يوما بعد آخر تتأكد وتترسخ أهمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر في إرساء دعائم التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي والبناء والاستقرار المجتمعي، لا بل إن فاعلية السياسات الاقتصادية والمالية أصبحت تقاس بمدى أثرها الإيجابي على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، فمثلا من عوامل النجاح والقبول الواسع للتكنولوجيا المالية أنها وضعت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر في واجهة اهتماماتها. كما أن السياسات الاجتماعية الهادفة إلى القضاء على البطالة والتوسع في التشغيل لا يمكن أن تحقق مبتغاها إلا من خلال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، فهي تمثل مجتمعا مترامي الاطراف متنوع الاهتمامات، متعدد التقنيات، يبدأ من البيت وينتهي في عالم الفضاء، ينطلق من الواقع ويخترق الطموح عبر المشروعات الريادية والإبداعية سواء كانت فردية أو جماعية، لاسيما أن المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الرسمية منها وغير الرسمية أكثر من 90% من جميع الشركات في العالم، كما أنها توظف 70% من إجمالي العمالة وتنتج 50% من إجمالي الناتج المحلي. وبذلك، فهي جهات فاعلة في البنية الاقتصادية لمختلف دول العالم.
ولأهمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة فقد خصصت الأمم المتحدة يوم 27 يونيو من كل عام للاحتفال بها، ومراجعة الحوافز والتسهيلات والدعم الذي تقدمه حكومات دول العالم لقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ولا تختلف مملكة البحرين عن دول العالم الأخرى في اهتمامها بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فقد بذلت جهودا كبيرة للنهوض بواقعها، ووفرت لها قدرا واسعا من الدعم في مجالات التنظيم والتمويل والإرشاد، وسعت حكومة البحرين في ظل تداعيات جائحة كورونا وبالتعاون مع غرفة تجارة وصناعة البحرين، وجمعية البحرين لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وصندوق العمل (تمكين) إلى إيجاد أفضل توليفة من الحوافز المالية والتنظيمية لإسنادها ومنعها من الانهيار، فمثلا تمكن صندوق السيولة من ضخ تسهيلات تمويلية لدعم الشركات بقيمة إجمالية بلغت (176.8) مليون دينار بحريني منذ إطلاقه خلال الملتقى الحكومي عام 2019 حتى أواخر شهر يناير 2021، بتوجيه من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الموقر، خصص ما نسبته 85% من تلك التسهيلات للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، حيث يمثل التمويل العقبة الرئيسة التي تواجه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتحد من تطورها، بالإضافة إلى تأجيل أقساط القروض المستحقة عليها، وبما خفف من تداعيات جائحة كورونا عليها. ليس هذا فحسب، بل سبق أن أمر صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله ورعاه، بتخصيص محفظة استثمار قيمتها (100) مليون دولار أمريكي لدعم وتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المملكة عام 2016، للتخفيف من معاناة مئات إن لم يكن ألوف المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي كانت تواجه مشكلات تمويلية مؤثرة، كما أسهمت غرفة تجارة وصناعة البحرين وبالتعاون مع تمكين في الثاني عشر من ابريل 2017، بإطلاق محفظة مالية مشتركة بحجم (300) ألف دينار بحريني لتقديم منح للمؤسسات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر المتعثرة، وذلك في إطار مسؤولية الجهتين تجاه دعم ومساندة القطاع الخاص ورفع مساهمته في الاقتصاد الوطني، وضمن مبادرات معالجة مشاكل أصحاب الأعمال المتعثرين، واستشعارا من هاتين المؤسستين الوطنيتين بالأهمية الكبيرة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال دورها في بناء القدرات الإنتاجية الوطنية، واستيعاب الموارد الإنتاجية المتاحة لاسيما البشرية ورفع كفاءة تخصيصها، وفي اسهامها بإرساء نظم انتاجية تتسم بالديناميكية والمرونة، وتدعم تطور نمو روح المبادرة، وتوفر بيئة ملائمة للمنافسة الإيجابية، لذا فإن تعثر عدد كبير منها يؤثر سلبا على تلكم الأهداف ويؤدي إلى ضياع رؤوس الأموال الوطنية المستثمرة فيها، فضلا عما يقود إليه من ارتباك في سوق الاستثمار الوطني، واليوم في ظل مرحلة التعافي الاقتصادي وفي إطار استراتيجيات تطوير القطاعات الاقتصادية للمملكة، يؤمل أن تلعب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة دورا فاعلا وبما ييسر انطلاقة جديدة من النمو السريع للاقتصاد الوطني البحريني، وخاصة أن التقرير العالمي لمنظومات المؤسسات الناشئة يشير إلى ارتفاع تصنيف مملكة البحرين إلى أكثر عشر بيئات حاضنة للأعمال الناشئة (Startup Ecosystem) في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعام 2022 من حيث توفر التمويل إضافة إلى وجود الكفاءات المحلية ذات الخبرة.
وفي هذا العام تستعد جمعية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بمملكة البحرين لتنظيم المؤتمر السنوي لليوم العالمي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر وللمرة العاشرة، وبرعاية كريمة من سعادة زايد بن راشد الزياني وزير الصناعة والتجارة.
نأمل أن يكون هذا المؤتمر محطة تحول كبرى في دعم وتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر بأفق تقني يحاكي التطورات العلمية والتقنية والفكرية والتمويلية الراهنة والمستقبلية.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك