا يتخلصون من آثار محاولات الهيمنة الفكريَّة التي كانت تفرضُها تياراتٌ دينيَّةٌ متباينةُ الأهداف والتي كانت تصرُّ على استخدامِ أدواتها في توجيه الرأي العام.
المجتمعُ البحرينيُّ يملكُ تجربةً عريقةً في العملِ الإداري منذ عشرينيات القرن الماضي، وعاش تجربةَ الانتخابات في بداية الخمسينيات بمشاركة المرأة، ليضعَ أولى لبنات المشاركةِ الشعبيَّة في إدارة الدولة، من خلال فهمٍ متطوِّرٍ بإشراك جميع مكونات المجتمع وفئاته في هذه الانتخابات.
{{{{
بعيدًا عن الفرحةِ بالنجاح اللافت بالانتخابات وبعيدًا عن نتائج الانتخابات، من فازَ ومن خسرَ، من دخلَ البرلمانَ ومن لم يحالفه التوفيق، علينا أن نتوقفَ كثيرًا أمامَ عددٍ من المشاهدِ التي سجلتها العمليةُ الانتخابيَّةُ هذه المرة في المملكة، حتى نصلَ إلى مخرجاتٍ تسهمُ في مواصلةِ تطوير الحياة السياسيَّة البحرينية.
{{{{
اليوم، مع دخول أكثر من 50 ألفَ شابٍ وشابة ممن بلغوا 20 عامًا إلى الكتلةِ الانتخابيَّةِ في 2022، نجدُ أن هذا الجيلَ نشأ مع بدايةِ المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم، وشهد تطوُّرَها، ويتطلعُ إليها بأنها الأملُ في المستقبل، ولعل تشكيلَ الحكومةِ برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وما ضمته من وجوهٍ شابةٍ عديدة، كان أحدَ الدوافعِ الرئيسيَّة في أن 45.37% من الذين أدلوا بأصواتهم كانوا من الشباب، وهنا تقعُ مسؤوليةٌ كبيرة على عاتق مؤسسات المملكة سواء التنفيذيَّة منها أو التشريعيَّة، أن تحافظَ على هذا الأملِ، وتبني عليه، حتى لا يتأثر بأجواء الإحباطات التي قد تسيطرُ على الأجيالِ الأكبر سنًا، لذا فإن المجلسَ النيابي معنيٌّ بممارسةِ دوره بفعالية سواء على المستوى التشريعي أو الرقابي، حتى تزيدَ ثقةُ الناخبِ الشاب في قوة صوته وتأثيره في صناعة مستقبله عبر المؤسساتِ الدستوريَّة.
{{{{
المرأةُ البحرينية وكبارُ السن وذوو الاحتياجات الخاصة، كل من موقعه رفع لواءَ البحرين أولا، وتوجه إلى الصندوق الانتخابي، وهو على ثقةٍ في وجود أصوات تعبِّرُ عنه تحت قبة البرلمان، وهي مسؤوليةٌ منوط بها كل نائب سواء كان رجلا أو امرأة.
{{{{
وصول 8 سيداتٍ فاضلات إلى قبةِ البرلمان لهو دليلٌ على البعد الحضاري لمجتمعنا، وتقديرِ النساء وجهودِهن في مسيرة العمل الوطني، كما أنه دليلٌ على الانفتاحِ الفكري للمجتمع.
{{{{
استمرارُ هيمنة المستقلين على المشهد النيابي، وفشلُ الجمعيات السياسيَّةِ بمختلف توجهاتها عن الدفع بعناصرَ تقنعُ الناخبَ البحريني، رغم الانتقادات التي لاحقت أداءات المجالس النيابية في 2014 و2018 بسبب الادعاء بغياب الجمعيات السياسية عنها، يطرحُ علاماتِ استفهامٍ عديدة حول آليات عمل هذه الجمعيات في المشهد السياسي.
قبل أن أكونَ قاسيًا في الحكم على الجمعياتِ السياسية، أوجه إليها رسالةً صادقة بأن تدركَ أن البساطَ الشعبي تمَّ سحبُه من تحت أقدام مختلف الجمعيات السياسية، لعدة أسباب مختلفة بعضها خارجٌ عن إرادتها، ولكن صلبَ المشكلة يكمنُ في وجود خللٍ واضح في أداء هذه الجمعيات على المستوى الداخلي، كيف أنها مازالت أسيرةً لنفس الوجوه ونفس الأفكار البعيدة عن الشارع؟، وكيف أن بعضَ المنتمين إلى هذه الجمعيات فضلوا خوضِ الانتخابات كمستقلين بعيدًا عن مظلةِ الجمعيات السياسيَّةِ لاستقطاب أصوات الناخبين؟!
{{{{
من أهم الرسائل التي جسدتها العمليةُ الانتخابيَّةُ هو ضعفُ أصوات الترهيب الخارجي في التأثير في الشارع البحريني، لأن هذه الأصوات دأبت على استخدام نغمات نشاز لتخويف وتخوين المواطن البحريني، في محاولةٍ بائسةٍ لتأليبه على الواقع الذي يعيشه، ومحاولاتهم المستمرة للعب على وتر الطائفيَّة في رسائلهم، ولكن أثبت الشارعُ البحرينيُّ بكل مكوناته رغبته في القفز خطوة إلى الأمام نحو المستقبل، وعدم عرقلة المسيرة، بالإصرار على استخدام الوسائل الديمقراطية للمشاركة في إدارة مقدراته.
{{{{
الأمانةُ تقتضي منا توجيه كلمة شكر واجبة إلى القائمين على إدارة العملية الانتخابية فردًا فردًا بدايةً من القضاة المشرفين على الانتخابات ورجالات الأمن والمتطوعين في التنظيم، على سمو أخلاقهم ولطفهم وانضباطهم مع الناخبين وخاصة كبار السن لمساعدتهم وإعطائهم الأولويةَ للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات.
{{{{
تبقى نقطةٌ أخيرة، وهي أن الاختبارَ الأول لمجلس النواب الجديد يتمثَّلُ في قدرتِه على مناقشةِ برنامج عمل الحكومة خلال السنوات الأربع القادمة، تلك المناقشات التي يجب أن تكون بدايةَ إعادة بناء الثقة بين المواطن والبرلمان، والتي يمكنُ من خلالها فتحُ أبواب التفاؤل بجني ثمار النجاح المبهر للانتخابات.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك