هوامش

عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
لا قيمة للتحقيق من دون محاسبة القتلة
بعد مراوغات وتهرب ومحاولة الالتفاف على الحقيقة، وبعد أن حشرت في زاوية ضيقة فيما يتعلق بقتل الصحفية الفلسطينية الأمريكية الجنسية شيرين أبو عاقلة، قدمت سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» رواية تعترف ضمنا بمسؤولية جنودها عن هذه الجريمة البشعة، التي استدعت تنديدا دويا واسعا، بما في ذلك تلك التنديدات التي صدرت من حلفاء وأصدقاء «إسرائيل»، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب طلب تقدم به عشرات من أعضاء الكونجرس لوكالة المباحث الفيدرالية الأمريكية بالتحقيق في ظروف استشهاد شيرين، بل ذهب بعض من هؤلاء إلى المطالبة بربط المساعدات الأمريكية بمدى التزام «إسرائيل» بحقوق الإنسان.
كل الأدلة المتوافرة حتى الآن، وكل الشواهد والقرائن تشير إلى أن الإصبع الذي ضغط على الزناد والرصاصة التي استهدفت عنق أبوعاقلة، هو إصبع ورصاصة «إسرائيلية»، وهي حقيقة لم تعد دولة الاحتلال قادرة على التنصل منها أو إنكارها، وهي بكل تأكيد سوف تعمل على تحويل الجريمة إلى القتل الخطأ وليس العمد، مع أن استهداف الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين هو نهج ثابت في سياسة سلطات الاحتلال وهناك أرقام ثابتة تؤكد ذلك، إذ تشير البيانات الموثقة إلى قتل أكثر من أربعين صحفيا وإعلاميا فلسطينيا منذ عام ألفين حتى الآن، وبالتالي فإن شيرين أبوعاقلة لن تكون الضحية الأخيرة.
بالنسبة إلى قتل الشهيدة شيرين أبو عاقلة، لا يمكن استبعاد صفة العمد في ارتكاب هذه الجريمة، فهناك مصلحة «إسرائيلية» في ذلك لأن النية المبيتة من وراء استهداف مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين في ذلك اليوم، هي نية سيئة وبالتالي فإن توثيقها من جانب الإعلام المرئي سوف يضيف ضررا جديدا، وربما جسيما للسمعة السيئة لسلطات الاحتلال، أضف إلى ذلك، فإن الضحية مميزة بما تحمله من علامات تدل على صفتها المهنية.
الدعوة إلى تحقيق محايد ومستقل، هي دعوة لا مفر من الاستجابة لها، لوضع النقاط على الحروف، وليس من مصلحة أصدقاء وحلفاء «إسرائيل» المماطلة أو تعطيل مسارها، أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا يقع على عاتقها مسؤولية حماية مواطنيها، وشيرين أبو عاقلة واحدة منهم، فالوضع القانوني للشهيدة، أعطى دافعا قويا لتحرك أعضاء الكونجرس الأمريكي، إلى جانب ذلك، فإن الشهيدة سقطت وهي تؤدي واجبا مهنيا وأن طبيعة مهنتها تفرض عليها التواجد في الأماكن والساحات الساخنة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي ميادين الأحداث.
التحقيق المحايد والشفاف سوف يظهر الحقيقة كاملة، وليس هناك أدنى شك في ذلك، والمسؤولون «الإسرائيليون» يهيئون أنفسهم لذلك، وهم تعودوا على مدى عشرات السنين من سماع الحقائق الصادمة لسياسات حكوماتهم المتعاقبة على مدى سبعة عقود، لكن القضية الأهم ليس من سوف يسفر عنه التحقيق المحايد والشفاف عن نتائج وما سوف يظهره من حقائق حول هذه الجريمة البشعة، وإنما الأهم من ذلك هو ما بعد التحقيق.
سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» لا تكترث كثيرا بنتائج التحقيقات الدولية حول سياستها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا بحالات القتل، بما في ذلك القتل الجماعي، كما حدث أكثر من مرة في الاعتداءات المتكررة على قطاع غزة، حيث استهدفت أسرا بأكملها، بحجة أن بها قائدا ميدانيا لهذا الفصيل الفلسطيني أو ذاك، لذلك يجب التركيز هنا على ما يجب أن يعقب نتائج التحقيق من إجراءات بحق الجهة التي نفذت الجريمة والتي هي بالتأكيد ليست فردية، حتى وإن كان مطلق الرصاصة القاتلة هو فرد من أفراد الجيش «الإسرائيلي».
المسؤولون «الإسرائيليون» يكررون في أكثر من مناسبة، أنهم لا يخشون لجان التحقيق، دولية كانت أم غيرها، ليس لأنهم على قناعة بصحة تصرفاتهم وسياستهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإنما لأن جميع الجرائم التي ارتكبوها حتى الآن تقفل بمجرد إعلان النتائج وتحديد الجهة المسؤولة عن ارتكاب الجريمة، أي أن «إسرائيل» في مأمن من أي شكل من أشكال العقوبات التي يفترض أن تطبق بسبب ارتكاب هذه الجريمة أو تلك، وهذا الأمر سنجده يتكرر أيضا مع جريمة الشهيدة شيرين.
فأولئك الذين تحمسوا للقيام بتحقيق محايد وشفاف في مقتل الصحفية الفلسطينية، مطالبون أكثر من غيرهم، ليس فقط بدعم إجراء مثل هذا التحقيق، وإنما في إجراءات عملية تحاسب المتسبب في هذه الجريمة، والمعني هنا ليس الجندي الذي ضغط على الزناد، وإنما من يقف وراء سياسة القتل خارج القانون ومن ينفذ عمليات الاغتيال اليومية لمجرد الاشتباه وقراءة نوايا الضحايا، وهي العمليات التي تحولت إلى ما يشبه الممارسة شبه اليومية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بدون المحاسبة الحقيقية والعادلة، فإن أي تحقيق في جريمة ما، بما في ذلك جريمة قتل شيرين أبو عاقلة لن تكون سوى وثيقة أرشيفية تؤرخ لجريمة وتاريخ ارتكابها.
إقرأ أيضا لـ"عبدالله الأيوبي"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك