مسافات

عبدالمنعم ابراهيم
«أوروبا» تدفع ثمن التحالف الأمريكي–البريطاني ضد روسيا
إذا لم تخرج (أوروبا) من عباءةِ الحلفِ (الأمريكي–البريطاني)، ليس فقط فيما يتعلقُ بالحربِ في أوكرانيا، ولكن في الخروج من هذا الحلفِ في ملفاتٍ سياسيَّةٍ وعسكريَّةٍ كثيرةٍ في العالم، أبرزهما الموقفُ من الصين وروسيا، إذا لم تخرج أوروبا من هذا الحلفِ فإنها سوف تدفعُ أثمانًا باهظةً جداً، خصوصا في المجالِ الاقتصادي والصناعي والمعيشي للمواطنين الأوروبيين أيضا، ويمكن ملاحظةُ هذه المتغيراتٍ السلبيَّةِ التي حلَّت على أوروبا بعد أن استجابت قيادتُها في (الاتحادِ الأوروبي)، وأيضاً في (حلف الناتو) بشكلٍ عمياني للعقوباتٍ الاقتصاديَّةِ والتجاريَّةِ والماليَّةِ التي فرضتها أمريكا وبريطانيا على روسيا على خلفيةِ الحربِ في أوكرانيا، حيث استجابت (أوروبا) لحزم تلك العقوبات ضد روسيا وهي في حاجةٍ ماسةٍ إلى الطاقةِ الروسية.. فكيف تعاقبُ (دولةً) أنت بحاجةٍ إليها اقتصاديًّا؟! وذهبت دروسُ علمِ السياسةِ في (البرجماتية) أدراجَ الرياحِ حين رضخ (الاتحادُ الأوروبي) لعقوبات الحلف (الأمريكي–البريطاني) ضد روسيا، وأصبح تعبيرُ (كمن يطلق النار على قدميه) هو الشائعُ حاليًا في وصف موسكو للاتحاد الأوروبي، لأن القادة الأوروبيين لم يأخذوا بعين الاعتبار مصالحَ شعوبِهم المعيشيَّة، ولا حتى مصالح الشركات والمصانع والبنوك الأوروبية، ووضعوا الأولويةَ لرغبات (واشنطن) في تصفية الحساباتِ ضد روسيا في الأزمةِ الأوكرانية!
أوروبا التي طالما تفاخرت سياسيًّا بأنها تملكُ مدنًا نظيفة غير ملوثة، وأنها تفكر دائماً في الاعتماد على مصادر صديقة للبيئة كالطاقة الهيدروجينية بدلاً من النفط والغاز، أصبحت الآن بفضل الانقيادِ الأعمى إلى أمريكا وبريطانيا تبحث عن التزودِ بالفحم كمصدر للطاقة، وهي تعلمُ أن (الفحمَ) هو الأكثرُ تلويثًا للبيئة من النفط والغاز!
وبحسب (سكاي نيوز) سارع أكبرُ مشترٍ للغاز الروسي في أوروبا إلى إيجادِ إمدادات وقود بديلة، وسط احتمالات بأن تتجهَ دولُ القارةِ الأوروبية إلى حرقِ المزيد من الفحم للتغلب على نقص تدفقات الغاز الروسي، ما يهدد بأزمة طاقة في الشتاء إذا لم يتم إعادة ملء المخزونات.. وأشارت ألمانيا والنمسا وهولندا إلى أن محطات كهرباء تعملُ بالفحم قد تساعدُ أوروبا في اجتيازِ الأزمة التي أدت إلى زيادة حادة في أسعار الغاز، وتضاف إلى التحدي الذي يواجه صانعو السياسات في محاربة التضخم.
وقالت ألمانيا إنها قد تعيد تشغيل محطات كهرباء تعمل بالفحم كانت تهدف إلى التخلص منها تدريجيًّا! ونقلت وكالةُ (رويترز) عن وزارةِ الاقتصادِ الألمانية: (إن إعادةَ تشغيل محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم قد تضيف سعة قدرها 10 غيغاوات في حال وصلت إمدادات الغاز إلى مستويات حرجة، ومن المنتظر أن يناقشَ المجلسُ الأعلى بالبرلمان الألماني قانوناً مرتبطاً بهذا التحول في شهر يوليو المقبل.
وفي النمسا اتفقت الحكومة مع شركة (فيد باند) للمرافق يوم الأحد الماضي على تحويل محطة للكهرباء تعمل بالغاز إلى استخدام الفحم إذا واجهت البلاد وضعاً طارئاً للطاقة.. وفي (هولندا) قالت محطة تلفزيون (إن. أو. إس) نقلاً عن مصادر حكومية: «إن محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في البلاد، سيسمح لها بزيادة الإنتاج للمساعدة في تقليل الاعتماد على الغاز الروسي»!
هذا ما حصدته أوروبا من انجرافها غير المدروس للعقوبات الأمريكية–البريطانية ضد روسيا في مجال الطاقة، وهناك مجال آخر لا يقل سوءا عن ذلك، سوف يتحملها المواطنُ في أوروبا وتتمثل في خروج مارد (التضخم) الاقتصادي من القمقم، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والحبوب والزيوت وارتفاع أسعار بنزين للسيارات وغيرها، حيث قال كبير الخبراء الاقتصاديين بالبنك المركزي الأوروبي (فليب لين): «إن تضخماً قياسياً مرتفعاً في منطقة «اليورو» يثير مخاطر بتغذية «سيكولوجية التضخم».. في إشارة إلى ظاهرة يعدّل فيها المستهلكون والشركات عاداتهم مع توقعهم ارتفاع الأسعار.. وما أن تترسخ سيكولوجية التضخم فإن المستهلكين يسارعون إلى الإنفاق للتغلب على الزيادة في الأسعار، بينما تبدأ الشركات في رفع الأسعار متوقعة ارتفاع التكاليف.. وهذان السلوكان كلاهما يطيلان أمد التضخم.. وأبلغ (فليب لين) في اجتماع لخبراء اقتصاديين في لندن: «لدينا معدلات تضخم مرتفعة جداً الآن.. ومن الواضح أننا قد نكون في عالم بدأت فيه سيكولوجية التضخم بالترسخ».
لكن الضريبة الأكبر حقاً التي سوف تدفعها أوروبا والشعوب الأوروبية، ليس فقط في الطاقة والتضخم الاقتصادي، وإنما حين تجر واشنطن ولندن أصحاب القرار السياسي في (الاتحاد الأوروبي) إلى التحرش العسكري المباشر بالجيش الروسي خارج حدود أوكرانيا، وبالتالي احتمال اندلاع مواجهة عسكرية (روسية–أوروبية) على الأراضي الأوروبية وليس على الأراضي البريطانية أو الأمريكية! ويمكن ملاحظة بداية هذا التحرش في الزج بدولة صغيرة مثل (ليتوانيا) عضو في الاتحاد الأوروبي لفرض قيود على بعض البضائع التي تمر عبرها إلى مدينة (كالينينجراد) الروسية تنفيذاً للعقوبات الأوروبية على روسيا! وقد هددت (موسكو) باتخاذ إجراءات صارمة ضد (ليتوانيا) إذا لم تفتح المسار أمام القطارات المتكدسة في الأراضي الليتوانية، ويحتاجها الشعب الروسي في «كالينينجراد».
إن اندلاع حرب (روسية–أوروبية) أمر وارد جداً، خصوصا بعد طلب السويد وفنلندا الانضمام إلى حلف الناتو، وانتهاء دورهما كدول أوروبية محايدة منذ عام 1945، لكن أوروبا والشعوب الأوروبية هم من سيكونون وقود تلك الحرب العالمية الثالثة القادمة.. هذا إن لم تخرج (أوروبا) سريعاً من عباءة الحلف الأمريكي–البريطاني، والذي يسعى إلى توريطها في كارثةٍ مأساوية بشعة تتجاوز بكثير ما سُمي بـ(سيكولوجية التضخم).. إنها (سيكولوجية الحرب) النووية القادمة.. وما أدراكم بويلاتها المدمرة للشعوب في العالم.
إقرأ أيضا لـ"عبدالمنعم ابراهيم"
- «جونسون» و«بايدن» مرشحان لفقدان السلطة قريبًا
- حلف أمريكا للدفاع الجوي.. إرضاء لإسرائيل وليس حماية للخليج
- أمريكا «لوّثت» ألمانيا باللجوء إلى الفحم بديلا عن الغاز الروسي!
- «جونسون» يهدر الأموال على «أوكرانيا» بينما البريطانيون يعانون من التضخم!
- ازدواجية الحكومة البريطانية في ترحيل اللاجئين.. و«أسانج»
- 20 ألف مرتزق بينهم 3 آلاف بريطاني يقاتلون مع أوكرانيا ضد روسيا!
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك