هوامش

عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
تعدد الزوجات يثير ضجة في مصر
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر موجة من الجدل بعد الحديث عن مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية، وكانت الشرارة التي فجّرت الجدل حول هذا المشروع ذلك النص المتعلق بتعدد الزوجات، ليس لأن القانون يمنع التعدد، وإنما المشروع يقنن ويربط إتمام الزواج الثاني وصحته بموافقة القضاء بحيث لا يتم الزواج من دون إحضار الزوجة القديمة وإبداء رأيها بالرفض أو القبول، وإبلاغ الزوجة الجديدة بالزواج القديم، وإقرار مثل هذا القانون من شأنه أن يحدّ من حالات الظلم والتعسف التي تتعرض لها بعض الزوجات من قبل أزواجهن، بل إن البعض يلجأ إلى الانتقام من زوجته من خلال الاقتران بزوجة ثانية.
النائب في مجلس النواب المصري نشوى الديب التي تقدمت بمشروع القانون إلى مجلس النواب أوضحت في حديث لموقع «سكاي نيوز عربية» وهي تتحدث عن قانون الأحوال الشخصية المصري أن «غالبية ردود الفعل التي واجهناها كانت عن بنود تعدد الزوجات، لأنه مشروط عند الله بالعدل، وهو الذي من الصعب تحقيقه عند الإنسان، لذلك حاولنا عدم ظلم الزوجة الأولى»، والنائب على حق، ذلك أن بعض الزيجات تتم من وراء الزوجة الأولى، بل الأدهى من ذلك أن بعضها يأتي على سبيل الانتقام أو التنكيل بالزوجة الأولى.
المرأة في العديد من المجتمعات، منها المجتمعات العربية، وإن بدرجات متفاوتة، بحسب مستوى الوعي المجتمعي والعادات والتقاليد السائدة أو الموروثة، المرأة تعاني من ظلم وعدم إنصاف، بل إنها تعدّ مثل «الحيطة الهبيطة» في بعض المجتمعات، وتعامل بهذه الوضعية من قبل بعض الأزواج، فهؤلاء يستخدمون ما يعتبرونه حقا شرعيا للقيام بمثل هذه الممارسة غير الإنسانية التي لا تأخذ في الاعتبار المكانة الحقيقية التي يجب أن تأخذها المرأة، سواء داخل الأسرة أو المجتمع بشكل عام.
المجتمعات مرّت بمراحل طويلة من التطور، ومع ارتفاع مستوى التعليم وتشعبه واقتحام المرأة جميع الميادين المهنية وغيرها، جرت الكثير من التحولات التي صبّت في صالح الحقوق الإنسانية للمرأة، وتم استحداث وتطوير الكثير من القوانين التي تؤكد وتحفظ هذه الحقوق وتذهب بها إلى هدف المساواة بين الجنسين. من هذا المنطق وهذا الفهم، فإن مقترح النائب البرلمانية المصرية الخاص بوضع ضوابط خاصة بالزواج الثاني هو مقترح في مكانه، في ظل ما تتعرض له الزوجة (المرأة) من استهداف متعمد من بعض الأزواج، ليس في مصر تحديدا وإنما في العديد من المجتمعات الخالية من مثل هذه الضوابط.
بشكل عام، لا يوجد مجتمع خال من المشاكل الأسرية والخلافات الزوجية، وهناك حالات انفصال وطلاق في جميع هذه المجتمعات، وهناك أسباب مختلفة وكثيرة تتسبب في حدوث مثل هذه المشاكل وحالات انفصال الزوجين وتفكك الخلية الزوجية والتي هي نتيجة حتمية لتصدع العلاقات الزوجية، وبالتالي فإن العمل والبحث عن الطرق والوسائل التي من شأنها أن تعالج مثل هذه المشاكل وإيجاد الحلول لها هو مهمة تصب في صالح المجتمع بشكل عام، وليس بالأسرة الواحدة فقط، وأن التوجه إلى الوسائل التي من شأنها المساعدة على إطفاء المشاكل الأسرية هو واحدة من هذه المهام.
وعند الحديث عن وضع ضوابط قانونية لتنظيم قضايا أسرية أو اجتماعية مباحة شرعا، بل حتى وإن كانت مقبولة اجتماعيا، مثل تعدد الزوجات، وبغضّ النظر عن درجة وتفاوت هذا القبول وعلاقته بالقيم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للفرد تحديدا وليس للمجتمع، وضع مثل هذه الضوابط لا يعني بأي حال من الأحوال تدخلا أو منعا لما هو مباح شرعا، باعتبار أن تعدد الزوجات ليس فرضا دينيا، بل هو مباح ومجاز شرعا، لذلك فإن الاحتجاج بالشرع لمناهضة مثل هذا التوجه ليس له أساس يرتكز عليه، والعملية كلها لا تعدو كونها عملية تنظيم لعلاقات ذات أهداف أسرية مستقبلية.
تنظيم الحياة الأسرية ووضع الضوابط القانونية التي تحافظ على حقوق جميع أفرادها وتأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف وحقوقهم الإنسانية، إن هي إلا عملية تصب في حد ذاتها في نهاية المطاف في صالح الأسرة وأفرادها المستقبليين، ذلك أن أي تصدع في العلاقات الأسرية إنما هو تصدع لخلية المجتمع الأولى، ولا بد من الأخذ في الاعتبار التطورات التي طرأت على جميع المجتمعات ونوعية العلاقات التي نشأت بين أفرادها. أضف إلى ذلك -وهذا هو الأهم- النظر إلى مصالح جميع أفراد الأسرة من دون انحياز للمرأة أو للرجل، ثم إن تعدد الزوجات ليست ممارسة محصورة في المجتمعات العربية والإسلامية، بل هناك مجتمعات لديها الأمر نفسه مثل المجتمعات الإفريقية.
إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك