هوامش

عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
فلسطين تستجير بمحكمة العدل الدولية
تبنت لجنة إنهاء الاستعمار التابعة للأمم المتحدة مشروع قرار فلسطيني يطلب رأيا استشاريا من محكمة العدل الدولية بشأن «احتلال إسرائيل الطويل الأمد واستيطانها وضمها الأراضي الفلسطينية»، وهو القرار الذي نال تأييد 98 دولة مقابل اعتراض 17 دولة وامتناع 52 عن التصويت، وهو القرار الذي وصفه وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي بأنه «إنجاز دبلوماسي وقانوني» من شأنه أن «يفتح حقبة جديدة لمساءلة إسرائيل»، والخطوة التالية التي ستعقب مشروع هذا القرار هو عرضه على الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر المقبل للتصويت عليه واعتماده بصفة رسمية، والنتيجة الإيجابية هي الأقرب، لكن العملية، أي التصويت، لن يخلو من سلطة الضغط والابتزاز الأمريكي على بعض الأعضاء في المنظمة الدولية.
طبعا هذا القرار لم يرق للمسؤولين «الإسرائيليين» ولا لأقرب حلفائهم وداعميهم في واشنطن، مثل هذه المواقف من الطرفين متوقعة مع كل قرار فيه رائحة دعم للحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني أو يتحدث عن لا مشروعية الاحتلال والاستيطان، وكانت الحجج كلها واهية ومكررة، ففي الوقت الذي قال فيه مندوب «إسرائيل» لدى المنظمة الدولية إنه من خلال دعوة الفلسطينيين لإشراك محكمة العدل الدولية «فإن الفلسطينيين يقوضون أي فرص للمصالحة»، فيما قال نائب ممثل الولايات المتحدة لدى المنظمة إن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية «سيأتي بنتائج عكسية ولن يؤدي إلا لإبعاد الطرفين عن الهدف الذي نريده جميعا وهو تطبيق حل الدولتين عبر المفاوضات».
المصالحة التي يتحدث عنها مندوب «إسرائيل»، ليس لها وجود على أرض الواقع، وليس الفلسطينيون هم الذين تسببوا في «تعطيل» هذه المصالحة أو عرقلتها، بل السياسة العدوانية التوسعية التي تصر سلطات الاحتلال على ممارستها في الأراضي الفلسطينية المحتلة والمتمثلة في مواصلة الاستيطان ومصادرة الأراضي وهدم البيوت وتقطيع التواصل الجغرافي والديمغرافي بين المدن والبلدات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، هذه الممارسات، لا تغلق فقط باب «المصالحة» وإنما دمرتها تماما على مدى أكثر من ستين عاما منذ احتلال الضفة الغربية ومدينة القدس.
ما يضحك ويثير الاستهجان أكثر ليس كلام مندوب «إسرائيل» بشأن مشروع هذا القرار، وإنما كلام نائب ممثل الولايات المتحدة، وخاصة فيما أسماها بــ«النتائج العكسية» للرأي الاستشاري القانوني لمحكمة العدل الدولية على قضية حل الدولتين، فهذه القضية، أي حل الدولتين، ليست سوى حجاب تخفي وراءه الولايات المتحدة وحلفاؤها الداعمون للسياسة التوسعية «الإسرائيلية»، دورهم السلبي من هذه القضية كونهم الأطراف التي تمكن سلطات الاحتلال من التملص ورفض تطبيق جميع القرارات والقوانين الدولية ذات الصلة بهذه القضية؛ قضية احتلال الأراضي الفلسطينية.
فحل الدولتين الذي يتحدث عنه المسؤول الأمريكي، ممكن فقط حين ترفع واشطن وحلفاؤها غطاء الحماية عن الاستخفاف والاستهتار «الإسرائيلي» بالقرارات والقوانين الدولية وتنصاع لما تطلبه هذه القرارات، فأمريكا وحلفاؤها هم المسؤولون مسؤولية مباشرة عن تعطيل هذا الحل وعن حرمان الشعب الفلسطيني من التمتع بحقوقه الإنسانية الكاملة أسوة بجميع شعوب المعمورة، ذلك أنه لولا الدعم المطلق والحماية السياسية والاقتصادية والعسكرية التي توفرها أمريكا وحلفاؤها للسياسة التوسعية والعدوانية «الإسرائيلية» لما تمردت سلطات الاحتلال على القوانين والقرارات الدولية ذات الصلة بهذه القضية.
فالموقف السلبي لواشنطن من مشروع القرار الأممي بشأن استشارة محكمة العدل الدولية بشأن احتلال «إسرائيل» الطويل الأمد للأراضي الفلسطينية، هذا الموقف مرده الوحيد، هو الرأي القانوني المنتظر من هذه المحكمة، وهو الرأي الذي سينصف الجانب الفلسطيني بكل تأكيد، ذلك أن القانون الدولي الذي تتشدق الولايات المتحدة وحلفاؤها بضرورة وأهمية «احترامه»، يرفض الاستيلاء على أراضي الغير ومصادرتها بالقوة، أضف إلى ذلك، أن جميع القرارات الأممية ومنها ما وافقت عليها واشنطن وحلفاؤها، كلها اعتبرت الاحتلال «الإسرائيلي» للأراضي الفلسطينية وعمليات الاستيطان أعمالا غير مشروعة وتتنافى مع القانون الدولي.
الفلسطينيون طرقوا جميع الأبواب بحثا عن سلام ينصفهم، مع علمهم بأنه سيكون سلاما منقوصا بحكم توازن القوى، وبالتالي فعندما توجهوا إلى المحكمة الدولية لأخذ رأيها القانوني في احتلال أرضهم، فهم لم يرتكبوا جرما ولم يضعوا العصا في عجلة عملية السلام وحل الدولتين، كما يدعي المسؤول الأمريكي، وهم ما كانوا أصلا سيطرقون باب هذه المحكمة التي يعرفون أن قراراتها لن تزحزح سلطات الاحتلال عن موقفها، لو ان واشنطن وحلفاءها فتحوا أبواب السلام أمامهم، وعليه فليس أمامهم سوى طرق جميع الأبواب الممكن طرقها، وليس من حق أحد لومهم في ذلك.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك