هوامش

عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
الغطرسة الأمريكية لم تعد مطلقة
ليس معلوما حتى الآن عند أي حدود جغرافية ستتوقف العملية العسكرية الروسية الخاصة الجارية حاليا فوق الأراضي الأوكرانية مع دخولها شهرها الثالث ودخول غالبية دول حلف شمال الأطلسي وشركائهم عبر المحيطات بشكل شبه مباشر في الصراع من خلال فتح الخزائن المالية ومستودعات الأسلحة وضخها إلى ساحة الصراع دعما لأوكرانيا، أمام هذه التطورات وهذا الغموض بشأن تطورات ووجهة هذا الصراع العسكري، وانعكاساته السلبية على مجمل الأوضاع الاقتصادية في مختلف دول العالم، يخرج الرئيس الأمريكي جو بايدن ويثير زوبعة خطيرة ومن العيار الثقيل بتصريحه خلال زيارته لليابان عن استعداد الولايات المتحدة الأمريكية للدفاع عسكريا عن جزيرة تايوان الصينية إذا ما تعرضت لهجوم عسكري من جانب جمهورية الصين الشعبية.
قد يرى البعض أن هذا التصريح الخطير الذي صدر عن الرئيس الأمريكي مجرد «زلة» لسان، كما اعتاد الجميع سماع الكثير من الزلات والهفوات الدبلوماسية التي صدرت عن الرئيس بايدن في الفترة الأخيرة، مثل وصفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بــ«مجرم حرب»، لكنه في الحقيقة ليس كذلك، فالولايات المتحدة الأمريكية منذ بدأ نجم الصين الاقتصادي والعلمي في الصعود وهي تضع نصب أعينها عدة سيناريوهات لإيقاف الصعود الصيني الذي يهدد المكانة الاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية كأكبر اقتصاد في العالم، لكن خطورة هذا التصريح تكمن في كونه تدخلا فجا في الشؤون الداخلية لجمهورية الصين الشعبية.
تعرف الولايات المتحدة الأمريكية وجميع الدول التي تسير في ركبها أن سياسة الصين الشعبية تجاه جزيرة تايوان واضحة وصريحة، وهي ترفض حتى الآن استبعاد الخيار العسكري لإعادة الجزيرة إلى الوطن الأم، بل وتقولها صراحة إنها مستعدة لمثل هذا السيناريو في حالة اعلان الجزيرة استقلالها أو في حالة دخول قوات أجنبية إليها، بكين تنطلق في ذلك من كون الجزيرة جزءا لا يتجزأ من جمهورية الصين الشعبية، باعتراف المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي نفسه والولايات المتحدة الأمريكية أيضا، حين أعيد مقعد الصين في مجلس الأمن والمنظمة الدولية من تايوان إلى جمهورية الصين الشعبية.
بالنسبة إلى جمهورية الصين الشعبية فإن مسألة تبعية جزيرة تايوان للوطن الصيني الأم ليست قضية قابلة للمساومة تحت أي ظرف من الظروف، والصين تعودت على مثل هذه الاستفزازات الأمريكية التي لم تتوقف، صحيح أنها تصاعدت في الآونة الأخيرة، وخاصة بعد الموقف الصيني المحايد من العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا ورفض بكين الالتحاق بالركب الأمريكي والغربي الساعي إلى عزل روسيا الاتحادية سياسيا واقتصاديا ورياضيا وثقافيا إلى غير ذلك من المجالات، ومع إدراك بكين لهذه الاستفزازات، إلا أنها لم تتجاهل التصريحات الخطيرة الأخيرة للرئيس الأمريكي.
المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وين بين ردا على هذه التصريحات قال إنه «يتعين على الولايات المتحدة عدم الدفاع عن استقلال تايوان، وإنه «لا مجال للتهاون أو تقديم تنازلات في أمور تتعلق بسيادة الصين ووحدة أراضيها»، مشددا على أن بكين «مستعدة للدفاع عن مصالحها الوطنية فيما يتعلق بتايوان.. لا ينبغي لأحد أن يسيء تقدير عزيمة الشعب الصيني الحازمة وإرادته القوية في الدفاع عن السيادة الوطنية وسلامة أراضي الصين»، هذا الموقف يعبر عن عدم اكتراث الجانب الصيني بتلويح بايدن فيما يتعلق بطريقة وكيفية الدفاع الأمريكي عن تايوان.
الغطرسة الأمريكية ولغة القوة والتحدي التي تصدر عن مسؤوليها بين الفينة والأخرى لا يمكن أن تكون مطلقة أو ليس لها نهاية، هذه اللغة وهذه السياسة لن تكون لها أي قيمة حين يتعلق الأمر بالمصالح الوطنية الاستراتيجية لقوى عالمية تمتلك من المقومات النوعية ما يكفي لردع الغطرسة الأمريكية، فوجود ترسانة السلاح النووي لدى هذه القوى يضع الولايات المتحدة الأمريكية على درجة واحدة من التحدي والقوة مع خصومها الذين تتحرش بهم.
تايوان بالنسبة إلى جمهورية الصين الشعبية هي جزء لا يتجزأ من أراضيها، والسكوت والصبر على الوضع الشاذ القائم حاليا لا يعني تسليما صينيا بضياع هذا الجزء من الوطن، وإنما مصلحة الشعب الصيني على الضفتين تجعل القيادة الصينية تصبر على هذا الوضع، لكنها بكل تأكيد لا تسلم به، وهذا ما يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تأخذه على محمل الجد، فاستقلال تايوان يعني الحرب ضد الصين، ومن ثم لن يكون أمام بكين من خيار سوى الدفاع عن سلامة ووحدة أراضي الوطن الأم بكل ما تمتلكه من قوة، بما فيها القوة النوعية.
إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك