تصوير- روي ماثيوس
صباح الحايكي .. هاوي جمع المقتنيات القديمة، وبالتحديد المقتنيات التي ترتبط بشكل وثيق بالبيئة البحرينية. تضم مجموعته قطع نادرة ترتبط بأمكنة ما أو حتى حرف تقليدية أو مهنة كانت تزوال في مجتمعنا المحلي، كتجارة اللؤلؤ.
ويقول صباح: لم تكن نظرتي للمقتنيات القديمة نظرة تراثية بحتة بقدر النظرة الفنية. أتأمل النقوش والزخارف الجصية والسجاد الإيراني الأصيل وأزياء النساء المطرزة بخيوط الزري والبريسم والنقدة.
وأضاف الحايكي تولد شعور الإحساس بالمسئولية تجاه المقتنيات التي يشتريها زاري عتيج من نساء الفريج. وبدأت باقتناء كل ما هو ثمين لتضم مجموعتي اليوم قطع تراثية نادرة من أجداي وسكان فريج الحياك، مثل السريدان، ومزوار النارجيلة، وآله الحياكة، وباب مسماري منقوش بآيات قرآنية ومؤرخ بتاريخ 1334 هـ، وبعض من قطع السجاد التي يقدر عمرها بـ 150 سنة، والكرفاية ذات النقوش الجميلة والكثير من المراسلات القديمة في تجارة اللؤلؤ.
وأرجع الحايكي سبب اهتمامه بالتراث إلى فكرة ارتباط الماضي بالمستقبل، حيث أن العلاقة بين الاثنين جوهرية تعزز استمرارية المستقبل. ونحن بحاجة إلى فهم هويتنا من خلال موروثنا البحريني الذي خلفه لنا الأجداد.
ما يميز مقتنيات الحايكي هي المجموعات المتنوعة من التحف التراثية ضمن مجالات مختلفة مثل: التعليم النظامي، الرسم الشعبي، الحياكة، البناء، الزخرفة الجصية، الكورار، الغوص وتجارة اللؤلؤ، الحسينيات، والمطوع، وعدد كبير من الصحف البحرينية الصادرة في فترة الاربعينات والخمسينات، صوغة الحج، ولعب الأطفال.
وأهم هذه القطع وأكثرها ندرة هي حقيبة مدرسية عمرها أكثر من 100 عام تعود لأحد الطلبة الذين درسوا في مدرسة الهداية الخليفية بالصف الأول الابتدائي في العام 1919حيث بدأ التعليم النظامي في البحرين. تحتوي الحقيبة على مجموعة مكتملة من الكتب لجميع المواد ودفاتر الواجبات المصححة من قبل الأساتذة.
وكذلك آلة الحياكة التي استخدمها ساكني فريج الحياك ويقدر عمرها 90 عاماً، والتي أحس بالانتماء إليها ففيها اسم عائلة الحياك المحترفة لهذه المهنة، الحرفة التقليدية البحرينية التي كانت تمارس في فريج الحياك في منطقة المحرق، حيث ينسجون الأشرعة والبشوت والأردية والملافع والازر والغتر والعمايل (الكراكيش) للخيول. كذلك اشتهروا بنسج ثياب الشلحات، نوع من القماش الابيض الشفاف كانت تلبسه الطبقة المترفة من الشعب. تتركز هذه الصناعة أيضاً في قرى البحرين بالمنطقة الشمالية مثل قرية المرخ التي تتميز بنسج نوع من القماش يطلق عليه اسم الطرابزون. أما نسيج الأشرعة فيباع في البحرين لمراكب الغوص ويصدر منه الى دول الخليج .كما يأتي رسل من المملكة العربية السعودية أسبوعياً ليشتروا نسيج الأشرعة التي يعتقد أنهم استخدموها لصناعة خيام الحجاج.
كما تبرز هذه الحرفة على العملة الورقية فئة نص دينار بحريني وفي ذلك دلالة على أهميتها الاقتصادية للبلاد في ذلك الوقت.
وأردف صباح قائلا من المقتنيات أيضا، صورة لاحدى اللوحات التي رسمها الوالد علي بن أحمد الحايكي في فترة الثلاثينات حيث كان حينها في العاشرة من عمره ويعمل تباباً على ظهر سفينة بوخلف من الحد.
فبعد رجوعه من رحلة الغوص رسم والدي أربع لوحات زيتية، احداها لمدرسة الهداية وثلاث لوحات أخرى تمثل سفن الغوص: البوم، والسمبوك، والشوعي، وهي في حالة ابحار بكامل طاقمها وهم الآن بحوزة الفنان التشكيلي المخضرم عبد الكريم العريض. وتحدث عنها من خلال بحث قدمه في المؤتمر الذي أقامته منظمة الثقافة والفنون التابعة لجامعة الدول العربية في دمشق سنة 1975 بعنوان فن البحارة.
هواية جمع التراثيات
وتحدث الحايكي عن مستقبل هواية جمع المقتنيات القديمة، مبينا أن "هواية جمع التراثيات بدأت تأخذ مسارها الصحيح. فعلى مستوى الافراد أصبح لها العديد من المهتمين بجمع الموروث الوطني وحفظه في متاحفهم الخاصة وارتفع مستوى الوعي بأهمية القطع التراثية والنادرة لدى الرجال والنساء وصارت تقام لها المزادات ويحضرها جامعي التراث من البحرين ودول الخليج. أما على مستوى الدولة فكان لتراث البحرين النصيب الأكبر من الاهتمام في حفظ تراثنا من قبل هيئة البحرين للثقافة والآثار برئاسة معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة. فقد بذلت مجهوداً جباراً في حفظ وترميم المباني التاريخية من الاندثار وأبرزها مشروع مسار اللؤلؤ الذي تم تسجيله ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو الى جانب موقع قلعة البحرين ومدافن دلمون. إضافة الى ذلك فإن الهيئة تسعى الى الحفاظ على التراث الغير مادي مثل فن الفجري، وصناعة السفن. وحث الحايكي على جمع وتوثيق الموروثات التاريخية فنحن بحاجة لفهم هويتنا وكيفية بنائها وهذا هو العنصر الأول بالنسبة للباحث أو المواطن. لكنه أكد على أن بعض مقتني تلك القطع ينظر لها "بنظرة الكسب المادي. والبعض الآخر يشجع على اقتنائها والمحافظة عليها باعتبارها جزء من تاريخ الأجداد إضافة الى امكانية الاستفادة منها في اضافة لمسة تراثية في ديكور المنزل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك