يشهد الحزب الجمهوري صراعات داخلية تدور أساسا حول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب و«الترامبوية». أما الصراع الدائر على الجانب الديمقراطي فهو يدور ما بين الجناح المعتدل والجناح الأكثر تقدمية في الحزب. يتجلى ذلك في شكلين متميزين.
يتمثل المظهر الأول في الصراع الدائر ما بين المرشحين الذين يسعون إلى توسيع جاذبية الحزب بعد ما أصبح يعرف بـ«قاعدته»، وأولئك الذين يعتقدون أن الطريق إلى النصر هو ببساطة يمر عبر توسيع نسبة الإقبال بين ذلك «التصويت القاعدي الأساسي».
كان ذلك واضحًا في ولاية بنسلفانيا، حيث كان الملازم جون فيترمان، وهو سياسي تقدمي مشهور، يخوض المنافسة ضد عضو الكونجرس الأمريكي المعتدل كونور لامب للحصول على مقعد في مجلس الشيوخ الأمريكي.
تتطابق أجندة فيترمان مع أجندة السناتور بيرني ساندرز، الذي يدعمه في معظم القضايا، باستثناء واحدة: فالأول لا يعارض التكسير الهيدروليكي، وهو تقنية حفر مثبتة تستخدم لاستخراج النفط أو الغاز الطبيعي أو الطاقة الحرارية الأرضية أو المياه من أعماق الأرض، علما بأن هذا الأسلوب التقني منتشر في الولاية.
تبدو شخصية السيد فيترمان مقنعة مثل سياسته التقدمية. يبلغ طوله أكثر من 200 سم وهو حليق الرأس كما يبدو أنه لاعب كرة قدم محترف أو مصارع أكثر من كونه سياسيًا. لديه أيضًا نهج مباشر وصريح يجذب الناخبين البيض من الطبقة المتوسطة، غير الحاصلين على تعليم جامعي، والذين تجاهلهم الديمقراطيون منذ فترة طويلة.
ومن الناحية الأخرى، يبدو السيد لامب مهذبًا ولبقا، كما أنه حذر جدًا. في الواقع، كان الموضوع الرئيسي لحملة السيد لامب أنه كان «أكثر قابلية للانتخاب» من السيد فيترمان.
فضل العديد من الديمقراطيين المؤسسين دعم السيد لامب، ذلك أنهم لا يزالون يعتقدون أن مزيجًا من الأجندة الاجتماعية الليبرالية ومغازلة ما يسمونه «تحالف أوباما» - الناخبات السود واللاتينيات والآسيويات والشابات والمتعلمات - هو الطريق إلى النصر.
نتيجة لذلك، خسر الديمقراطيون الانتخابات في ولايات الغرب الأوسط وسلموا الناخبين البيض من الطبقة العاملة للجمهوريين على طبق من الفضة. من ناحية أخرى، دافع السيد فيترمان عن تلك القاعدة الديمقراطية بينما كان يوسعها من خلال التأكيد للناخبين البيض أنه سيقاتل من أجلهم أيضًا، وقد فاز بشكل حاسم في الانتخابات التمهيدية بأكثر من ثلثي الأصوات.
وفي ولاية أوهايو المجاورة، استدرج ديمقراطي آخر، وهو عضو الكونجرس الأمريكي تيم رايان، ناخبي الطبقة العاملة وحقق نصرًا واضحًا. على غرار السيد فيترمان، أوضح تيم رايان أنه يتفهم مخاوفهم بشأن فقدان الوظائف والاضطراب الذي كانوا يعانون منه في ظل اقتصاد متغير ومتقلب.
سيواجه كلا السياسيين مرشحين معتمدين من ترامب في نوفمبر وفي حال فوزهما، فإن ذلك لن يساعد فقط في ضمان سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ، ولكنه سيثبت أيضًا أن سيطرة السيد ترامب والحزب الجمهوري على ناخبي الطبقة العاملة البيض يمكن كسرها - بشرط، بالطبع، أن ينتبه الديمقراطيون إليهم وإلى ما يحتاجون إليه.
هناك طريقة أخرى أكثر تعقيدًا يلعبها نقاش الديمقراطيين الداخلي التقدمي المعتدل هذا العام. تظهر استطلاعات الرأي الآن أن الديمقراطيين الأكثر ليبرالية لم يعودوا مرتبطين بإسرائيل. بينما تصر المؤسسة الديمقراطية على أن حزبهم موحد خلف حكومتها، فإن الديمقراطيين الليبراليين أكثر تفضيلًا للفلسطينيين ويشترطون المساعدة لإسرائيل.
لقد تجلت هذه الاتجاهات في عدد قليل من السباقات الانتخابية في الدورتين الانتخابيتين الأخيرتين، حيث هزم مرشحو الكونغرس التقدميون المزيد من المؤيدين الرئيسيين لدولة إسرائيل وسياساتها.
شهد هذا العام زيادة في عدد التقدميين الذين يتحدون مع الديمقراطيين المعتدلين في انتخابات الكونجرس. وفي حين أن آراء معظم هؤلاء التقدميين أكثر توازناً بشأن إسرائيل وفلسطين من معارضيهم، لم تكن القضية مركزية في أي من هذه السباقات الانتخابية.
وبدلاً من ذلك، فقد ناقشوا المخاوف التقدمية مثل الرعاية الصحية للجميع، وهو اقتراح لبرنامج تأمين صحي لدافع واحد يوفر تغطية رعاية صحية لجميع الأمريكيين. تشمل القضايا الأخرى العمل المناخي والتعليم العام المجاني.
نظرًا إلى قلقه من تقدم جناح التقدميين في الكونغرس فقد عمل اللوبي المؤيد لإسرائيل (إيباك) على إطلاق لجان عمل سياسي جديدة (باك). وبالفعل فقد أنفقت هذه اللجان المشكَّلة أكثر من 10 ملايين دولار في عدد قليل من السباقات الانتخابية في محاولة منها لإلحاق الهزيمة بالمرشحين التقدميين.
ومما يدعو إلى السخرية أنه في حين أن الغرض الوحيد من هذه المجموعات هو هزيمة «أعداء إسرائيل»، لم يذكروا ذلك علنا ولو مرة واحدة في حملاتهم الدعائية، ذلك أن معظم نفقاتهم كانت للإعلانات التي تلطخ سمعة المرشحين التقدميين، حيث يتم اتهامهم بأنهم متطرفون للغاية، ولا يدعمون الرئيس جو بايدن، أو أنهم ليسوا مجرد «ديمقراطيين حقيقيين».
هذا على الرغم من أن التبرعات الكبيرة لهؤلاء الأشخاص جاءت من مليارديرات جمهوريين وقد أيد أكبر هؤلاء أيضًا أكثر من 100 جمهوري، كان معظمهم من مؤيدي مزاعم دونالد ترامب بأن الانتخابات الرئاسية لعام 2020 قد سُرقت.
جاءت النتائج حتى الآن متباينة. فقد فاز المناهضون التقدميون حتى الآن بثلاثة سباقات تنافسية وخسروا اثنين، بما في ذلك مسابقة مهمة في غرب بنسلفانيا، حيث أنفقوا أكثر من 3 ملايين دولار في الإعلانات السلبية لهدم مرشح حقق في النهاية فوزًا مؤخرا. في سباق انتخابي آخر كان أحد التقدميين في تعادل افتراضي وجار إعادة فرز الأصوات.
يسود الخوف من إمكانية التفريط في القاعدة المؤيدة لدونالد ترامب وهو ما أدى إلى خلق وحدة هشة بين الجمهوريين، في السراء والضراء. أما الديمقراطيون فإنهم يكافحون بالمقابل من أجل إيجاد أساس للوحدة بين جناحيه التقدمي والمعتدل.
تكمن مشكلة الديمقراطيين في أن تدفق الملايين من الدولارات في شكل نفقات مبطنة قد يساعد في هزيمة عدد قليل من التقدميين الذين يدعمون العدالة للفلسطينيين، لكنه يؤدي أيضًا إلى تعميق الانقسامات داخل الحزب.
وحتى يتمكن الديموقراطيون من التوحد والالتقاء حول نهج يوسع قاعدتهم بأجندة تقدمية تناشد كل ما يعتبرونه حاليًا قاعدتهم والناخبين البيض من الطبقة العاملة التي تجاهلوها منذ فترة طويلة، فسوف يستمرون في مواجهة مشكلة الفوز في ولايات مثل بنسلفانيا وأوهايو وويسكونسن. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن نتيجة الصراعات الداخلية لهذا العام في كلا الحزبين لن تحدد فقط من يسيطر على الكونجرس، ولكن أيضًا ستمهد الطريق لعام 2024.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك