زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
الأطفال سيم سيم القطط؟
كنت من بين قلة قليلة لم تتضايق من الانحباس في بيت الطاعة تفاديا لكورونا، وقد اعترفت مرارا بأنني صرت أو كدت أصير كائنا «غير اجتماعي»، بالمقاييس التي اعتبرها مختلة وتحكم على أن زيد اجتماعي وعبيد غير اجتماعي بمدى تواجدهم في كل مكان يتواجد فيه أصدقاؤهم ومعارفهم، ويقول لك أحدهم: ما شفناك في خطوبة سهير، فترد عليه بكل حسن نية: والله ما عندي خبر بأن سهير خطبوها؟ فيكون التعقيب: لو كنت مواصل الناس كنت عرفت.. هنا تركبني العفاريت: ربنا يتمم فرحها بخير بس ما لي أنا وخطوبة سهير أو جرير أو الفرزدق؟
فمن أصعب الأشياء على نفسي أن أذهب إلى مكان مزدحم بالناس، لأمكث فيه مدة طويلة، أعني على وجه التحديد «الحفلات»، وبالتحديد حفلات الزواج، وقد عرف أصدقائي الخلصاء عني هذا، وباتوا يتجاهلونني كلما أقاموا حفلاً أو حتى ما نسميه عزومة أو عزيمة، فزادني ذلك قربا منهم ومودة لهم، وإذا ذهبت إلى حفل كبير، فإنني أحرص على لقاء صاحب الدعوة وأقاربه بمجرد دخولي موقع الحفل، ثم أتسرب بهدوء ودون استئذان، لأن الداعي سيرى أنه من العيب أن يسمح لك بمغادرة الحفل قبل تناول الطعام، ولكنني أكون مضطراً أحياناً إلى البقاء في الحفل أو الوليمة الكبيرة، لأن صاحب الدعوة شخص حساس للغاية، أو تجمعني به صلة قرابة أو رحم ويعتبرني «مضيفاً»، ثم إنني لا أحس قط بالشبع في الحفلات الكبيرة التي يقدمون فيها طعاماً ديكوراته أكثر وأجمل من محتواه، ربما لأنني أعتبر الأكل مسألة شخصية وخصوصية للغاية، ولا أحس بالراحة عند الأكل أمام غرباء، ويسبب لي هذا مشاكل مستمرة مع عيالي، كلما طلبوا اصطحابهم إلى مطعم، فإما أرفض الذهاب معهم، وإما أرافقهم ولكنني أطلب فاتورة الحساب قبل أن يكملوا تناول ثلثي الطعام الذي طلبوه.
وعلى كل حال فإن أمر ذلك هين، فهناك أمور لا أجامل فيها وقد يدعوني شخص إلى حفل فأقوم باستجوابه حول عدد المدعوين ومدة الحفل، ثم أقول له: آسف، أنا لا أحب الزحمة!! ولكن ماذا أفعل مع الحفلات النسائية الوبائية، ففي مواسم معينة لا يكاد يمر أسبوع دون تلقي زوجتي دعوة لتناول الطعام بمناسبة ودون مناسبة، ومعنى هذا أن أقوم بتوصيلها ذهاباً وإيابا، والمشكلة أنها تتلقى دعوة لحفل شاي في السادسة مساء، وبحكم الخبرة فإنها لا تذهب إلى بيت صاحبة الدعوة قبل الثامنة، وتكون أول المدعوات وصولاً، ومعنى هذا أن أتفادى النوم حتى تصل إلي التعليمات بإعادتها إلى البيت في منتصف الليل غالباً. ثم عليها ان ترد لهن الصاع صاعين بدعوتهن إلى بيتنا، ما يعني أن أبقى محدود الحركة داخل بيتي عندما يكون محتلا نسائيا.
ذلك أيضاً أمره هين، ولكن جاءتني رسالة من قارئ عبر البريد الإلكتروني تفيدني بأمر مستجد في الحفلات، ألا هو أن الدعوة تنتهي بعبارة «يرجى عدم اصطحاب القطط والكلاب»، ولا أرى غضاضة في أن يرجو صاحب الدعوة عدم اصطحاب الأطفال، فقد شهدت حفلات كان خلالها عيال من مختلف الجنسيات يتصرفون كما قطط ضالة، لأن ذويهم يعتبرون صالات الحفلات حدائق عامة ويقولون لصغارهم الذين يصطحبونهم: روح ألعب هناك جنب العروس! والرجاء بـ«عدم اصطحاب القطط والكلاب» أسلوب ملتوِ المراد منه: عيالكم مثل القطط والكلاب فارحمونا ولا تأتوا بهم إلى الحفل.
وهكذا فإن هناك فئة من المدعوين ستكون أمام خيارين: عدم تلبية الدعوة لأنه ليس هناك من «يحرس» العيال، أو تجاهل رجاء عدم اصطحاب الأطفال، وهناك أمهات وآباء لا يحبون أن يتركوا عيالهم في رعاية الخادمات ليلاً، ويقول صاحب الرسالة إن تفشي تلك العبارة سيؤدي إلى تفاقم العنوسة لأن هواة السهر والحفلات سيحجمون عن الزواج الذي يؤدي إلى الإنجاب، والإنجاب قد يؤدي إلى الحرمان من الحفلات، ولا بد في الختام أن أعترف بأنني طرقت هذا الموضوع لأن من اقترحه عليّ وعدني بعشاء فاخر لو كتبت فيه وحوله، ويسرني أن أقبل الدعوة بشرط أن نكون أنا وهو «رأس» أي بمفردنا، وبشرط ألا يصطحب أطفاله.
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك