هوامش

عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
الإساءة للأديان نهج خطير ومرفوض
ما أن انخفض، ولم يتلاش بالطبع، غبار الزوبعة التي أثارها إقدام الدنماركي السويدي راسموس بالودان، زعيم حزب «سترام كوكس» أو «الخط الصلب» اليميني المتطرف، مع عدد من أنصاره على حرق نسخة من القرآن الكريم، وتداعيات تلك الضجة التي تسببت فيها مجلة (شارلي إيبدو)، الفرنسية الساخرة بنشرها رسوما مسيئة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام، ومن ثم إعادة نشرها، وهي الأفعال التي أثارت غضبا واسعا في أوساط المسلمين في كافة أنحاء العالم، بعد كل ذلك، تأتي المتحدثة باسم حزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم في الهند لتنشر هي الأخرى تغريدة على حسابها في شبكة التواصل الاجتماعي «تويتر» تسيء للنبي محمد عليه الصلاة والسلام، مع علمها بأن مثل هذا الكلام المسيء للنبي محمد عليه الصلاة والسلام وللرموز الدينية بشكل عام من شأنه أن يثير ضجة واحتجاجات تؤدي في بعض الأحيان الى انعكاسات خطيرة.
في بلد مثل الهند حيث العلاقات بين الأقليات الدينية والعرقية تشوبها بعض التعقيدات وتتعرض بين الفينة والأخرى لمناوشات، تصل إلى حد الصدامات الدموية، في مثل هذا الوضع الهش فإن الساحة الهندية ليست بحاجة الى مثل هذه المواقف المتطرفة التي من شأنها أن تزيد من التشنجات في هذه العلاقات، وخاصة أن العلاقة بين الأقليات الدينية المسلمة والهندوسية ليست على ما يرام وسبق أن وقعت صدامات عنيفة لأسباب دينية مختلفة، وبالتالي فإن الإساءة الأخيرة للنبي محمد «صلى الله عليه وسلم» تمثل صبا للزيت على جمر هذه العلاقات، علاوة على ذلك، فإن هذه «الزلات» الخطيرة لا تخدم الاستقرار الداخلي والحاجة إلى تعزيز التسامح بين مختلف مكونات المجتمع الهندي.
ردة الفعل الرسمية والشعبية التي صدرت عن مختلف مؤسسات صنع القرار ومؤسسات المجتمع المدني في العديد من الدول العربية والإسلامية، كانت متوقعة ومبررة كذلك، لكنها اتسمت بالهدوء والعقلانية في نفس الوقت، ففي الوقت الذي شددت فيه على الرفض التام، والإدانة لأي شكل من اشكال الإساءة للدين الإسلامي ورموزه المقدسة، إلا أنها في نفس الوقت أكدت على رفضها الإساءة لأي معتقد من المعتقدات الدينية الأخرى، من منطلق أن رفض الإساءة للدين الإسلامي ورموزه، يتطلب أيضا رفض الإساءة للأديان الأخرى ورموزها، باعتبار أن مثل هذا الموقف يترجم عمليا وفعليا سمة التسامح التي يتحدث عنها الجميع.
ما شكل، ربما «مفاجأة»، بالنسبة للبعض أن الإساءة الأخيرة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام صدرت عن مسئول في حزب يحكم دولة تعتبر تاريخيا من الدول الصديقة والقريبة جدا لجميع الدول العربية والإسلامية تقريبا، وتحتفظ بعلاقات واسعة وقديمة مع دول وشعوب العالم العربي والإسلامي، إضافة إلى أن الهند واحدة من الدول التي تشكل طائفة المسلمين من أبنائها نسبة كبيرة حيث يصل عدد أفرادها حسب آخر إحصائية سكانية إلى 172 مليون نسمة، أي حوالي 14,2 من عدد السكان البالغ مليار و380 مليون نسمة، فليس من المقبول تعريض معتقدات هذه الطائفة من أبناء الهند لمثل هذه الإساءة، ناهيك عن أنها، أي الإساءة، تمس ما يقارب ملياري مسلم في كافة أنحاء العالم.
مهما حاول البعض إرجاع مثل هذه الأفعال والتصرفات الى أنها شكل من أشكال التعبير عن الرأي، وهي حرية مكفولة في هذه الدول، فإن مثل هذا التعليل مردود عليه، ذلك أن التعبير عن الرأي وممارسة الحرية الفردية أو الجماعية لا يجب أن يكون على حساب حرية ومعتقد الآخرين، هذا من جانب، ومن الجانب الآخر، فإن الإساءة للأديان والرموز الدينية ذات المكانة المقدسة لدى الشعوب والملل، يحمل في طياته الكثير من المخاطر التي تنعكس وتؤثر على الاستقرار الاجتماعي وتسيء للعلاقات الإنسانية بين مختلف الأديان والطوائف والملل، والأهم من ذلك كله، فإن مثل هذه الإساءات والتصرفات لن تزعزع المكانة التي تحتلها الأديان ورموزها لدى معتنقيها والمؤمنين بها.
مثل هذه الإساءات ليس لها قيمة دينية أو ثقافية أو معرفية، ولن تؤثر على قناعات الناس بدينهم ومقدساتهم، الأمر هنا لا يعني المسلمين فقط، وإنما يعني معتنقي جميع الأديان، وبقدر ما أن مثل هذه التصرفات والأفعال التي أقدم عليها هؤلاء المتطرفون تجاه الدين الإسلامي ورموزه، مرفوضة تماما وغير مقبولة وتعد إساءة صريحة لمئات الملايين من المسلمين، فإن مثل هذا الرفض ينسحب أيضا على أي شكل من اشكال الإساءة للأديان الأخرى ورموزها، فالموقف الصحيح هو رفض الإساءة والتعرض لمعتقدات الآخرين الدينية والمساس بمكانة رموزهم الدينية.
إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك