مقال رئيس التحرير

أنـــور عبدالرحمــــــن
لحظة تاريخية.. ورسالة أمل
لم يكن الإنسان أبدًا في حاجة ماسة إلى بني البشر أكثر من اليوم.. لأن عظمة البشرية ليست في أن تكون إنسانًا فقط بل في كونها إنسانية.
اليوم، إذا نظرنا إلى عالمنا، عندما نطالع صحفنا اليومية، أو نضبط مؤشر التلفزيون، أو خلال التجول عبر وسائل التواصل الاجتماعي، نادرًا ما نجد أخبارًا عالمية جيدة.
نحن نشهد فقط قصصًا حزينة ومأساوية ومفجعة للقلب، بعضها يرتكبها رجال ذوو نفوذ، والبعض الآخر من قبل فاقدي العقول الذين يلوحون بالأسلحة ويزهقون أرواح التلاميذ الأبرياء في الفصول الدراسية.
لذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه، ما هو الخطأ بيننا، أو بشكل أكثر دقة، ما هو الخطأ فينا؟
بالتأكيد هذا ليس نقصًا في التعليم لأن الأشخاص متعلمون جيدًا وأولئك الذين يسعون لإيذاء الأطفال، غالبًا زملاؤهم في الفصل، بالكاد أميون.
ما نفتقده هو شيء أعظم بكثير، شيء يجب أن يكون موجودًا ليحكمنا ويحمينا جميعًا من أخطاء وعيوب السلوك والمواقف. يمكن وصف ذلك بكلمة واحدة... الإيمان.
جاءت جميع الأديان لإصلاح الإنسان، لتحديد الصواب من الخطأ، للتفريق بين النعمة والجشع، والتفريق بين اللطف والقسوة، ومساعدة البشر على اتخاذ الخيارات الصحيحة.. هذا كله يعود إلينا.
نحن محظوظون في هذا البلد، مقارنة بالعديد من البلدان الأخرى، لأننا نعيش في مجتمع متسامح، يقبل كل الأديان.
يمكن للعالم أن يشهد ذلك اليوم نتيجة لهذه المناسبة الخاصة التي يقيمها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى ملك البلاد المعظم، والتي وجه فيها الدعوة إلى أعلى سلطتين في المسيحية والإسلام لزيارة البحرين، إلى جانب زعماء دينيين آخرين، للاجتماع على أرض البحرين في «ملتقى البحرين.. الحوار بين الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني».
}}}
هذا الملتقى يأتي تتويجا لجهود حثيثة قام بها جلالة الملك المعظم على مدار السنوات الماضية، لنشر وتعزيز ثقافة السلام والتعايش والتسامح محليا وإقليميا وعالميا، إيمانا من جلالته بأن هذه هي الوسيلة الفضلى لحل الأزمات العالمية التي تحيق بالبشرية، والتي تتطلب تعاضد الإنسان مع أخيه الإنسان لتجاوز التحديات التي صنعها الإنسان بيده.
جلالة الملك المعظم انطلق في رؤيته من أسس تاريخية للتعايش في مملكتنا الغالية، وأسلوب حياة مواطنيها، فالبحرين رغم رقعتها الجغرافية الصغيرة، كانت ومازالت واحة للتعايش، على أرضها تجتمع الأديان السماوية والمذاهب والمعتقدات المختلفة، وتوفر حرية المعتقد وحرية ممارسة الشعائر الدينية لكل شخص فيها.
ولعل «إعلان مملكة البحرين» الذي تم تدشينه في 2017 في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، كان مبادرة ملكية سامية لنشر الرؤية البحرينية للتعايش السلمي والإنساني بين مختلف دول العالم، حيث ركز على 5 مبادئ تعد منهاجا للسلام العالمي، على رأسها أن «الجهل عدو السلام»، «عدم الدعوة إلى الكراهية والعنف»، «حرية الاختيار والاعتقاد»، «التبرؤ من الممارسات الخاطئة»، إلى جانب «تشجيع الاحترام المتبادل والتعاون».
المتمعن في هذه المبادئ الخمسة يجد أنها الأساس الصلب لخلق بيئة عمل جماعي إنساني تسهم في تخفيف معاناة الإنسان في كل مكان، لذلك كان الأمر الملكي بتأسيس مركز حمد العالمي للتعايش السلمي، وسيلة لنشر هذه المبادئ على جميع المستويات.
}}}
قداسة بابا الفاتيكان، عندما يحل ضيفا على مملكة البحرين، فإن هذا يؤكد المكانة الرفيعة التي وصلت إليها المملكة في تعزيز القيم الروحية، ولا أدل على ذلك من احتضانها لأكبر كاتدرائية كاثوليكية في منطقة الخليج العربي، والتي تم افتتاحها في ديسمبر من عام 2021 في مدينة عوالي، وتم استخدام أفضل التصميمات المعمارية وأرقى المواصفات المتطورة في بنائها لتصبح معلما دينيا في البحرين والمنطقة، وتجسد ما تشهده المملكة من تعايش بين مختلف الأديان والطوائف والمذاهب.
وجود الحبر الأعظم في البحرين سيمثل محطة حيوية في مسيرة الأخوة والتفاهم، وفي نمو وتكثيف العلاقات مع العالم الإسلامي وممثليه.
}}}
دعوة جلالة الملك المعظم إلى فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف لزيارة مملكة البحرين وعقد اجتماع مجلس حكماء المسلمين هنا، تعكس واحدة من المبادرات المهمة التي أطلقتها البحرين انعكاسًا لعمق تجربتها في مجال التعايش والحوار بين الأديان وتجسيدًا لرؤية الملك المعظم لتحقيق التعايش والسلام العالمي، كما تسهم في طرح رؤية قادة وزعماء الأديان في مواجهة تحديات العصر؛ وتقديم خطوات جادة وحلول عملية وواقعية لهذه التحديات من منظور ديني وشرعي بما يُسهمُ في التخفيف من آثار هذه الأزمات التي تواجه البشرية.
}}}
اجتماع بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر الشريف في هذه اللحظة التاريخية على أرض البحرين يأتي لنشر رسالة أمل وهدف مشترك في توحيدنا حتى نتمكن جميعًا من التصرف بطريقة أكثر إنسانية من أجل الإنسانية.
التعايش في سلام، من أجل خير الجميع، شيء نصلي من أجله جميعًا.
نقلاً عن الشاعرة والناشطة الحقوقية الأمريكية الراحلة مايا أنجيلو: «تأكد من أنك لن تموت دون أن تفعل شيئًا رائعًا للإنسانية».
أنور عبدالرحمن
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك