هوامش

عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
تركيا على حق أمام الانتهازية الأوروبية
مسيرة تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تعد واحدة، إن لم تكن الوحيدة، من المسيرات الطويلة والشاقة والتي شهدت مدى المماطلة وازدواجية المعايير التي تنتهجها المجموعة الأوروبية فيما يتعلق بقبول الأعضاء الجدد في صفوفها، هذه المجموعة التي شهدت دخول أعداد كبيرة من الأعضاء الذين تقدموا بطلب العضوية بعد الجمهورية التركية بعدة سنوات، وفي مقدمة هؤلاء تأتي دول أوروبا الشرقية ودول البلطيق التي كانت حتى أواخر تسعينيات القرن الماضي ضمن جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عندما قال إن «بلاده تنتظر على أبواب الاتحاد الأوروبي منذ 52 عاما وما زالوا يفعلون نفس الشيء، لكنننا سنرد عندما يحين الوقت».
للعلم، ولتأكيد ازدواجية وانتهازية المجموعة الأوروبية فيما يخص قبولها لأعضاء جدد، فإن تركيا وقعت في عام 1963 اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي (المجموعة الاقتصادية الأوروبية آنذاك)، وفي عام 1987 تقدمت بطلب للحصول على عضوية الاتحاد، لكن مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي لم تبدأ إلا في عام 2005، وتم تعليقها مرارا بسبب خلافات بعضها مفتعل من جانب أعضاء بالمجموعة، في مقدمتهم اليونان وقبرص نتيجة الخلاف حول الأزمة القبرصية والغزو التركي للجزء التركي من هذه الجزيرة الأوروبية.
من يتفحص بعناية سير مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي سيجد أن هذا الملف لن يغلق مهما تجاوبت تركيا مع المطالب الأوروبية، التعجيزية في كثير من صفحاتها، فبعد مضي ما يقارب السبعة عشر عاما على تقدم تركيا بطلب الانضمام، لم يفتح سوى 16 فصلا من أصل 35 فصلا من ملف المفاوضات، وهذا يعني أن على تركيا أن تنتظر ما يقارب النصف قرن حتى يستجيب الاتحاد الأوروبي لطلبها، وهو لن يستجيب، وحتى لو تجاوبت أنقرة مع جميع مطالبه، فسوف يخرج بعض أعضاء المجموعة الأوروبية لتركيا مطالب جديدة من تحت الأرض، والهدف من ذلك الحيلولة دون دخول تركيا إلى هذه المجموعة الأوروبية.
أكثر من مسؤول أوروبي صرح بأن طريق انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي سيكون طويلا وصعبا، بل إن بعضا من دول الاتحاد قالت صراحة بأن ليس هناك مكان لتركيا في هذه المنظومة الأوروبية، وبالتالي فإن عدم تسريع خطوات الانضمام لا يعود إلى نقص في أهلية تركيا لهذه العضوية وإنما لأسباب، جلها مصطنع، تعود إلى الجانب الأوروبي، وليس مستبعدا على الإطلاق أن يكون من بين هذه الأسباب الانتماء الديني للغالبية الساحقة من الشعب التركي، إذ ستكون تركيا، لو فتح الاتحاد الأوروبي أبوابه أمامها، ستكون الدولة الإسلامية الوحيدة في هذه المجموعة المتجانسة دينيا، وفي جوانب كثيرة، اجتماعيا.
لا نعتقد أن قادة الجمهورية التركية يجهلون حقيقة مفادها، أن مستقبل بلادهم يكمن في محيط انتمائها الديني والاجتماعي والجغرافي أيضا، فأبواب جميع الدول مفتوحة أمام تركيا وما يجمع هذه الدول بالدولة التركية من وشائج وعلاقات ثقافية ودينية واجتماعية، لا يمكن تجاهلها والتقليل من تأثيرها على العلاقات التركية مع دول هذا المحيط، وما نشأ من خلافات في الآونة الأخيرة بين تركيا وبعض الدول العربية تحديدا، لأسباب سياسية وأمنية، يمكن تجاوزها ومعالجته، إذا ما كان هناك حسن نوايا من جانب الجميع، فعلى سبيل المثال، فقد صدرت عن الجانب التركي مؤخرا، إشارات إيجابية جدا بشأن الخلاف مع سوريا ومع مصر أيضا، في وقت تحسنت فيه العلاقات التركية مع دول الخليج العربي.
عودة إلى مسألة العضوية التركية في المجموعة الأوروبية، فإن ما صرح به الرئيس التركي الذي يقرأ من بين سطوره ما يشير إلى نفاد صبر أنقرة إزاء المماطلة الأوروبية، وهي، أي تركيا، محقة في ذلك، إذ ليس من المعقول ولا المقبول بالنسبة إلى القيادة التركية أن يتعامل الاتحاد الأوروبي مع دولة، بحجم تركيا، سياسيا واقتصاديا وجغرافيا بهذا الأسلوب الفج، فالأمة التركية لها مكانتها وعزتها ولا يمكن للقيادة التركية أن تقبل المساس بهذه الكرامة، وهذا بالضبط ما يعنيه قول الرئيس أردوغان «سنرد عندما يحين الوقت».
تحديد وقت الرد التركي تحدده القيادة التركية من دون غيرها، ولا أعتقد أن هذه القيادة سوف تصبر أكثر على المماطلة والانتهازية الأوروبية وهي ترى كيف أن هذه المجموعة تفتح أذرعها وأبوابها على مصاريعها لدول جديدة على سبيل المثال، أوكرانيا وجورجيا، واللتين لا تملكان من المكانة السياسية والاقتصادية والجغرافية، تلك الإمكانيات التي تملكها تركيا، ومن المؤكد أن القيادة التركية سيكون لها موقف يخدم مصالح ومكانة وكرامة الشعب التركي بالدرجة الأولى.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك