مسافات

عبدالمنعم ابراهيم
نـمـاذج الـديـمـقـراطـيـة الـطـائـفـيـة الـبــغـيـضــة
هل بالضرورة أن تكون (الديمقراطية) التي يروج لها الغرب (وأمريكا تحديدًا) طريقًا صحيحًا لاستقرار الشعوب وأمنها ورفاهية عيش المواطنين في المجتمعات الأخرى؟
طبعًا كلا.. وخصوصًا في مجتمعاتنا العربية، حيث أثبتت التجارب السياسية أن الدول العربية التي أخذت بالمفهوم الغربي للديمقراطية وجدت نفسها أمام أنظمة حكم طائفية فاسدة، أبرزها النموذج المشوه للديمقراطية في العراق وكذلك في لبنان. وعلى الرغم من أن لبنان يُعد من أقدم الدول العربية التي أخذت بالنظام الجمهوري الانتخابي بعد الانتداب الفرنسي، فإنه نظام انتخابي برلماني متقعر في الطائفية البغيضة إلى حد توزيع المناصب السيادية في الدولة بحسب التوزيع الطائفي، رئيس الجهورية يكون (مسيحيا مارونيا)، ورئيس مجلس النواب يكون (شيعيا)، ورئيس الحكومة يكون من الطائفة السنية!
ومع ذلك لم تسلم هذه التوازنات من الاختلال الهيكلي والتجاذبات السياسية التي أدت إلى الحرب الأهلية اللبنانية الطويلة بين عامي 1975 و1990، وقُتل فيها الآلاف من المواطنين اللبنانيين وتشرد ملايين السكان في بقاع الأرض، حتى حين عادت الأحزاب التقليدية إلى التهادن، بحسب «اتفاق الطائف»، عادوا أيضًا بتوزيع طائفي بنسخة كربونية مكررة للنظام الطائفي القديم، وانشغلت الأحزاب وقياداتها وزعماؤها بنهب المال العام، وتراكم ثرواتها الطائلة في حساباتهم المصرفية الخاصة في أوروبا بمليارات الدولارات الأمريكية، تاركين لبنان والشعب اللبناني في حالة تدهور اقتصادي ومعيشي وفقر وبطالة، إلى حد إفلاس مالي حقيقي لميزانية الدولة، ومصرفها المركزي الذي هو الآخر استولى على مدخرات الأفراد في البنوك اللبنانية.. وتركهم بلا نقود! وللأسف جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في لبنان لتكرس حكم الطبقة السياسية الفاسدة هي ذاتها مع رتوش صغيرة متناثرة هنا وهناك.. هي ذاتها نفس الأحزاب الطائفية المتحالفة مع (حزب الله اللبناني) صاحب القرار السيادي في الدولة اللبنانية المفلسة والعاجزة.
النموذج الآخر من الديمقراطية الطائفية صنعته (أمريكا) في العراق بعد احتلاله من قِبل الجيش الأمريكي بالتنسيق مع الجيش البريطاني عام 2003.. فقد صنعت أمريكا نظام حكم طائفي بغيض هو الآخر، ولا يقل تخلفًا عن النظام الانتخابي في لبنان، إن لم يكن أكثر سوءًا منه، ووزعت (واشنطن) المناصب بالطريقة اللبنانية في العراق، حيث يكون رئيس الحكومة من الطائفة الشيعية، ورئيس البرلمان من الطائفة السنية، ورئيس الجمهورية من (الأكراد)! ومن هنا كانت أمور البلاد في العراق تدار بشكل طائفي منذ عام 2003 حتى الآن، وإذا كان (حزب الله) هو من يتحكم في صنع القرار السياسي للدولة في لبنان، فإن الديمقراطية الطائفية (الأمريكية) في العراق أعطت إيران، ومليشيات الحشد الشعبي لاحقًا، سلطة اتخاذ القرار السيادي في العراق.. فصارت إيران هي التي تحكم لبنان! وهي التي تحكم العراق! وصار قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني (قاسم سليماني سابقًا، وإسماعيل قاآني حاليا) هما من كانا يحددان رئيس الحكومة في العراق! وها هي الدولة العراقية بلا حكومة منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي طال أمد انتظارها شهورا، وقد تدخل عاما بأكمله في مراوحات وسجالات وصراعات وحرب مليشيات وتفجيرات إرهابية بسبب إصرار إيران على إدخال رجلها الوفي (نوري المالكي) في الحكومة الجديدة!!
هذه هي نماذج الديمقراطية الطائفية التي تروج لها أمريكا والغرب عمومًا في بلادنا العربية.. نماذج حكم فاسدة وطائفية بغيضة، وقد كادت (البحرين) تقع في هذا الفخ الطائفي عام 2011، حين روج الرئيس الأمريكي (باراك أوباما) ووزيرة الخارجية آنذاك (هيلاري كلينتون) لتسويق نظام حكم طائفي مماثل في البحرين مشابه تمامًا لنظام الحكم في العراق، وعملت الإدارة الأمريكية آنذاك على دعم وتمكين قوى طائفية ممولة من إيران ومدعومة ماليًّا ولوجستيًّا وعقائديًّا من الحرس الثوري الإيراني، بل وتدريب إيران لعناصر إرهابية على السلاح واستخدام المتفجرات في البحرين.. حقًا كانت البحرين قاب قوسين أو أدنى من أن تزرع أمريكا فيها آنذاك نظام حكم طائفي إيراني استنساخًا لما فعلته في العراق!
إقرأ أيضا لـ"عبدالمنعم ابراهيم"
- «قمة السبع» تريد جر العالم إلى مواجهة ضد الصين!
- الغرب يرد على انتصارات روسيا في الدونباس بتحرشات في الأطراف!
- «جونسون» و«بايدن» مرشحان لفقدان السلطة قريبًا
- «أوروبا» تدفع ثمن التحالف الأمريكي–البريطاني ضد روسيا
- حلف أمريكا للدفاع الجوي.. إرضاء لإسرائيل وليس حماية للخليج
- أمريكا «لوّثت» ألمانيا باللجوء إلى الفحم بديلا عن الغاز الروسي!
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك