المخرج طاهر محسن يقود الرِّيفيين نحو «الضفة الأخرى»
بعودته كانت الرسالة واضحة في بعدها المسرحي والإخراجي، وكانت جلية معطاء تركت لنا حرية العودة بالتنفس من جديد.. عبق المسرح الرِّيفي التَّدريبي الأكاديمي الاجتماعي الهادف، فهو الفنان الرِّيفي المعلِّم «طاهر محسن» الذي يهفو إليه كل عشاق المسرح وتدرب على نهجه وطرقه وأساليبه التعليمية عدد كبير من شباب المسرح، فهو بمثابة «المُوَلد» الذي بتواجده ونفسه تتفجر الطاقات الشبابية إبداعاً والتفافاً ونهوضاً.
الفنان طاهر محسن مخرج ريفي له «كاريزما» خاصة به جدا وله صولة وجولة، تشبث بفكره وفنِّه وقدم لمسرح أوال العريق بالمنامة العديد من العروض النوعية الناجحة والمبتكرة وورشا متميزة درّب من خلالها الشباب الهاوي العاشق للمسرح في مسرحي الريف وأوال وأيضا لفريق البيرق المسرحي من ذوي الإعاقة أو لفرقة السلطنة للثقافة والفن بصلالة العمانية، كما حصد الكثير من الجوائز، لعل آخرها مسرحية «سالفة بايق» لذوي الإعاقة التي عرضت ضمن العروض المتنافسة في المهرجان المسرحي الخليجي الخامس في دولة الكويت عام 2019 لذوي الإعاقة وحصدت سبع جوائز، منها: المركز الثاني لأفضل عرض متكامل وجائزة أفضل إخراج وأفضل ديكور للفنان الريفي حسن حمد.
لا يمكنني أن أتناسى إبداعاته مع شباب الريف في مجال التدريب والإخراج في مسرحيتي «المطحون» التي كتبها الفنان حسن أبو حسن وأنتجها مسرح الريف في 2007 ومسرحية الأطفال «فلة المسحورة» التي كتبها الفنان علي سلمان وأنتجها مسرح الريف في منتصف ديسمبر 2009 بمناسبة العيد الوطني، وكذلك العديد من المسرحيات، منها: مسرحيتا «الجوع «و» صافع مصفوع» اللتان أنتجهما نادي اتحاد الريف الثقافي والرياضي وفازتا بالمركز الأول قبل إشهار المسرح في 18 يونيو 2005.
السعادة والحيوية تنعشان مسرح الرِّيف من جديد وتدبُّ فيه الحركة الفنية حيث نرى المخرج فارس المسرح الريفي الفنان طاهر محسن يشع بريقه، فهو يعكف حاليا على التدريب لتقديم المسرحية الاجتماعية الشعبية «الضفة الأخرى» التي ستعرض في شهر أغسطس 2022 في الصالة الثقافية بالمنامة، نجده يقود الفنانين الريفيين مخرجاً بعد انقطاعه عن ممارسة الإخراج لمسرحه الريفي من فترة طويلة. وهذه المسرحية من تأليف الكاتب والمخرج المسرحي والممثل حسين العصفور، كما يتفاعل مع المخرج والممثلين الفنان جاسم العالي بصفته المخرج المساعد له، فأراه يعمل جاهداً على ترسيخ الحركة التي رسمها المخرج وتثبيتها والتطوير من أداء الممثلين ومراقبة المشهد والتواصل مع الممثلين.
وحول مسرحية «الضفة الأخرى» التي يعكف الفنان طاهر محسن على إخراجها حالياً في مقر مسرح الرِّيف بمركز تمكين شباب دمستان حضرتُ مستمتعاً ومتذوقاً لفنه ومستبشراً برقي ونهضة مسرح الريف في السنوات القادمة، وأتوقع أن يتفاعل معه رفاقه المخرجون المسرحيون الرِّيفيون: الفنان حسين العصفور والفنان حسن منصور والفنان جاسم العالي والفنان جاسم طلاق والفنان محمد الحجيري والفنان علي سلمان والفنان أحمد بن علي والفنان علي مرهون والفنان علي عادل والفنان عبدالحسين مرهون وجعفر البصري ومصمم الديكور السينوغرافي وكذلك الفنان حسن حمد في تصميم الدِّيكور والسينوغرافيا والفنان الرائع حسن المحاري تصميم الموسيقى وتأثيرات الموسيقى الدرامية اللتين دائما ما يشار إليهما بالبنان في كل محفل.
طرحتُ على المخرج المسرحي النيِّر طاهر محسن بعضاً من الأسئلة حول تصديه مخرجاً لعرض الرِّيف القادم «الضِّفة الأخرى» وبعد توقف تدريباته الشَّاقة الممتزجة بالتفاعل والإيقاعات الأدائية التي كانت تعبر عن حالة الممثلين الشعبية التراثية على الخشبة، وهم في قريتهم البائسة النائية، يعانون من العتمة والظلمة وكلهم في انتظار النور المنبثق من الشمس التي لم يروها منذ سنوات. فطلبت منه أن يزودني بأسماء الفنانين الممثلين المشخصين لأحداث المسرحية، فقال مبتسماً: وقع اختياري على عدد من الفنانين منهم: عقيل الماجد رئيس مجلس الإدارة والفنان حسن العصفور والفنان حسين العصفور والفنان علي بدر والفنانة بدرية الملاح والفنانة نورة عبدالعزيز والفنان علي مرهون والفنان عبدالحسين مرهون والفنان علي محسن والفنان أحمد بن علي والفنان جعفر البصري، والمجال أيضا مفتوح لتدريب بعض الشباب من مسرح الريف على تشكيل وتصميم لوحات تعبيرية تعمق الحدث في العرض المسرحي.
بادرته قائلاً: أنت مخرج أكاديمي متمكن من أدواتك الفنية والتقنية للعرض المسرحي وأخرجت الكثير من العروض المسرحية وأبدعت فيها وحصدت الكثير من جوائز، فما سرُّ انجذابك لهذا النَّص المسرحي دون غيره؟
فأجاب: هذا السؤال جميل ورائع.. صحيح من الصعب أن نجد نصاً مسرحياً يلبي الكثير من الأفكار والهموم التي من خلالها تعبر عن مجمل القضايا التي نعاصرها ونتعايشها، لذا لا بد أن نقوم بعملية ملائمة وهي تغذيته بالأفكار التي ننوي تحقيقها، وأحيانا نجد نصوصاً مسرحية رائعة وصالحة لكل زمان ومكان وبعضها قد يعيد الزَّمن نفسه في الكثير من النصوص وخاصة العالمية منها، ولكن عندما نجد نصا مسرحيا يحمل في مشاهده الهمّ المشترك فمن الممكن أن يثير فينا نقاشا مع المؤلف الذي نعاصره، فيمكن أن يفتح أمامنا أفقا من الأفكار التي نتكئ عليها، وقد نستفيد من التجارب المسرحية الأخرى، تلك الأفكار عندما تصاغ وتوضع في بيئةٍ نتحمس لها، وقد مررت بالكثير من النصوص وقدمتها عروضاً ناجحة أعتز بها كثيراً، منها: مسرحية «الحارة السفلى» للكاتب العماني الجميل بدر الحمداني، وكذلك في نص مسرحية «الضفة الأخرى» حيث وجدته بيئة صالحة مكتنزة بالمشاعر والهموم يحمل طابعا شعبياً يستطيع أن يمرر الكثير من الرسائل ويطرح الكثير من الأسئلة الحاضرة من الوهلة الأولى، ولهذا أنا أبحث من خلال هذا العرض عن مفتاح السؤال الذي لا يتوقف من الدقيقة الأولى، كما أن فكرة النص التي تدور حول قرية نائية بائسة لا تظهر فيها الشمس منذ أن صار الكسوف لها قبل ثلاثين سنة أو أكثر فكرة غير منطقية، لكنني من خلال العرض لديّ القدرة على جعلها منطقية بحلول إخراجية، وذلك عن طريق تقديمها بطابع شعبي في حالة رمزية وتكون البيئة هي السؤال وأي سؤال يفتح عالما من الأسئلة.. لذا وجدت هذا النص محفزاً لي وقد استثارني وهو سرّ انجذابي له.
سألته: إن عالمنا المعاصر مليء بالقضايا والأحداث الساخنة، فما مدى تعلقك بمدلولاته التشخيصية لواقعنا المعاصر في هذه المسرحية من وجهة نظرك؟
أشار المخرج طاهر في إجابته إلى «معادلة» العلاقة بين الجمهور والعرض المسرحي.. فقد كان النَّص والعرض المسرحي معنيين بأحداثنا متشكلين بالهموم والأحداث وقريبين من القضايا المعاصرة الحادثة أو الآنيَّة بشكل غير مباشر كلما كان العرض المسرحي ملاصقا للجمهور ومتعلقاً به ومتفاعلا معه لا ينفصل عنه ولا يشكل له حاجزاً من البداية، فالعرض المسرحي يجب أن يبنى على الهمّ العام حتى يحفز المشاهد المتلقي على التفاعل مع الأحداث، ليتمكن كمشاهد من تخيله وحلمه، وهنا قد يثير المشاهد أسئلته ويتشاكس مع أحداثه، ولكن يجب أن تكون الشخصيات من واقعنا بعيدة كل البعد عن الطرح المباشر، وحبذا أن يقدم العرض بحالة رمزية، لكن دون الرمزية المباشرة التي أحياناً تنحرف لها معظم العروض وتسبب انغلاقا تاما عند المتلقي ليدخل في حالة سوء الفهم أو في الجانب المباشر المقيت الذي لا يتقبله العقل، ولذا أعتقد أن على المخرج أن يقدِّم عروضاً تحمل عمقاً ودلالات وأبعادا وأيضا مدلولات تهمُّ المشاهد.
وحول التَّدريبات وجدت أن المسرحية واقعية تدور أحداثها في بيئة شعبية.. سألته: لماذا ابتعدت بها عن اللهجة الشعبية الدارجة؟ وتصرُّ على أن تكون لغة الحوار باللغة العربية الفصحى فما السر وراء ذلك؟!.. استرسل مبتسماً فقال: ليس الشَّرط أن آخذ البيئة الشعبية بجميع مكوناتها إلا إذا قصدتُ حالة التوثيق، فحالة التوثيق للقرية مثلا تتطلب الذهاب إلى فترات زمنية، فمثلا في الأربعينيات تتطلب لهجة دارجة ويتطلب لذلك أيضاً ديكورا لتلك الفترة وتفاصيل، ولكن من خلال هذا العرض أنا بصدد تقديمه معاصراً فكراً وروحاً وإسقاطاً، ويجب أن أقدم العرض بصورة تتناسب مع الفكر وتلك المدلولات التي من خلالها تطرح السؤال وتكون الجملة الحوارية ذات عمق واللغة العربية الفصيحة، وإن تداخلت مع الحالة الشعبية التي تزخر بالموروث وبالكلمات فستكون أكثر إثراء، كما أنها ستقدم للجمهور العام لكي يمكنني أن أمرر رسائل ليس المقصود بها الوضع في مجتمعي مثلا أو المجتمعات القريبة وإنما أحاكي بها أمتنا كاملة أو ما يدور في خلد أي شخص على أي بقعة في الكرة الأرضية لتكون الحالة والمحتوى أشمل وأعمّ.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك