تواجه العديد من دول العالم تحديات جدية في قطاع توليد الطاقة الكهربائية وذلك بسبب متطلبات التنمية المعاصرة والزيادة المطردة في عدد السكان، ودول الخليج العربي ليست بمنأى عن هذه الصعوبات، فقد بلغ مقدار زيادة الاستهلاك للطاقة ستة أضعاف على ما كانت عليه سنة 1980م، وهذا أكبر معدل نمو للاستهلاك في العالم، ومما يعقد المشهد لهذه الدول وقوعُها في وسط مشحون سياسياً ما يجعل تأمين مصادر الطاقة هدفاً سيادياً، بالإضافة إلى كونه تنموياً في المقام الأول.
ولذلك فتنويع مصادر الطاقة نحو مصادر جديدة بخلاف المصادر التقليدية التي تعتمد على الغاز بشكل أساسي في منطقة الخليج العربي، أصبح هدفاً أكثر إلحاحاً من ذي قبل، حيث إنه يوفر استدامة الموارد النفطية ويسهم في بناء مزيج أكثر أماناً للطاقة، ويسهم في خلق فرص عمل حديثة، ويسهم في تقليل الاحتباس الحراري.
ولكن حينما نتكلم عن الطاقة الجديدة فهل نقصد الطاقة المتولدة من مصادر متجددة كالشمس والرياح؟ أم نقصد أيضاً الطاقة النووية؟
يعتقد بعض الباحثين أن الطاقة النووية يمكن أن تصنف كطاقة متجددة، وذلك لكونها طاقة نظيفة، وبالإمكان أيضاً إعادة تدوير مخلفاتها لتستعمل مرة أخرى. ولعل الرأي الأصوب هو ما تميل إليه الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، وهو أن الطاقة النووية لا يمكن أن تصنف طاقة متجددة لأنها تحمل بعض مخاطر، وهي كذلك -رغم كل محاولات إعادة التدوير-سوف تولد مخلفات.
ولهذا يكون من الأفضل أن تصنف الطاقة النووية طاقة جديدة وليست متجددة، وفي الوقت نفسه فكل طاقة متجددة هي بالضرورة طاقة جديدة، حيث إنها لا تولد من المصادر التقليدية للطاقة مثل الغاز والفحم.
وقد يكون أهم ما يميز الطاقة المتجددة هي قدرة مواردها على التجدد إلى أجل غير مسمى، ولها خمسة مصادر منتشرة في العالم، هي: الكتلة الحيوية، وطاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة المائية، والطاقة الحرارية الأرضية.
ورجوعاً إلى المشهد الخليجي نجد أن كل دول الخليج العربي -بلا استثناء- قد أطلقت مؤخراً مشاريع للطاقة المتجددة، وإن كان الاهتمام بهذه الطاقات قديمًا نسبياً في المنطقة، فقد قام معهد الكويت للأبحاث العلمية بالنظر في مصادر الطاقة المتجددة منذ السبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات، وقد خلص حينها إلى نتيجة مفادها أن تقنيات الطاقة المتجددة في ذلك الوقت ليست بالنضج الكافي ولا تمتلك المقومات الاقتصادية لتنافس المصادر التقليدية للطاقة، وهو الأمر الذي تبدل بشكل كبير في الآونة الأخيرة بسبب التطور التقني لهذه الصناعة.
وفيما يخص الطاقة النووية فقد قررت دول الخليج العربي في عام 2006م تطوير برنامج نووي مشترك، إلا أن أحداث مفاعل فوكوشيما الياباني في 2011 م تسببت في انسحاب كل من البحرين والكويت وقطر وعمان من هذا البرنامج، فيما استمرت الإمارات والسعودية في برامجهما النووية.
ومما ينبغي التنبه له -مع صعود هذه الطاقات الحديثة إلى منظومة الكهرباء في الخليج العربي- أن هناك فرقاً كبيراً بين أن تكون مشغلاً للتكنولوجيا، وأن تكون مالكاً لها، فعلى سبيل المثال: بناء المفاعل النووي يستغرق عدة سنوات، بينما بناء التكنولوجيا النووية تستغرق عشرات السنوات، وهذا ما نشهده الآن في المشروع الإيراني للطاقة النووية، فقد استغرق بناء هذا المشروع أكثر من أربعين سنة، وهي فترة تفوق عمر ما يسمى بالجمهورية الإسلامية، والأمر عينه ينطبق على الطاقات الأخرى، فهي تحتاج إلى بناء خبرات محلية وتهيئة للسوق المحلية لكي تكون على قدر المسؤولة، بالإضافة إلى رفع قدرة المشغلين لهذه الطاقات ليستفيدوا منها على أحسن وجه، ولمواجهة التحديات المختلفة التي تكون عادة مرتبطة ببيئة التشغيل وبطبيعة الشبكة الكهربائية.
مع كل ما ذكر آنفاً فإن هناك فرصة تاريخية لمنطقة الخليج لبناء منظومتها الحديثة للطاقة الكهربائية بحيث تكون متمحورة حول بناء صناعة الطاقة لا استيرادها فقط، وذلك عن طريق نقل المعرفة وبناء الكوادر المؤهلة عن طريق التعاون مع الدول المتقدمة.
ولا يمكن أن يتحقق هذا إلا بتبني استراتيجية وطنية يكون عمادها ربط هذه الصناعات بالبحث والتطوير في الجامعات والشركات المحلية، وتشمل كذلك برامج لتشجيع ريادة الأعمال في هذا القطاع الحيوي بحيث يكون وجهة للشباب الصاعد.
وينبغي كذلك الاستفادة من التنافسية في السوق العالمية لكسب المشاريع التي تتناسب مع خطط الدول الاقتصادية والسياسية كما فعلت دولة الإمارات حين تعاقدت مع كوريا الجنوبية لبناء مفاعلاتها النووية، فبالإضافة إلى كون كوريا الجنوبية ليس لها مطامع سياسية في المنطقة، فقد استفادت الإمارات من رغبة كوريا للتعريف بصادراتها في مجال الطاقة النووية، ولهذا كان المشروع تحت كلفة الخط الصناعي المتوسط بنسبة 20%.
{ خبير الطاقة المتجددة - مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة (دراسات)
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك