هل هناك شاعر عظيم أم قصيدة عظيمة. نلاحظ أن كبار الشعراء المعروفين عبر التاريخ أنهم شعراء عظماء تشتهر لهم قصيدة أو قصيدتان أو ربما أكثر قليلًا، على الرغم من أنهم كتبوا آلاف القصائد. فعندما نتوجه إلى العراق -وطن الشعر الأول- ونتذكر مثلًا محمد مهدي الجواهري تقفز إلى ذاكرتنا قصيدته الشهيرة: «نامي جياع الشعب نامي.. حرستك آلهة الطعام». وعندما نتذكر محمد صالح بحر العلوم تقفز إلى ذاكرتنا قصيدة «أين حقي» وعندما نتذكر بدر شاكر السياب نتذكر على الفور قصيدته الشهيرة «أنشودة المطر». وإذا جئنا إلى شاعر الشعب الكبير مظفر النواب نتذكر «وتريات ليلية» و«الريل وحمد» أو ربما «ليل البنفسج». وإذا اتجهنا إلى مصر وتذكرنا صلاح عبدالصبور نتذكر فورًا قصيدته الشهيرة «الظل والصليب» التي تقول:
هذا زمان السأم
نفخ الأراجيل سأم
دبيب فخذ امرأة ما بين إليتي رجل سأم..
لا طعم للندم....
. أما إذا عرجنا على الشاعر الأجمل أمل دنقل تقفز إلى ذاكرتنا فورًا قصيدته الشهيرة «لا تصالح» التي تقول:
لا تصالحْ!
..ولو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
ثم أثبت جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تشترى..»
وإذا توجهنا الى اليونان، نتذكر بعمق هوميروس الشاعر الإغريقي وملحمته الخالدة «الإلياذة» التي تحكي عن حرب طروادة وملحمته الثانية الخالدة «الأوديسة».
ولماذا نذهب بعيدًا، فالكثير منا ربما يتذكر ملحمة جلجامش العظيمة والتي تحدث فيها عن مغامرات أحد ملوك أوروك في غابر الأزمان وهو جلجامش، الذي أُشتهر سواء بالنسبة إلى مآثره التي حققها أو للصعوبات التي تغلب عليها. وتؤكد لائحة الملوك السومريين أن مدة حكم جلجامش امتدت قرابة 127 سنة، وعلى هذا النحو يكون خامس ملك في السلالة الأولى مباشرة بعد الطوفان فمن الممكن إذًا أن يكون الملك جلجامش قد لعب بالفعل دورًا مهما في مدينة أوروك حوالي القرن الثامن والعشرين قبل الميلاد. يصف وول ديورانت جلجامش ويقول:
«هو طويل القامة، ضخم الجسم، مفتول العضلات، جرئ مقدام، جميل يفتن الناس بجماله.. لا يماثله أحد في صورة جسمه.. يرى جميع الأشياء، ولو كانت في أطراف العالم.. كان كل شيء وعرف كل شيء.. واطلع على جميع الأسرار.. واخترق ستار الحكمة الذي يحجب كل شيء.. ورأى ما كان خافيًا.. وكشف الغطاء عما كان مغطى.. وجاء بأخبار الأيام التي كانت قبل الطوفان.. وسار في طريق بعيد طويل.. كابد فيه المشاق والآلام.. ثم كتب على لوح حجري كل ما قام به من الأعمال».
إنها قصائد وملاحم خالدة على مر التاريخ مما نستنتج منها إنه ليس هناك شاعر عظيم بل قصائد عظيمة كتبها شعراء عظام، قصائد علقت بأعناق التاريخ، ربما إلى الأبد. إننا نكتب مئات القصائد لكننا سوف نكون محظوظين إذا تذكرنا التاريخ والناس بقصيدة أو قصيدتين. إنه الشعر أيقونة الكون، ونشيج الروح وأمل الفراشات.
Alqaed2@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك