هوامش

عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
الرياضة فرع من فروع السياسة
في مايو الماضي، أوقفت اللجنة التأديبية لمؤسسة أخلاقيات الاتحاد الدولي للجمباز لاعب الجمباز الروسي إيفان كولياك مدة عام واحد بعد ظهوره وعلى قميصه حرف «زد» (الذي أصبح رمزا للعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا) أثناء تتويج الميداليات في بطولة كأس العالم للجمباز، وهي ليست الحالة الأولى التي يتعرض فيها رياضيون لإجراءات تأديبية بحجة «عدم تسييس الرياضة» حدث ذلك مع العديد من الرياضيين العرب الذين رفضوا مقابلة الرياضيين «الإسرائيليين» في بعض المسابقات الدولية، لكن تحريم تسييس الرياضة ينطبق فقط على الرياضيين الروس والعرب، فهم عرضة للتأديب والعقاب والحرمان، والصورة بالنسبة إلى المنتخبات الروسية في جميع الألعاب خير دليل على ذلك.
قبل أيام رفعت الأوكرانية ديانا بيترينكو علما برموز كتيبة «آزوف» القومية الأوكرانية المتطرفة خلال حفل توزيع الميداليات في بطولة الملاكمة الدولية للشباب في هنغاريا، لكنها قوبلت بالتصفيق والترحيب دون أن تتعرض لأي إجراء تأديبي من قبل الاتحاد الرياضي المنظم لهذه المسابقة، في تناقض صارخ وصريح لمواقف الاتحادات الرياضية الدولية من قضية تسييس الرياضة، بل ان هذه المواقف المتناقضة هي في حد ذاتها تسييس من جانب هذه الاتحادات.
الاتحادات الدولية لمختلف الألعاب الرياضية كشفت بكل وضوح عن افتقارها الاستقلالية ووقوعها تحت هيمنة، بل إدارة القوى الدولية المؤثرة، وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية، وهذا تجلى كثيرا خلال الأشهر الماضية حين انهالت القرارات العقابية ضد المنتخبات الروسية بعد إطلاق روسيا لعمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا في شهر فبراير الماضي، فحرمت من المشاركة في كأس العالم القادمة وحرمت أنديتها لمختلف الرياضات من المشاركة في المسابقات الدولية والقارية لتؤكد هذه الاتحادات أنها بالفعل جزء من المنظومة السياسية للدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية.
وبغض النظر عن الموقف السياسي من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فإنها تبقى وجها من أوجه الصراع السياسي بين الدول، سواء بين الدولتين (روسيا وأوكرانيا) أم بين روسيا وحلف شمال الأطلسي «الناتو» وأصدقائهم عبر المحيطات والبحار، ويفترض ألا تكون علاقة لهذه الأحداث بطبيعة ومهام الاتحادات الرياضية الدولية، فالخلافات السياسية بين الدول لن تنتهي، وما كان لهذه الاتحادات أن تزج الرياضة في هذه الخلافات، وهي (الاتحادات) التي طالما شددت في أكثر من مناسبة على ضرورة إبعاد الرياضة عن السياسة باعتبار اللعبة عامل تقريب وتوحيد بين الشعوب وليس العكس.
صحيح أن بعض الدول تتخذ مقاطعة ألعاب رياضية لأسباب سياسية، كما حدث مثلا مع دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في موسكو عام 1980 حين قادت الولايات المتحدة الأمريكية حملة لمقاطعة الدورة احتجاجا، كما ادعت واشنطن، على ما أسمته بالتدخل السوفيتي في أفغانستان عام 1979، ورد الاتحاد السوفيتي وحلفاؤه على ذلك بمقاطعة دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في مدينة لوس أنجلس الأمريكية عام 1984، فما حدث خلال الدورتين الأولمبيتين سالفتي الذكر له علاقة مباشرة بمواقف سياسية للدول التي قادت المقاطعة، وليس للجنة الأولمبية الدولية دور في ذلك، بل على العكس أصرت على إقامة الدورتين في موعديهما المحددين.
بالنسبة للدول فهي لا تتردد في تسييس الرياضة وغيرها من الأنشطة، وهو ما يتضح جليا بعد التطورات العسكرية والسياسية في القارة الأوربية، أي بعد العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، حيث لم تكن الرياضة وحدها هي ضحية التسييس بل انضم إليها الأدب والفن والثقافة والموسيقى، وهذا ليس بالجديد بالنسبة إلى الدول، أما أن تنخرط الاتحادات الرياضية الدولية، التي يفترض أنها تمثل جميع الشعوب والأمم، وعليها واجب جعل الرياضة جسرا يجمع الشعوب والأمم ولا يفرقها، إنما هي بذلك تنزع عن نفسها الثوب الرياضي وتدخل في المتاهة السياسية التي بكل تأكيد سوف تضعف من دور هذه الاتحادات على المدى البعيد وتزعزع ثقة الشعوب في صفتها.
التطورات الأخيرة تؤكد أن السياسة هي التي تهيمن على الرياضة وهي التي تسيرها لخدمة مصالح ومآرب الطرف القوي، فلم يعد لمفهوم «الرياضة جسر يربط جميع الشعوب» أي مصداقية، ولم يعد هناك أي معنى للتشدق بأهمية وضرورة فصل الرياضة عن السياسة، لأن الأحداث والتطورات أثبتت أنها مرتبطة بالسياسة، إن لم تكن فرعا من فروعها.
إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك