مقال رئيس التحرير

أنـــور عبدالرحمــــــن
فلسفة القرارات الجديدة
قبلَ الخوضِ في الحديثِ عن أهميةِ القراراتِ الاقتصاديَّةِ التي أصدرها صاحبُ السمو الملكي الأميرُ سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء خلالَ زيارةِ سموه إلى غرفةِ تجارة وصناعة البحرين، لا بد من الإشارةِ إلى النهجِ المحمودِ الذي تتبعُه الحكومةُ خلالَ هذه المرحلةِ في شأنِ اتخاذ القراراتِ من خلال الاعتمادِ على الدراساتِ المستفيضةِ لقياس الأثر الاقتصادي لها، مع إعلاءِ شأن مصلحة الوطن والمواطن قبل كل شيء.
وقبل أيام قال سموه خلال ترؤسِه اجتماع مجلس إدارة مجلس التنمية الاقتصادية: «كل ما يتمُّ إنجازُه اليومَ وما يتمُّ تخطيطُه والعملُ عليه للمستقبلِ لرفدِ المساراتِ التنمويَّةِ يجبُ أن يعودَ بالخيرِ على الوطن وأن يكونَ موجهًا إلى المواطن»، وجاءت القراراتُ لتؤكِّدَ بجلاء هذا التوجهَ الحكومي.
ويجبُ أن نشيرَ إلى أن دوائرَ اتخاذ القرار الاقتصادي باتت تستمعُ إلى جميعِ الأطراف ذات العلاقة به، وتحرصُ على تعزيزِ الشراكة مع القطاع الخاص كونه شريكًا فاعلا في التنميةِ الاقتصاديَّةِ بالمملكة.
{{{
بالعودة إلى القرارات نجدُ أن أمرَ سمو ولي العهد رئيس الوزراء بإلغاء التصريح المرن حظي بتفاعلٍ كبير من الشارع التجاري، الذي كان يعاني من التأثيراتِ السلبيةِ لهذا التصريح، قبل بضعةِ أشهر سألت رئيسَ غرفة التجارة سمير ناس خلال أحد المؤتمرات الصحفية عن الخطواتِ التي اتخذتها الغرفةُ لحمايةِ صغار التجار في المملكة، في ظل تداعيات جائحة كورونا التي ألقت بظلالها على العالم أجمع، وكانت إجابته أنهم رفعوا مجموعةً من المرئيات إلى صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس الوزراء بشأن التحدياتِ التي تواجه التاجرَ البحريني، وخاصة من «الفيزا المرنة» والتي وصفوها بأنها «كارثة» لأنها تتعارض مع التنافسية والعدالة والاستدامة، بعد خلق منافسة غير عادلة بين التاجر البحريني وصاحب التصريح المرن، ولم تضمن استدامة التاجر البحريني نظرا إلى تضرُّر وإغلاق العديد من المحلات التجارية بعد إصدار هذا النظام.
ولا يجب أن ننسى أن أحدَ أهداف التصريح المرن كانت مواجهة ظاهرة العمالة غير النظامية التي كانت تشكِّل عائقًا كبيرًا في سوق العمل، والأمر الذي يثلجُ الصدرَ حقًا أن قرارَ الإلغاء اشتمل على مجموعةٍ من التدابير المهمة لوقف زحف العمالة المخالفة في السوق البحريني، من خلال حزمةٍ من الإجراءات التي تحفظُ للمملكة مكانتها العالمية كأحد أفضل الوجهات في بيئة العمل، وعلى رأسها تسجيلُ كل العمالة الوافدة بالشراكة مع القطاع الخاص، تكثيف الحملات التفتيشية وتشديد التعامل مع المخالفين من أصحاب العمل والعمال، والعمل على ربط رخص العمل المهنية بالمعايير والمؤهلات، توفير البيئة المناسبة للعمال بما يراعي حقوقهم ويزيد من فعالية دورهم في التنمية الاقتصادية.
القراءةُ المتأنيةُ لهذه الإجراءات تؤكِّدُ الرغبةَ الصادقةَ من الحكومةِ في إفساح المجال أمام المواطن البحريني ليستفيدَ من فرصِ العمل ويصبحَ الخيارَ الأول أمام أصحاب الأعمال.
ولعل التصريحَ المرنَ أسهمَ في امتلاك هيئة تنظيم سوق العمل لقاعدة بياناتٍ ومعلوماتٍ متكاملة حول العمالةِ غير النظامية بالمملكة، لذا فإن محاولاتِ البعض التلميح بأن القرارَ جاء متأخرًا أمرٌ غير دقيق، إذ لم يكن من الممكن حصرُ كل العمالة المخالفة من قبل ذلك.
بالتوازي مع ذلك لا بد من أن ننوهَ إلى الاشتراطاتِ الخاصة بتسجيل العامل، والتي تعكس توافرَ الإرادةِ السياسيَّةِ في القضاء على ظاهرة العمالة المخالفة، ومنها:
{ السماح بتسجيل العمالة الموجودة داخل مملكة البحرين فقط.
{ عدم قبول الأشخاص الصادرة ضدهم مخالفات جنائية والعمالة المقدم ضدها بلاغات ترك عمل «هروب».
{ عدم السماح للعمالة بالحصول على سجل تجاري.
{ لن يتم السماح بالعمل في مهن تخصصية إلا بعد الترخيص بمزاولة المهنة أو المعادلة من قبل الجهات المعنية.
{ لن يُسمح للوافدين إلى المملكة بتأشيرة زيارة التقدم للحصول على تصريح العمل.
{ إلزام العمالة بالتأمين الصحي وتأمين نفقات المغادرة.
{ فيما يتعلق بحاملي تصريح العمل المرن يمكنهم التسجيل من خلال مراكز التسجيل المخصصة لذلك وسيتم منحهم مهلة مدة 3 أشهر للتسجيل وتصحيح أوضاعهم وفق الإجراءات الجديدة.
{ بالتنسيق بين وزارة الصناعة والتجارة وهيئة تنظيم سوق العمل سيتم استحداثُ نشاط «مراكز تسجيل العمالة» في نظام «سجلات» الخاص بوزارة الصناعة والتجارة، سيتم تفعيل الشراكة مع القطاع الخاص لتسجيل العمالة، وستلتزم المراكزُ بتوفير قائمة بيانات محدثة تشمل معلومات العمالة وأماكن سكنهم والحساب البنكي للعامل، إلى جانب التأكد من حصول العامل على الشهادة الصحية والاعتمادات المهنية اللازمة، وضمان الوصول إليه عند الحاجة، وهذه المراكز المعتمدة يمكنها أن تقوم بتسجيل العمالة من خلال الموقع الإلكتروني لهيئة تنظيم سوق العمل.
{{{
وإذا كان إلغاء التصريح المرن سيمثل انفراجةً في سوق العمل والشارع التجاري، فإن أمر سمو ولي العهد رئيس الوزراء بإلغاء رسوم استرداد كلفة البنية التحتية المرتبطة بإصدار رخص البناء، ووضع الحلول التمويلية لتوفير البنية التحتية في المناطق الجديدة وعند إصدار مخططات التقسيم، جاء ليحمل أخبارًا سارة إلى الشارع العقاري وقطاع المقاولات، وسيشكل دفعةً كبيرة لهذا القطاع الحيوي.
القرارُ جاء كاستجابةٍ لمرئيات رفعها القطاعُ العقاري بشأن تلك الرسوم والتي أدّت خلال السنوات الماضية إلى تباطؤ الحركة العقارية في المملكة، وهو الأمر الذي أثّر سلبًا في النمو الاقتصادي بالنظر إلى محورية السوق العقارية وأهميتها في الاقتصاد الوطني.
ويشكل القرارُ بارقةَ أمل لمتوسطي وصغار المطورين بحيث ستمثل لهم حافزًا للإسراع في بدء مشاريعهم وإنجازها، كما ستخفض الكلفةَ على المستفيد النهائي من الوحدات العقارية المباعة، أي إن المواطن سواء كان مطورًا عقاريًّا أو مشتريًا كان في صلب خاطر متخذ القرار.
{{{
أحد أهم مخرجات زيارة سمو ولي العهد رئيس الوزراء لغرفة التجارة، هي توجيه سموه إلى الجهات الحكومية المعنية بعرض الفرص الاستثمارية لشراكة القطاع العام مع القطاع الخاص في كل القطاعات، وهو الأمر الذي يعكس إيمانا صادقا من الدولة بأهمية القطاع الخاص في نهضة الوطن، وهو الدور المنوط به كقطاع وطني يجب أن تتوافقَ خططُه مع توجهات المملكة بقيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم.
والكرةُ الآن في ملعب الجهات الحكومية التي عليها أن تبادرَ بطرح مزيدٍ من فرص الشراكة الحقيقية مع القطاع الخاص، للاستفادة مما يمتلكه من قدرات وإمكانيات تؤهله لتوفير الخدمات الحكومية بطرق أكثر سلاسة ويسر، بما يسهم أيضا في جذب مزيد من الاستثمارات المباشرة في هذه المجالات، وبما يعزز من البيئة التنافسية لمملكة البحرين على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
{{{
في آخر تقرير لصندوق النقد الدولي سبتمبر الماضي وصف الأوضاعَ الاقتصاديَّةَ العالمية بأنها تعيشُ أزمةً فوق أزمة، مؤكدا أن جائحةَ كوفيد-19 والحربَ في أوكرانيا وجَّهت ضربةً قاصمةً إلى الاقتصاد العالمي، لذا فإن التكامليَّةَ بين القطاع العام والقطاع الخاص في مملكة البحرين لم يعد ترفًا بل هي ضرورة حتمية من أجل مواصلة الإنجازات لصالح الوطن والمواطن الذي ينشدُ المعيشةَ الكريمة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك