مسافات

عبدالمنعم ابراهيم
(النفط) جوهر صراع المصالح الدولية والداخلية في ليبيا
هناك دولٌ يكونُ النفطُ في أراضيها عاملَ نعمة واستقرارٍ ورفاهية لشعوبِها مثل السعودية والإمارات وبقية دول الخليج.. ولكن في المقابل هناك دولٌ يكونُ النفطُ في أراضيها عاملَ (نقمة) وشؤم وسببًا للصراعِ السياسي والقتالِ بين شعوبِها، وصراع بين الدول الكبرى للسيطرة والهيمنة على النفط في تلك الدول، ومن بين هذه الدولِ (فنزويلا) التي تعدُّ منتجًا للنفط، ولكنها تستوردُ النفطَ من إيران بسبب الخلافات السياسية الداخلية، وبسبب رغبة أمريكا في الهيمنة السياسية على الحكومة هناك.
ومن بين الدولِ العربيَّةِ التي يعدُّ النفطُ عاملَ (نقمة) عليها هي (ليبيا)، فهي تمتلكُ أجودَ أنواعِ النفطِ العام في الوطن العربي، ولكنها ابتُليت بكونها إحدى الدول العربية التي وضعها الرئيسُ الأمريكي (باراك أوباما) في أجندتِه التدميريةِ بإسقاط الأنظمة العربية فيما يسمى (بربيع الثورات العربية)! عام 2011، وقام حلفُ الناتو بقصفِ ليبيا بطائراته المقاتلة وأسقط نظامَ (القذافي) تاركًا ليبيا تعيشُ حمام دمٍ لم يتوقف حتى الآن.. وكانت حجة أمريكا والناتو والغرب عمومًا هو تخليصُ الشعب الليبي من (دكتاتور).. فإذا بهم يصنعون أكثر من دكتاتور في ليبيا وسط صراعٍ على بحيرة نفطية تسيل لعابَ دولٍ أوروبية وإقليمية للسيطرة على القرار السياسي والعسكري في الداخل الليبي.. ومثلما فعل الغربُ مع اليمن بإبقاء الوضع فيه (لا غالب ولا مغلوب) كذلك يفعلُ الغربُ حاليًا مع ليبيا.. أي إبقاء الوضع فيه (لا غالب ولا مغلوب) لكي يصبح الغرب وقوى إقليمية أخرى (مثل تركيا) المتحكم في القرار السياسي والعسكري الليبي.
لقد كان عام 2021 عامَ تفاؤلٍ بصنع السلام في ليبيا، ونهاية الصراعات العسكرية، والدخول في انتخابات برلمانية وأخرى رئاسية في ديسمبر الماضي، وشاهدنا علاماتٍ إيجابية في حدوث مصالحات داخلية، أبرزها مصالحة المشير خليفة حفتر مع (فتحي باشاغا) الذي كان وزيرًا للداخلية في حكومة (فايز السراج) السابقة، ولكن ظل صراع المصالح الدولية والإقليمية يعمل في الخفاء، وحال دون إنجاح مسيرة الانتخابات، يضاف إلى ذلك عاملُ المصالحِ الشخصية وتذوق حلاوة طعم كرسي السلطة من قِبل رئيس الحكومة المؤقتة (عبدالحميد الدبيبة)، والذي كانت مهمته ومهمة المجلس الرئاسي هي التحضيرُ للانتخابات البرلمانية والرئاسية فقط، ولا يحق لهم الترشح للانتخابات، فإذا بنا نجد (الدبيبة) يعلنُ ترشُّحَه في منافسات منصب الرئاسة!! رغم أنه لا يحق له ذلك بحسب اتفاق الأمم المتحدة، ولكن مثلما قلنا تذوق طعم السلطة يصبح مثل الإدمان في بحيرة النفط الليبية.
يضاف إلى ذلك أن اللاعبين الدوليين مثل فرنسا وإيطاليا وتركيا وبريطانيا وأمريكا وروسيا لم يحسموا خلافاتهم السياسية والاقتصادية (وخصوصا فيما يتعلق بكعكة النفط) داخل ليبيا، وبالتالي وجدنا أنفسنا أمام المربع الأول (حكومة في طرابلس برئاسة الدبيبة الذي رفض الاستقالة)، وحكومة أخرى برئاسة فتحي باشاغا معينة من قِبل البرلمان الليبي! و«كأنك يا بوزيد ما غزيت»! وعدنا إلى الصراع العسكري القديم، ومنذ يومين اندلعت اشتباكات مسلحة عنيفة استمرت ساعات في طرابلس من قبل مليشيات (الدبيبة) لمنع (باشاغا) من دخول مدينة طرابلس لممارسة مهامه الرسمية كرئيس للحكومة معين من قبل البرلمان، واندلعت اشتباكات مسلحة بين (القوة الثامنة) وهي مجموعة مسلحة في طرابلس مؤيدة لباشاغا مع مليشيات مسلحة مؤيدة للدبيبة!! اضطر على أثرها (باشاغا) للخروج من طرابلس حقنًا للدماء.
لو كانت ليبيا في مقام (الصومال) الذي يشهد هو الآخر حربًا أهلية منذ سنوات لما التفت إليه الغرب وعقد المؤتمرات من أجله، ولكن مشكلة ليبيا أنه بلد غني جدا بالنفط يسكنه 7 ملايين نسمة ضمن حدود جغرافية مترامية الأطراف، ويصعب التحكم في موانئه وحدوده البرية، ويبدو أن الغرب لديه مخططات أخرى في ليبيا، من بينها تقسيم ليبيا إلى دويلات عدة، حتى لا تسترجع الدولة الليبية قوتها المركزية القديمة وتتقاسم الشركات الغربية غنائم احتكار إنتاج وتصدير النفط والغاز الليبي.
إقرأ أيضا لـ"عبدالمنعم ابراهيم"
- «قمة السبع» تريد جر العالم إلى مواجهة ضد الصين!
- الغرب يرد على انتصارات روسيا في الدونباس بتحرشات في الأطراف!
- «جونسون» و«بايدن» مرشحان لفقدان السلطة قريبًا
- «أوروبا» تدفع ثمن التحالف الأمريكي–البريطاني ضد روسيا
- حلف أمريكا للدفاع الجوي.. إرضاء لإسرائيل وليس حماية للخليج
- أمريكا «لوّثت» ألمانيا باللجوء إلى الفحم بديلا عن الغاز الروسي!
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك