هوامش

عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
الإرهاب يضرب تركيا من جديد
لم يكن التفجير الإرهابي الذي تعرضت له مدينة إسطنبول التركية يوم الثالث عشر من شهر نوفمبر الجاري وأدى إلى مقتل ستة أشخاص وإصابة ما لا يقل عن 81 آخرين بجروح متفاوتة، جديدا في سلسلة الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها تركيا خلال السنوات الأخيرة خاصة تلك التي وقعت عامي 2015 و2016 وتسببت في حصيلة ضحايا قاربت الــ 826 شخصا، وهي واحدة من أعنف الهجمات الإرهابية التي تتعرض لها تركيا، مثل هذه العمليات الإرهابية، أيا تكن الجهة التي تقف وراءها والأهداف التي تبتغي الوصول إليها، فإن هذه الأعمال الإجرامية لا يمكن تبريرها أو محاولة ربطها بالسياسة التركية، سواء تعلق الأمر بالأوضاع الداخلية للبلاد، أو بسياستها الخارجية مع دول الجوار.
ليست تركيا وحدها هي التي تتعرض لمثل هذه الهجمات الإرهابية، فالعديد من دول الجوار ودول المنطقة بشكل عام، لا تزال تدفع ثمن انتشار الجماعات الإرهابية في العديد من الدول، بل إن بعضا من هذه الدول، مثل سوريا وليبيا تحديدا تحولت إلى ما يشبه الحواضن لمثل هذه الجماعات بسبب التدخلات الخارجية، وتحديدا تلك التي قادتها الدول الغربية بهدف تخريب وزعزعة استقرار هذه الدول بحجة «الدفاع» عن حقوق الإنسان وتمكين مواطني هذه الدول من «نيل حقوقهم المشروعة»، وهي الحجج التي عليها استندت الدول الغربية حين أسهمت وشاركت في إسقاط العقيد معمر القذافي في ليبيا والشيء نفسه عملت على تحقيقه في سوريا.
ما تعرضت له تركيا وتتعرض له الآن من هجمات إرهابية، مدانة ومرفوضة بكل تأكيد أيا تكن الجهة التي تقف وراءها، هذه الهجمات ليست سوى قطرة في بحر من تلك التي تعرضت لها سوريا على مدى أكثر من أحد عشر عاما، فالمشهد السوري لا يمكن أن يغيب عن الأذهان حين كانت الجماعات الإرهابية تعيث قتلا وتنكيلا بأبناء الشعب السوري الشقيق حيث فتحت العديد من الدول خزائنها وحدودها لتدفق مختلف الجماعات والعناصر الإرهابية من شتى أنحاء العالم، وهو الخطأ الكبير الذي لا يغتفر، باعتباره واحدا، إن لم يكن الوحيد الذي أسهم في ظهور وانتشار الجماعات الإرهابية في عديد من دول المنطقة.
فإن التهديدات الخطيرة التي تشكلها الجماعات الإرهابية لا تخص بلدا دون آخر، وبغض النظر عن تفاوت حجم هذه التهديدات وقدرة هذه الدولة أو تلك على مواجهتها، فإن الطريق الأنجع للتصدي لهذه المخاطر يكمن في تعاون هذه الدول وتنسيق جهودها الأمنية والسياسية لمواجهة المخاطر الحقيقية التي أصبحت تتربص بأمن واستقرار جميع هذه الدول، وقد أثبتت التفجيرات الإرهابية التي تعرضت لها تركيا في السنوات الأخيرة، ومنها العملية التي شهدها شارع الاستقلال في إسطنبول، أن الجماعات الإرهابية يهمها بالدرجة الأولى استمرارها وقدرتها على سفك دماء الأبرياء بغض النظر عن أعراقهم وأجناسهم.
فيما يتعلق بالعملية الإرهابية الأخيرة التي وقعت في تركيا، وبعد إلقاء السلطات التركية القبض على المشتبه فيها في تنفيذها والمتورطين الآخرين، وجهت هذه السلطات الاتهام إلى حزب العمال الكردستاني التركي الذي تصنفه أنقرة على أنه «جماعة إرهابية»، ومن المعلوم أن البنية العسكرية الرئيسية لهذا الحزب تقع في كل من العراق وسوريا، ولكن له وجود أيضا في المناطق الكردية التركية، وقد نفى الحزب أي دور له في هذه الجريمة، ولكن من المؤكد أن السلطات التركية لن تثق في هذا النفي، وبالتالي فإن الأيام القادمة قد تشهد مواجهة عسكرية تركية مع العديد من الفصائل الكردية المسلحة في سوريا، وربما في العراق أيضا.
مشكلة تركيا مع هذا الحزب هي خاصة بتركيا وحدها، ولكن الخطر الكبير لا ينحصر في هذه المشكلة، وإنما في وجود وانتشار العديد من المنظمات والجماعات الإرهابية في سوريا وليبيا، مثل جبهة «النصرة» و«داعش» وغيرها من الفصائل الإرهابية التي شاركت في إسقاط نظام العقيد الليبي معمر القذافي وشاركت بقوة في محاولة إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، هذه الجماعات هي التهديد الحقيقي والخطير للأوضاع الأمنية في جميع دول المنطقة، وقد تعرضت تركيا لعمليات إرهابية خطيرة أعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عن اقترافها.
فالخطر الذي تشكله هذه الجماعات، هو خطر يستهدف استقرار وأمن جميع الدول، ويخطئ من يعتقد أن مداهنته وغض طرفه عن أنشطة أي من هذه التنظيمات، يمكن أن يعطيه الحصانة ضد أعمالها الإجرامية، فبعض الجماعات الإرهابية التي دخلت بقوة في الحرب الشعواء لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، هي نفسها من اقترفت جرائم إرهابية بحق تركيا وغيرها من الدول، لذلك نقول، إن من يريد درء خطر الإرهاب عليه ألا يكيل بمكيالين وألا ينظر فقط إلى التهديد الموجه إليه، من دون أن يضع في اعتباره البعد الخطير الذي يشكله وجود الجماعات الإرهابية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك