هوامش

عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
الاستفزازات في القدس لن تتوقف
شهدت الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال الأيام القليلة الماضية، وخاصة مدنية القدس المحتلة، تطورات نوعية خطيرة تمثلت في سماح سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» للمستوطنين بتنظيم ما تسمى بمسيرة الأعلام، وهي المسيرة التي تحاول سلطات الاحتلال إضفاء الطابع الديني عليها، والزعم بأن المستوطنين اليهود يمارسون طقوسهم «الدينية» في المدينة المقدسة حالهم حال المسلمين والمسيحيين، لكن هذه المسيرة في الحقيقة ليست كذلك، وإنما هي مسيرة سياسية استفزازية احتفالية بما تطلق عليه سلطات الاحتلال «توحيد» مدينة القدس المحتلة تحت سلطة واحدة، أي الاحتفال بذكرى احتلال الجزء الشرقي من المدينة خلال عدوان الخامس من يونيو عام 1967.
الترخيص لهذه المسيرة وتوفير الحماية الأمنية للمشاركين فيها، رغم طابعها وأهدافها السياسية الاستفزازية، ورفض سلطات الاحتلال للمناشدات الخارجية بضرورة تغيير خط سيرها تجنبا للحساسية الدينية التي تمثلها، وما تحمله من الطابع الاستفزازي الذي تشكله، بما في ذلك مناشدة أمريكية، إنما يثبت بما لا يدع أي مجال للشك ان الحكومة اليمينية المتطرفة مصرة على إحداث تغيير جذري في وضعية وطبيعة المدينة المقدسة، وخاصة الأماكن الإسلامية فيها، وتحديدا قبة الصخرة التي خرجت دعوات لمنظمات متطرفة «إسرائيلية» تدعو إلى هدمها وإقامة ما يسمى بالهيكل مكانها.
مسيرة الأعلام التي وفر آلاف من قوات الأمن «الإسرائيلية» الحماية للمشاركين فيها وفي موازاة ذلك أقدمت هذه القوات على قمع الاحتجاجات الفلسطينية الرافضة لهذه المسيرة الاستفزازية وقامت باعتقال عدد من المشاركين فيها، وإصابة العشرات بجروح مختلفة، وعلاوة على هدف هذه المسيرة وطابعها السياسي، فقد استغل المتطرفون اليهود المشاركون فيها، هذه الحماية الأمنية، وحولوا جزءا من فعاليتها إلى مسيرة عنصرية، ليس فقط حين اقدموا على تدنيس المسجد الأقصى بل ذهبوا إلى رفع شعارات خطيرة مثل «الموت للعرب» خلال دخولهم من باب العمود، البوابة الرئيسية للحي الإسلامي بالبلدة القديمة.
ما حدث في مدينة القدس المحتلة، أي الاحتفال بذكرى ما يسمى «توحيد» المدينة المقدسة بشطريها الشرقي والغربي، أبعد وأكبر من أن يكون مواصلة لسياسة الاستفزاز في مواجهة التشبث الفلسطيني بالحق التاريخي الشرعي في ارضهم وممتلكاتهم، سواء في القدس المحتلة أو في غيرها من الأراضي الفلسطينية، ما حدث هو إمعان من حكومة الاحتلال وتحد صارخ للمجتمع الدولي ولقرارات الشرعية التي تعتبر هذا الجزء من القدس ارضا محتلة ولا تعترف بقرارات حكومة الاحتلال بشأنها، ولا يغير من هذه الحقيقة إقدام الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة دونالد ترامب على الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لــ«إسرائيل».
فإذا كانت حكومات الاحتلال تتحمل المسؤولية المباشرة عن هذا التصعيد وما ينجم عنه من تطورات أمنية خطيرة من خلال توفيرها الحماية الأمنية للمتطرفين وتمكينهم من الاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية، فإن المجتمع الدولي، على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية والحليفة لها عبر المحيطات، تتحمل هي الأخرى جزءا كبيرا من هذه المسؤولية وعن استمرار الاحتلال وتجاهل السلطات «الإسرائيلية» واستهتارها بقرارات الشرعية الدولية ورفضها الانصياع لهذه القرارات، بسبب الحماية السياسية والدعم غير المحدود الذي تقدمه هذه الدول لدولة الاحتلال.
هذه القضية ليست وليدة أحداث آنية، ولم تنشأ بعد احتلال «إسرائيل» للجزء الشرقي من مدينة القدس وباقي أراضي الضفة الغربية وغيرها من الأراضي العربية، مثل هضبة الجولان السورية، فقضية الشعب الفلسطيني هي أقدم قضية لشعب شرد من وطنه وصودرت حقوقه وممتلكات أبنائه، وهو الشعب الوحيد في العالم الذي يعيش بدون وطن مستقل كغيره من جميع شعوب العالم، وهناك قرارات دولية حازت موافقة جميع دول العالم، بمن فيها حلفاء وأصدقاء «إسرائيل»، هذه القرارات غطتها الأغبرة من دون أن يأخذ أي واحد منها مجراه للتنفيذ على مدى أكثر من سبعة عقود.
هذه القضية وما تحمله من مآس إنسانية، وما يتعرض له أبناء الشعب الفلسطيني من اضطهاد وتعذيب وتشريد وقتل شبه يومي خارج القانون وتمييز عنصري قبيح، كل هذه الممارسات المدانة وفقا لجميع القوانين والشرائع، لم تحرك ضمائر ومشاعر دول العالم ذات التأثير القوي على العديد من الأحداث الدولية، الأمر الذي أدى إلى إطالة أمد المأساة الفلسطينية من جانب، ومن الجانب الآخر شجع المعتدي على مواصلة اعتداءاته وممارساته غير الإنسانية، وما حدث مؤخرا في مدينة القدس ليس سوى حلقة واحدة من حلقات سلسلة من الممارسات المقيتة التي لم تتوقف على مدى أكثر من سبعة عقود.
إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك