مسافات

عبدالمنعم ابراهيم
ازدواجية الحكومة البريطانية في ترحيل اللاجئين.. و«أسانج»
حريةُ الصحافةِ والعدالة وحقوق الإنسان والديمقراطية والمساواة بين الرجل والمرأة، والتسامح الديني وغيرها من الشعاراتِ التي ترفعها الدولُ الغربيَّةُ في وجه الدول الأخرى، سواء كانت دولاً عربية أو أفريقية أو آسيوية أو لاتينية، هي شعاراتٌ يقصد منها الابتزاز السياسي لحكومات وشعوب العالم، وليس بالضرورة تطبق فعليا في الدول الغربية ذاتها، بل إن بعض الحكومات الغربية حين تستدعي مصالحها كسر هذه الحقوق والشعارات فإنها تفعل ذلك من دون تردد!
حدث هذا في بريطانيا الأسبوع الماضي، حيث واجهت الحكومة البريطانية المحافظة برئاسة (بوريس جونسون) المصممة على ترحيل المهاجرين المتسللين إلى أراضي المملكة المتحدة إلى (رواندا) احتجاجات واسعة من داخل بريطانيا وخارجها، ومن بينها (المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان)، وكانت السلطات البريطانية تنوي (ولا تزال) ترحيل عدد من المهاجرين يصل إلى 130 من إيرانيين وعراقيين وألبان وسوريين إلى (رواندا) الدولة الواقعة على بعد 6 آلاف كيلو متر في شرق أفريقيا، بهدف الحد من توافد طالبي اللجوء في رحلات خطيرة عبر بحر المانش الذي يفصل بريطانيا عن القارة الأوروبية وعلى الرغم من تعليق الرحلة الأولى بقرار من «المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان» إلا أن الحكومة البريطانية لا تزال مصرة على تنفيذ مخططها في إبعاد المهاجرين إلى (رواندا)، بل إن وزيرة الداخلية البريطانية (بريتي باتيل) عبرت عن خيبة أملها، وقالت: (من المفاجئ جداً أن تتدخل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وإنه لا يمكن أن تثبط عزيمتنا عن فعل الصواب، وتنفيذ خططنا للسيطرة على حدود بلادنا)!
إذن حين يتعلق الأمر بمصلحة الأمن في بريطانيا تضرب الحكومة البريطانية بعرض الحائط كل المبادئ والشعارات المتعلقة بحقوق الإنسان، وتتصرف مع اللاجئين العابرين لبحر المانش، والذين هم ضحايا لتجار التهريب، كما لو كانوا عبيدا أفارقة تعيدهم إلى القارة السوداء!! ولو حدث هذا قبل قرنين أو ثلاثة من الزمان لتم بيع هؤلاء اللاجئين المهاجرين في سوق العبيد في المدن البريطانية، ولكن حكومة (جونسون) تتصرف حالياً بشكل (حضاري) وتركلهم نحو (رواندا) الأفريقية!!
المثال الآخر يأتي أيضاً من بريطانيا، حيث ذكرت وكالة (فرانس برس) منذ يومين (أن وزارة الداخلية البريطانية أعلنت أن الوزيرة (بريتي باتيل) وافقت على طلب الولايات المتحدة الأمريكية تسليمها (جوليان أسانج) مؤسس موقع (ويكيليكس)، الذي تلاحقه (واشنطن) بتهمة نشر كميات كبيرة من الوثائق السرية المسربة وقال الموقع بعد الإعلان: «إنه يوم مظلم لحرية الصحافة وللديمقراطية البريطانية» حيث يطالب القضاء الأمريكي بتسليم (أسانج) لمحاكمته بتهمة نشره اعتباراً من 2010 أكثر من 700 ألف وثيقة سرية عن أنشطة عسكرية ودبلوماسية أمريكية، لاسيما في العراق وأفغانستان، بعد مواجهة قانونية طويلة شهدت تطورات كبيرة، سمح القضاء البريطاني رسمياً في 20 أبريل الماضي بتسليم (أسانج) إلى القضاء الأمريكي، لكن الأمر ترك لوزيرة الداخلية البريطانية (بريتي باتيل) للتوقيع على مرسوم التسليم، وهو ما فعلته يوم الجمعة الماضي)!!
لاحظوا المفارقة إن الوزيرة البريطانية (باتيل) كانت قد هاجمت (المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان) حين عطلت ترحيل اللاجئين إلى (رواندا)، واصفة ذلك بالتدخل السافر في الشؤون الداخلية البريطانية، وعدم احترام القضاء البريطاني! وفي موضوع تسليم (أسانج) إلى أمريكيا لم تقل الوزيرة البريطانية ولا حتى حكومة (جونسون) في لندن إن أمريكا تتدخل في الشؤون الداخلية البريطانية بمطالبتها تسليمها الصحفي (جوليان أسانج)!!
وهو مواطن أسترالي، كان يفترض أن يُسلم إلى حكومة بلاده أستراليا، وليس إلى الحكومة الأمريكية!!
وقالت (أنييس كالامار) الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: (إن تسليم جوليان أسانج قد يعرضه إلى خطر كبير، ويوجه رسالة مخيفة إلى الصحفيين في جميع أنحاء العالم).. وقد يواجه أسانج حكماً بالسجن لمدة 175 عاماً كما ناشدت زوجته، وهي محامية من جنوب أفريقيا في الثلاثينيات من العمر، وزيرة الداخلية البريطانية منع تسليمه، وطالبت بوضع حد لما تعتبره «قضية سياسية».. وأن أي شخص في هذا البلد (بريطانيا) يهتم بحرية التعبير يجب أن يشعر بالخجل الشديد لأن وزيرة الداخلية (باتيل) وافقت على تسليم أسانج إلى الولايات المتحدة الأمريكية – الدولة التي تآمرت لاغتياله في وقت سابق – وأضافت: (إن جوليان لم يرتكب أي خطأ، لم يرتكب أي جريمة، وليس مجرماً.. إنه صحفي وناشر، ويعاقب على قيامه بعمله).
لاحظوا كيف تصرفت حكومات أمريكا وبريطانيا والسويد التي كانت تطالب بمحاكمته في بلادها بتهمة ملفقة حول الاغتصاب المزعوم، وقد أسقطت الدعوة لاحقاً بحقه في السويد، كما أن أستراليا التي ينتمي إليها (أسانج) لم تتدخل لحماية مواطنها، أو طلب محاكمته في بلادها!! وهذه كلها دول غربية ترفع شعارات حرية الصحافة وحق التعبير والرأي وحق نشر المعلومات!! كلها ضربت بعرض الحائط هذه الشعارات ولم يهتز لهم (رمش عين)!!
«حرية الصحافة والتعبير» شعار يرفعونه في وجوهنا نحن في دول العالم الثالث، وفي العالم العربي.. يرفعونه ليتدخلوا في شؤوننا الداخلية، ويتهمونا بالديكتاتورية!! بالله عليكم ماذا تسمون تسليم (أسانج) المعرض للموت إلى أمريكا؟!
والمفارقة العجيبة أن أمريكا وبريطانيا والدول الأوروبية (أقامت الدنيا ولم تقعدها) وشنت الحملات الصليبية الإعلامية والشتائم ضد الشقيقة (السعودية) في موضوع (خاشقجي) ولكنها صمتت صمت القبور في موضوع (جوليان أسانج)!! عجبي!!
إقرأ أيضا لـ"عبدالمنعم ابراهيم"
- هل يتعلم الغرب من «سحابة الفطر» الذرية الأمريكية في هيروشيما؟
- «منظمة العفو الدولية» تفضح ادعاءات أوكرانيا الكاذبة
- أمريكا تستنسخ أوكرانيا في تايوان.. لكن الصين ليست تِنينا من ورق
- جولة «بيلوسي» الآسيوية لا تخلو من فساد المنافع الخاصة
- الشعوب الأوروبية تتمرد على زعمائها
- كييف هي التي قصفت سجن الأسرى الأوكرانيين
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك