هوامش

عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
الحروب والغزوات هي التي تهدد الاستقرار
بعد النجاح السياسي الجزئي الذي حققته الولايات المتحدة الأمريكية بشيطنة روسيا على الساحة الأوروبية تحديدا بعد العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، رفعت الولايات المتحدة الأمريكية من وتيرة حربها السياسية ضد جمهورية الصين الشعبية والعمل على تصويرها على أنها الدولة التي تشكل «خطرا» على النظام الدولي، حيث قال وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن مؤخرا إن «الصين هي الدولة الوحيدة التي لديها نية إعادة تشكيل النظام العالمي كما لديها بشكل متزايد القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية للقيام بذلك، وأن رؤية بكين ستبعدنا عن القيم الكونية التي حافظت على قدر كبير من التقدم العالمي على مدى الاعوام الـ75 الماضية»، أي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وصعود نجم الولايات المتحدة الأمريكية كأكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم.
الأهداف الأمريكية من وراء التصعيد ضد جمهورية الصين الشعبية واتهامها بتهديد النظام الدولي، ليست خفية على أحد، فالصين في الوقت الراهن تعتبر هي التهديد الأول للهيمنة الاقتصادية الأمريكية، حيث كل المؤشرات تؤكد أن بكين في طريقها لإزاحة أمريكا اقتصاديا عن المركز الأول عالميا، إلى جانب تصاعد القوة العسكرية الصينية التي لم تعد لقمة سائغة سهلة البلع من جانب واشنطن، وهو ما أظهرته بكين حتى الآن، وخاصة فيما يتعلق بقضية جزيرة تايوان الصينية التي تحاول واشنطن أن تجعل منها فخا لاصطياد الصين عبر الخطوات الاستفزازية، ومنها تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخير فيما يتعلق باستعداد بلاده للدفاع عسكريا عن الجزيرة.
المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ونبين عبر عن ذلك بكل وضوح حين قال: «إن هدف الخطاب الأمريكي كان احتواء نمو الصين ووقفه والحفاظ على الهيمنة وقوة الأمريكتين»، فهذه الحقيقة ليست غائبة عن أعين المراقبين لتوجهات السياسة الأمريكية وأهدافها، فواشنطن تعتبر أي قوة دولية تحمل نواة التحدي أو التهديد للهيمنة الأمريكية هي قوة «مهددة للاستقرار العالمي»، فواشنطن تختزل هذا الاستقرار في استقرارها وهيمنتها وتصرفاتها الشرطية على الساحة الدولية، وبالتالي فإن أي صوت يرتفع في وجه هذه السياسة يعتبر في نظر الأمريكان «مهددا» للاستقرار الدولي.
فالأهداف الأمريكية من وراء تصوير الصين الشعبية على أنها قوة صاعدة «تهدد» الاستقرار العالمي، لم تعد مخفية على أحد، ثم إن التاريخ لا يذكر ان الصين قامت بحروب خارجية ونفذت اعتداءات تدميرية على دول أخرى أو أرسلت جيوشها إلى مسافة آلاف الكيلومترات لغزو دول أخرى، ولا يحتاج المرء إلى العودة بعيدا لإحصاء الأعمال الأمريكية الخارجية التي هي وحدها تعتبر مهددا حقيقيا للاستقرار العالمي وسيادة وأمن الدول الأخرى، فالولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2001، شنت حروبا أو قامت بعمليات عسكرية في حوالي 80 دولة، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، ما أسفر عن مقتل أكثر من 800 ألف شخص، بينهم حوالي 300 ألف مدني، ولا حاجة للتذكير بالحروب والغزوات الأمريكية قبل عام 2001.
الاستقرار العالمي يحتاج إلى دولة مسالمة تسعى للتنمية الاقتصادية بكل فروعها وتقيم علاقات طبيعية مع الدول الأخرى تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون غيرها الداخلية، هذا الاستقرار لا تهدده المنافسة النزيهة واحترام خصوصية الشعوب وخياراتها، وإنما تهدده الحروب والغزوات وإسقاط الأنظمة السياسية بالقوة العسكرية، فليس هناك وجه للمقارنة بين سلوك الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة الدولية ومع العديد من دول العالم، وبين سلوك جمهورية الصين الشعبية التي لم يسجل التاريخ يوما قامت فيه بغزو واحتلال وتدمير وإسقاط أنظمة، كما تفعل الولايات المتحدة.
الأمر هنا ليس دفاعا عن جمهورية الصين الشعبية، فهي ليست بحاجة إلى مثل هذا الدفاع، ذلك أن سياستها الواضحة وعلاقاتها مع الدول الأخرى، هذه العلاقة القائمة على الاحترام والمنفعة المتبادلة، هي وحدها الكفيلة بالدفاع عن سجل الصين، فالأفعال وطبيعتها هي المعيار الذي يمكن من خلاله تقييم سلوك وصحة وسلامة سياسة هذه الدولة أو تلك، فهناك بون شاسع بين ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية من ممارسات على الساحة الدولية وبين ما تقوم به جمهورية الصين الشعبية، فالأولى تتبنى لغة التهديد والغزو والحروب وإلى غير ذلك من الممارسات التي تشكل تهديدا حقيقيا لاستقرار العلاقات الدولية واستقرار الدول والشعوب، فيما القيادة الصينية منكبة على تطوير بلدها من أجل رفاهية شعبها، ونسج علاقات خارجية مع جميع الدول من دون التدخل في شؤونها أو فرض نمطها السياسي والاقتصادي على هذه الدول، هذا التناقض الصارخ في الممارسات هو المعيار الذي على ضوئه يمكن تحديد من هو الطرف الذي يهدد الاستقرار العالمي.
إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك