زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عندما يتعلق الأمر بالمبدأ والأخلاق
كتبت ربما قبل سنوات هنا عن الشاب البريطاني كريستوفر روتشستر الذي سقط من شرفة فندق في جزيرة يونانية، عندما فقد توازنه، وكان شقيقه معه ساعة وقوع الحادث وقام بنقله على الفور إلى مستشفى الجزيرة، وهناك وضع ثلاثة أطباء كرستوفر على نقالة و(ركنوه) في أحد الممرات قرابة أربع ساعات حتى أسلم الروح، وطوال أكثر من عشر سنوات ظلت بام كمنغز والدة كرستوفر تسافر ما بين وطنها بريطانيا واليونان بعد ان رفعت دعوى القتل غير العمد على الأطباء الثلاثة، وأدانت المحكمة الابتدائية ثلاثتهم ولكن محكمة الاستئناف برأتهم، ولم تيأس الأم المكلومة ولجأت إلى المحكمة العليا التي أصدرت حكمها بالإدانة القاطعة بالتسبب في موت كريستوفر، بإهمال حالته، وقضت بسجنهم، ومن ثم حرمهم المجلس الطبي اليوناني من ممارسة مهنة الطب.
والخطأ وارد في جميع المهن، فالمحامي قد يودي موكّله في داهية لأنه لم يدرس القضية جيدا، وحتى القضاة قد يصدرون أحكاما خطأً، ومن هناك تدرج في النظام القضائي، ومن حق طرفي أي قضية تصعيدها بعد صدور الأحكام من المحكمة الابتدائية إلى محكمة الاستئناف العليا، التي قد تقول صراحة إن قاضي محكمة ما كان على خطأ عندما قضى بعقوبةٍ أو براءة، والأطباء العرب غير منزهين عن الخطأ، ولكنني لم أسمع أو اقرأ عن طبيب عربي تم تجريده من رخصة ممارسة الطب بسبب خطأ ارتكبه، يعني عندما يتم إنصاف ضحية الخطأ الطبي في بلداننا، فإن ذلك يكون بفرض غرامة على المخطئ (قد لا تزيد على إيرادات الطبيب او المستشفى الذي يعمل فيه في يوم واحد)، ومازلت أذكر حالة تلك السيدة السودانية التي كتبت عنها العديد من الصحف، عندما دخلت المستشفى للولادة بعملية قيصرية، وفوجئت بعد خروجها بأنهم استأصلوا رحمها بلا مبرر (أي خطأ جراحي) وبدون الاستئذان منها أو من زوجها، وبعد جرجرة في المحاكم، في قضية اعترف فيها الجراح نفسه بأنه لم يكن هناك مبرر لاستئصال الرحم، نالت تلك الزولة تعويضا قدره ما يعادل ثلاثة آلاف دولار (هذا المبلغ نظير حرمانها من الأمومة إلى الأبد).
في بريطانيا أصدرت السلطات التعليمية قرارا بحرمان مدير مدرسة من التدريس والعمل الإداري في مجال التعليم مدى الحياة. هل اعتدى على طالب باليد أو اللسان؟ لا!! هل صدر عنه سلوك غير لائق تجاه طالب أو طالبة؟ لا!! هل أثبت فشله كمدير مدرسة؟ بالعكس كان مديرا ناجحا ومدرسته تحرز نتائج متقدمة على مستوى بريطانيا كلها، طيب ما هو الجرم الذي ارتكبه ليفقد إلى الأبد مهنته التي أمضى فيها ثلاثين سنة؟ كان يقود سيارته بسرعة جنونية وصدم مواطنا وأصابه بالشلل الرباعي.
في بلداننا هذا حادث مروري «والسلام»، ولكن بالنسبة إلى السلطات التعليمية في بريطانيا كان الحادث المروري دليلا على أن الرجل الذي يستهتر بحياة الآخرين لا يمكن ان يؤتمن على تنشئة الصغار. ولهذا جاءت مقولة إن في الغرب مسلمون بينما لا يوجد فيها إسلام، وفي بلداننا يوجد الإسلام ولا يوجد مسلمون (بمعنى من يعملون بهدي وروح الإسلام وما يقتضيه من إنصاف المظلوم وإنزال العقوبة على المخطئ حتى لو كانت فاطمة بنت أشرف الخلق عليه أفضل الصلوات والتسليم).
أعود إلى حكاية بام كمنغز والدة الشاب كريستوفر الذي مات نتيجة للإهمال الطبي في اليونان، فقد كسبت القضية في المحكمة الابتدائية ضد ثلاثة أطباء، ولكن محكمة الاستئناف ألغت ذلك الحكم، ولكن بام لم تستسلم ولجأت الى المحكمة العليا ونالت حكما بإدانة الأطباء، وفي سبيل كل ذلك سافرت ما بين وطنها بريطانيا واليونان 24 مرة خلال عشر سنوات، ثم رفعت قضية مدنية نالت بموجبها تعويضا بمئات الآلاف من الدولارات تبرعت بها كلها لجمعية خيرية يونانية، فقد كان الأمر بالنسبة إليها أمر مبدأ وأخلاق، وكما قالت: كي لا يروح شاب آخر نتيجة الإهمال كما حدث لكريستوفر... أمر مبدأ وأخلاق، وليس ثأرا أو انتقاما أو طلبا للمال!!
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك